أخبار ثقافية

المعتزلة: الأصول الخمسة (4-4)

 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة واجب على كافة المؤمنين كل على قدر استطاعته- الأناضول
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة واجب على كافة المؤمنين كل على قدر استطاعته- الأناضول

أفردنا في المقالين السابقين، مساحة واسعة للحديث عن الأصل الأول لدى المعتزلة (التوحيد) وتفرعاته المتعلقة بنفي الصفات عن الله ومن ثم بالقول بخلق القرآن.

سنتابع الحديث عن الأصول الأربعة الأخرى للمعتزلة التي تشكل جوهر عقيدتهم الأصلية القائمة على أسبقية العقل على النقل.

العدل

 
العدل عند المعتزلة هو تنزيه الله في أفعاله، فإن الله لا يحب الفساد، وكل أفعاله إلى الحسن تسير وإلى الكمال تمضي، والله لا يفعل القبيح.

فالله في أصل التوحيد منفرد بذاتيته التي لا يشبهها أحد، وهو في أصل العدل منفرد بخيريته فلا يصدر عنه الشر.

ويتساءل أحمد محمود صبحي في الجزء الثاني من كتابه في "علم الكلام"، لماذا اختار المعتزلة من بين جميع صفات الفعل الإلهي صفة العدل ليجعلوها الأصل الثاني من أصولهم بعد التوحيد؟

يجيب، لأن العدل هو رأس الفضائل التي تحكم الأفعال المتعدية إلى الغير لا سيما في علاقة رب بمربوبين أو حاكم بمحكومين.

ولقد أوجب المعتزلة على الله عمل الأصلح، فالعدل هو ما يقتضيه العقل من الحكمة أو صدور الفعل على وجه الصواب والمصلحة.

لكن، ومع اتفاق المعتزلة على أهمية العدل الإلهي، فقد اختلفوا في بعض النقاط، فأبو الهذيل العلاف يرى أن الله يقدر على الظلم والجور والكذب، ولكنه لا يفعل ذلك لحكمته.

رفض النظام هذا الرأي، واعتبر أن الله لا يفعل الظلم فحسب، بل لا يقدر عليه، ولا يترك الأصلح من الأفعال إلى ما ليس بأصلح.

ويبرر النظام رأيه هذا بما يأتي:
وجدت الظلم ليس يقـع إلا من ذي
آفة وحاجة جملته علــى فعله، أو
من جــاهل بـه، والجهـل والحـاجة
دالات علــى حـدوث وصــف بهمـا،
تعـــالى الله عن ذلك علـــوا كبيرا.

ويعرض عبد الرحمن بدوي في كتابه "مذاهب الإسلاميين" رأي القاضي عبد الجبار في أن الله لا يريد المعاصي، وهذا ثابت بالسمع والعقل.

فمن جهة السمع، ما جاء في القرآن "وما الله يريد ظلما للعباد"، "والله لا يحب الفساد".

 

ومن جهة العقل، أن الله لو كان مريدا للقبيح لوجب أن يكون فاعلا لإرادة القبيح، وإرادة القبيح قبيحة، والله تعالى لا يفعل القبيح، ولو كان الله مريدا للمعاصي لوجب أن يكون حاصلا على صفة من صفات النقص، وذلك لا يجوز على الله.

إن مسألة صدور الأصلح من الله جاءت في إطار الهجوم الذي شنه المعتزلة على الثنوية الذين يقولون بإلهين واحد للخير وآخر للشر.

وقد تفرقت عن نظرية العدل مسألة حرية إرادة الإنسان، وذهب المعتزلة إلى أن الإنسان مكلف لأنه صاحب عقل، ولهذا فأعماله مخلوقة منه ومن اختياره الحر دون إجبار أو إكراه.

وفي هذا، قال القاضي عبد الجبار:
أعلـم أن العــدل، مصـدر عـدل يعدل عــدلا
وقـد يراد به الفعل ويراد به الفـاعل، فــإذا
أريد به الفاعل، فذلك عن طريـق المبـالغة
لأنه معدول به عما يجري على الفـــاعلين،
كقــولهم للضـارب ضرب، وللصــائم صــوم، 
ولـه حــد إذا استعمل فـي الفعل، وحد إذا
استعمل فــي الفـــاعل، أمــا حقيقتــه إذا
استعمل فـي الفعـل علـى مـا قيل، توفير
حق الغير، واستيفــاء الحـق منه، وأمـا إذا
استعمل فـــي الفــاعل، فهـو فاعل هــذه 
الأمور.

