هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الأكاديمي المصري، والباحث في
الهندسة النووية بالكلية الملكية في كندا، محمد صلاح حسين، إن
"استمرار وجود سد النهضة الإثيوبي يُمثل ضربة قاصمة للأمن القومي المصري في
مقتل، وسيؤدي لزيادة معدلات الجريمة والفقر والبطالة، وسينهار الاقتصاد أكثر مما
هو منهار، وستزداد الهجرة غير الشرعية نحو الجنوب الأوروبي، وربما تظهر على المدى
المتوسط نزعات انفصالية بسبب عدم قدرة الدولة المركزية على توفير أبسط المتطلبات
الحياتية".
وأكد رئيس المكتب الإعلامي للمجلس الثوري المصري، في
مقابلة مع "عربي21"، أن "انهيار سد النهضة
الإثيوبي سيعادل ضرره 100 قنبلة نووية من نموذج القنبلة النووية الأمريكية على
هيروشيما، وهذا التدمير المحتمل لن تستطيع أي دولة تحمله أو تجنبه"، واصفا
إياه بأنه "سد الفناء والدمار بالنسبة لمصر والسودان"، وفق قوله.
يُذكر أنه في 6 آب/ أغسطس 1945، قامت قاذفة أمريكية من
طراز بي-29 بالتحليق على علو مرتفع فوق سماء المدينة قبل أن تلقي عليها قنبلة
يورانيوم تعادل قوتها التدميرية 16 كيلو طن من مادة الـ"تي.أن.تي"،
مخلفة نحو 140 ألف قتيل.
وبعد ثلاثة أيام من قنبلة هيروشيما، ألقت قاذفة أمريكية
أخرى قنبلة بلوتونيوم على مدينة ناغازاكي الساحلية مما أسفر عن مقتل 74 ألف شخص.
ووجهت هاتان القنبلتان ضربة قاضية للإمبراطورية اليابانية التي استسلمت في 15 آب/
أغسطس 1945 لتنتهي بذلك الحرب العالمية الثانية، وقد تضاعف عدد المتضررين عدة مرات
جراء هاتين القنبلتين حتى الآن.
ودعا الأكاديمي المصري كلا من القاهرة والخرطوم إلى "الانسحاب
الفوري من اتفاق المبادئ الموقع في آذار/ مارس 2015، ثم اللجوء إلى مجلس الأمن واعتبار
بناء السد عملا عدائيا، كما أنه لابد من وضع تاريخ زمني لتحييد السد بصورة كاملة سلميا
أو على أقصى تقدير تخفيض حجمه إلى 14 مليار متر مكعب كما كان في التصميم الأولي له".
وشدّد صلاح على ضرورة "اتخاذ كافة الاحتياطيات والسيناريوهات
اللازمة لتأمين حياة سكان وادي النيل في دولتي المصب، وعلى الدولة الإثيوبية أن
تنشئ مشاريعها التنموية بعيدا عن مجرى النيل الأزرق، وإلا فمن حق الدولة المصرية والسودانية
تحييد السد عسكريا لما يسببه من تهديد وجودي لهما".
وتاليا نص المقابلة:
ما تقييمكم لطريقة تعاطي النظام المصري مع أزمة سد النهضة؟ ومن المسؤول برأيك عما آلت إليه تلك الأزمة؟
هو تعاطٍ تغلفه الخيانة المُتعمدة، ويشوبه الجهل المُبين،
والاستغفال للشعب المصري. فمن يقرأ اتفاقية إعلان المبادئ التي وقعها السيسي يدرك
أنها تنازل صريح عن حقوق مصر التاريخية في النيل، وذلك من خلال اعتبار اتفاق 2015 هو المرجعية الأساسية في التعامل بين الدول
الثلاث وليس الاتفاقيات الدولية السابقة 1902، و1929، و1959، والتي تكفل حقوق مصر
التاريخية في مياه النيل، والتي تؤكدها المواثيق والمنظمات الدولية مثل منظمة
الأنهار الدولية.
واتفاق المبادئ يتمسك به الساسة الإثيوبيون، حيث أعلن رئيس
الوزراء الإثيوبي الأسبق قبل يومين أن اتفاق المبادئ
الذي وقعه قائد الانقلاب هو الاتفاق الوحيد بين إثيوبيا ومصر مُسقطا بذلك كل
الاتفاقيات الدولية السابقة.
وتستند إثيوبيا لاتفاق المبادئ في كل جولاتها
السياسية، لأنه لم يحدد بالأرقام حصة أي من مصر أو السودان، وهي المنصوص عليها
صراحة في الاتفاقيات السابقة، فضلا عن استخدامه مصطلحات مطاطة لتحديد تلك الحصص
مثل استخدام لفظ التقسيم المنصف، وعدم الضرر، وهي مصطلحات غير دقيقة لا فنيا ولا
سياسيا.
كما أن المفاوض المصري لا تقل جريمته عن السيسي نفسه
في قبول لعبة المراوغة الإثيوبية في المفاوضات الفاشلة على مدى 5 سنوات، وهذا يدل
على أن وزيري الخارجية والري المصريين، ولجنة الخبراء التابعة لهما، كانوا يديرون
الفشل حتى نصل إلى هذه المرحلة من الملء الأولي للسد أمام عجز متعمد من
الدبلوماسية المصرية، والتي تلقت أكبر صفعة إهانة لها منذ اتفاقية كامب ديفيد.
ولقد كانت فكرة اللجوء إلى الولايات المتحدة للضغط على
إثيوبيا لحل مشكلة السد إهانة أخرى تؤكد أن سيادة الدولة المصرية على قرارها مرتهنة
بالوصاية من دولة أخرى، بينما أثبتت إثيوبيا أنها أكثر حرية وقدرة على المناورة السياسية
في المساحة التي خلقتها لها حكومة الانقلاب من خلال اتفاق 2015، بل وأكثر سيادة على قرارها والعمل لمصلحتها حتى وإن كانت ليست
صاحبة الحق في ذلك. ولهذا، فالمسؤول الأول عن تلك الأزمة العصيبة هو عبد الفتاح
السيسي، ووزارة خارجيته، ووزير الري، وخبراؤه، ومن وراء كل هؤلاء من منظومة
الانقلاب كاملة بما فيها برلمان الانقلاب، والمخابرات العامة، ومجلس الدفاع
الوطني، لأنهم تغاضوا عن ضرر محدق بالشعب المصري وبالأمن القومي المصري.
ما مدى واقعية سيناريوهات انهيار سد النهضة؟ وماذا ستكون آثار ذلك في حدوثه؟
إن أي مشروع مهما صغر أو كبر لابد من عمل دراسات لتحديد
وتحليل المخاطر الناجمة عنه مع الأخذ في الاعتبار كافة الاحتمالات، وهذه الدراسات
تعتمد بالأساس على معاملات أمان هذا المشروع. فمثلا في مجال المفاعلات النووية فبالرغم
من ارتفاع معاملات الأمان لها إلا أنه لابد من الأخذ في الاعتبار كيفية حماية
القرى والمدن المحيطة أو القريبة للمفاعل، وتفريغها، ونقل المواطنين، وتسكينهم، وإعاشتهم
في سيناريوهات معروفة ومكتوبة، وهناك تدريب على معدل وسرعة تنفيذها وتحديثها.
أما وبخصوص السد فنجد أنه بالرغم من أن معاملات أمانه
ضعيفة للغاية كمشروع هندسي - كما ذكر العديد من الخبراء وتحفظت إثيوبيا على هذه
المعلومات التي تهم بالأساس دولتي المصب أكثر من إثيوبيا نفسها - إلا أنه لم
يؤخذ في الاعتبار كيف تتصرف مصر والسودان في التعامل مع المخاطر ومعالجتها وتجنبها وتقليل تأثيرها حال
انهيار السد باعتبار أنهما الدولتين الأكثر تضررا حال انهياره؛ فلا توجد أي خطة
واضحة في هذا الصدد.
وهو الأمر الذي يجعل حياة نحو 150 مليون إنسان من سكان
وادي النيل في مصر والسودان، مُهددة بالفناء والغرق.