وإذا كان العدل الإلهي يقتضي أن تهدف أفعال الله كلها إلى ما هو حسن، فإن الحكم على الفعل أنه حسن أو قبيح إنما إلى وجوه عائدة إلى الفعل وليس لمجرد أمر الله به أو نهيه عنه.

الوعد والوعيد

 
شكلت مسألة الوعد والوعيد اهتمام المفكرين منذ بداية الإسلام، لما لها من ارتباط مباشر بسلوك الإنسان، فهي أكثر القضايا الكلامية ارتباطا بالواقع من جهة، وعلاقة الإنسان بالله من جهة ثانية.

المنطلق النظري للمعتزلة في هذه المسألة هو نتاج منطقي لرؤيتهم لله الواحد الذي لا مثيل له، ونتاج لرؤيتهم في حرية الإرادة الإنسانية، فالإنسان لديه مسؤولية أخلاقية ومسؤول عن سلوكه، وبالتالي سوف يثاب أو يعاقب على أفعاله.

معنى الوعد والوعيد عند المعتزلة، أن الله صادق في وعده ووعيده يوم القيامة،  فإذا مات المسلم على غير توبة عن كبيرة ارتكبها يستحق النار مخلدا فيها، لأن الله توعده بذلك، ولا بد أن ينفذ وعيده، لكن عذابه يكون أخف من عذاب الكافر، وفي ذلك إنكار للشفاعة يوم القيامة، وإذا مات ولم يرتكب الكبائر فإن وعد الله له سيتحقق بإدخاله الجنة.

وقال أبو موسى الأشعري في كتابه "مقالات الإسلاميين":
واختلف المعتزلة هل يـقال للفاسق مؤمن
أو لا علـى ثلث مقـالات: فزعم بعضهم أنــه
يقـال لـه آمن ولا يقال له مؤمن، وهذا قـول
عبـاد، وقـال قائلـون لا يقـال آمـن ولا يقــال 
مؤمن، وقال الجبائي يقال آمن من أوصـاف
اللغة ويقال مؤمن من أسماء اللغة.

وقال القاضي عبد الجبار:
أمـا علـوم الوعـد والوعيد، فهـو أن الله 
تعالى وعد المطيعين بالثواب، وتـوعد 
العصـاة بالعقـاب، وأنـه يفعل مـا وعـد 
بـه وتـوعد عليـه، لا محــالة، ولا يجـوز 
عليه الخلف والكذب.

أما أهل السنة فقالوا إن كلام الله الأزلي قد وعد على ما أمر، وأوعد على ما نهى، فكل من نجا واستوجب الثواب فبوعده، وكل من هلك واستوجب العقاب فبوعيده.

ويرى علي سامي النشار بين التصورين خلافا كبيرا: فالله عند السنة والجماعة يثيب من يثيب ويعاقب من يعاقب طبقا لكلامه الأزلي، هنا تنعدم القدرة الإنسانية ذائبة في قدرة الله ولا تبقى إلا القدرة الإلهية التي قدرت في الأزل الثواب والعقاب، بينما ينصب العقاب والثواب عند المعتزلة على أفعال الإنسان.

ولتدعيم رأيهم قدم المعتزلة نظرية اللطف الإلهي، وهي تشبه العناية الإلهية، فالله لا يجيز العقاب بدون دعوة الرسل والأنبياء لإثبات ما وصل إليه العقل من حسن وقبح في الأشياء، وليس للسمع من أهمية سوى أنه تأكيد للعقل في أحكامه.

واشترط المعتزلة ثلاثة شروط لاستحقاق العقاب: شرطا في الفعل وشرطين في الفاعل، أما الفعل فينبغي أن يكون قبيحا، وما يرجع إلى الفاعل فهو أن يعلم قبحه أو أن يتمكن من العلم بذلك، وأن يكون ممن يصح أن يثاب أو يعاقب.

المنزلة بين المنزلتين

 
هذا الأصل هو أول الأصول التي تحدث بها المعتزلة وتميزوا عن غيرهم، وقد قال فيها مؤسس الاعتزال واصل بن عطاء، ففاعل الكبيرة إذا مات من غير توبة فهو من أهل النار، لكن يخفف عنه العذاب في النار وتكون دركته فوق دركة الكفار.

ومع أن هذا الرأي قد تعرض لنقد شديد، إلا أنه ينسجم مع السياق الفكري للمعتزلة الذين يرون أن الإيمان ليس مجرد اعتقاد القلب أو نطق اللسان، بل لا بد من أن تصدقه الجوارح، فالإيمان عندهم مقرون بالعمل الصالح.


اقرأ أيضا: المعتزلة: التوحيد وإشكالية خلق القرآن (3-4)


والمقصود بالمنزلة بين المنزلتين في اللغة، أنها تستعمل في شيء بين شيئين ينجذب إلى كل واحد منهما بشبه، وأما في اصطلاح المتكلمين فهو العلم بأن لصاحب الكبيرة اسما بين اسمين، وحكما بين حكمين، وقد اختلفت الآراء فيها، فالخوارج اعتبروا أن صاحب الكبيرة كافر مخلد بالنار، والمرجئة اعتبروه مؤمنا، في حين اعتبر المعتزلة مرتكب الكبيرة فاسقا لا مؤمنا ولا كافرا.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 
ذكر الأشعري في "مقالات الإسلاميين" أن المعتزلة اجتمعوا إلا الأصم على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإمكان والقدرة باللسان واليد والسيف كيف قدروا على ذلك.

كتب القاضي عبد الجبار: 
واعلم أن المقصــود بالأمـر بالمعروف 
إيقاع المعروف، وبالنهــي عن المنكر 
زوال المنكر، فإذا ارتفع الغرض بالأمر 
السهل لـم يجز العــدول عنـه إلــــى
الأمر الصعب.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة واجب على كافة المؤمنين كل على قدر استطاعته، بالسيف فما دونه، وهذا المبدأ هو بحسب زهدي جارره جعلهم يضطهدون مخالفيهم ويقسون عليهم لاعتقادهم.

وقد قسم المعتزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى اعتبارين:


الأول، اعتبار الحكم. ويرى القاضي عبدالجبار، أن مشايخه أطلقوا القول في وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والواجب أن يفصل القول فيه، فيقال: المعروف ينقسم إلى:


ـ ما يجب والأمر بهذا القسم واجب.


ـ المندوب إليه: والأمر بهذا القسم غير واجب، لأن حال وجوب النهي عنها، لأن النهي إنما يجب لقبحها والقبح ثابت في الجميع .

الثاني، أقسام الأمر بالمعروف باعتبار القائمين به:
لقد قسم القاضي عبدالجبار الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، باعتبار القائمين به إلى قسمين:

أحدهما: ما لا يقوم به إلا الأئمة، وذلك كإقامة الحدود، وحفظ بيضة الإسلام، وسد الثغور، وتنفيذ الجيوش وما أشبه ذلك.

ثانيهما: ما يقوم به غير الأئمة من كافة الناس، وذلك مثل: النهي عن شرب الخمور، والزنا، والسرقة، وما أشبه ذلك، ولكن إذا كان هناك إمام مفترض الطاعة، فالرجوع إليه أولى.

1
التعليقات (1)
morad alamdar
الثلاثاء، 14-07-2020 06:31 م
لا يمنح الخلود في هذه الدنيا بالحياة الأبدية و إنما يمنح بالسيرة الطيبة و الإنجازات التي تخلدها السير و ترويها الحكايات و تتنقلها الأجيال ..^^ بلال بن رباح ^^ خالد في أدهان الأجيال إسمه مرتبط بأعظم شعائر الإسلام و إيمانه و شجاعته نقشة على ذلك الصخر الذي وضع على صدره في حر الصحراء القاحلة بغية أن يكفر بما أمان .. فما كان يقول إلا أحد أحد صورته ترتسيم في الأدهان من وصف كتابي و صوته كأنه يسمع من مآذن المساجد .. إيمان ، أخلاق ، مبادئ سامية ، شجاعة ، حب ، مشاعر صادقة ، إخلاص ، أمانة .. هؤلاء لن يتكرروا أبداً .. رضي الله عنهم أجمعين .. هؤلاء رضي الله عنهم و أرضاهم هم الرجال الرجال تربوا في مدرسة سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام .. من مغرب الخميس إلى مغرب الجمعة كل تانية فيها خزائن من الحسنات فليُكثر من الصلاة على النبي .. ثم يهبك الله قمراً مضيئاً يعادل جميع النجوم اللتي إنطفأ نورها و سقطت من سمائك ... ! .. يا معشرة الشباب هذه الأجساد للثراب فادخروا في قلوبكم محبة الله ، دخيرتاً لليوم الحساب .. المحبون هم الوصلون تتبها بهم الملائكة في الملائي الأعلى .. ألا إن حب الله عزٌّ و أملٌ و حب غير الله خيزيٌّ و خجل .. أقول قولي هذا و أستغفرو الله لي و لكم .. يقول بن خلدون : ^^ اعلم أن الدنيا كلها و أحوالها مطية للآخرة و من فقد المطية فقد الوصول ^^ .