وفي حال انهيار سد النهضة – لا قدر الله- فإن ذلك قد يكون
قادرا على محو مصر والسودان من على الخريطة وإخراجهما من التاريخ للأبد. فلنا أن
نتخيل تدفق موجة بارتفاع 155 مترا عن قاعدة السد أو 650م
فوق سطح البحر، نحو السودان ومصر فهي قادرة على محو كل أشكال الحياة على طول مجرى
النهر، وبفرض أن نصف هذه الكمية فقط من المياه أضيفت إلى بحيرة السد العالي جنوب
مصر في معدل دفع هيدروليكي عال وما تحمله من طاقة هيدوميكانيكية، نتيجة لشد
الانحدار نحو الشمال وفي زمن قصير لتضاف إلى أكثر من 150 مليار متر مكعب من المياه
في بحيرة السد فإن السد العالي، وإن استطاع تحمل هذه الزيادة على مدى شهور في موسم
الفيضان، فإنه لن يستطيع تحملها إذا وصلت إليه فجأة وفي زمن قصير، الأمر الذي قد
يعرض السد العالي حتما لخطر الانهيار أيضا، ولنا أن نتخيل انسيابا ما قوامه 200
مليار متر مكعب في موجة ارتفاعها حوالي مائة متر من القاعدة و180 مترا من سطح البحر من جنوب
أسوان متجهة نحو الشمال نحو القاهرة والدلتا مرورا بصعيد مصر.
هذه الموجة ستكون قادرة على اقتلاع كل المدن والقرى
والمراكز والمباني والآثار والحضارة على طول مجرى النهر من أسوان وحتى القاهرة
والدلتا، وستغرق حتما مدينة الفيوم بالكامل، نظرا لانخفاضها، وستغرق كل الجزر
المأهولة وغير المأهولة بالسكان أو الزراعة، وكذلك كل الأراضي الزراعية، وسيتعرض
لخطر للغرق والتشرد وتفشي الأمراض أكثر من 90 مليون مصري هم سكان الوادي.
أي أن انهيار سد النهضة سيعادل ضرره 100 قنبلة نووية
من نموذج القنبلة النووية الأمريكية على هيروشيما. هذا التدمير المحتمل لن تستطيع
أي دولة تحمله أو تجنبه بعمل تفريغ لوادي النيل خلال فترة لا تتجاوز 10 أيام، وهي
فترة تدفق المياه عبر السودان ووصول الموجة المُضافة إلى بحيرة السد العالي، وهو
ما يحتاج إمكانيات ضخمة جدا لنقل وإعاشة 90 مليون إنسان بعيدا عن الوادي الغارق، وهو أمر مستحيل وتعجز أمامه
كافة الإمكانيات، وبالتالي فإن أدق وصف لسد النهضة بأنه سد الفناء والدمار بالنسبة
لمصر والسودان.
لكن ماذا عن مخاطر بقاء السد؟ وما انعكاسات بدء الملء بالنسبة لمصر؟
هذا يتوقف على فترة ملء بحيرة السد، وبالطبع الأيام
السابقة أظهرت إصرار إثيوبيا على الملء السريع أي ثلاث سنوات، وهو ما سينتقص من
نصيب مصر ما يقرب من 25 إلى 30 مليار متر مكعب، وهذا سيتسبب في تبوير 5 ملايين فدان
أي أنه سيتسبب في مجاعة شديدة، فضلا عن تصحر الأراضي على طول وادي النيل، وتملح
أرض الدلتا بسبب زحف مياه البحر عليها، وهو ما يعتبر فقدانا للمصدر الرئيسي للغذاء
للشعب المصري.
كما أن بقاء السد بهذه الصورة يعتبر ضربة للأمن القومي
المصري في مقتل، وستزداد معدلات الجريمة والفقر والبطالة، وبالطبع سينهار الاقتصاد
أكثر مما هو منهار، وستزداد الهجرة غير الشرعية نحو الجنوب الأوروبي، وربما تظهر
على المدى المتوسط نزعات انفصالية بسبب عدم قدرة الدولة المركزية على توفير أبسط
المتطلبات الشعبية.
وكل ما نتمناه أن يتم إيقاف العمل على ملء السد، لأنه
سد عدائي بكل الصور، لتدميره حق الإنسان المصري والسوداني في الحياة. وعلى الشعب
المصري أن يدرك اللحظة الفارقة الآن في الوقوف في وجه الانقلاب بشدة، لأنه السبب
الرئيسي فيما وصلت إليه مصر من تهديد وجودي بسبب هذا السد.
أما إذا زادت فترة الملء إلى 7 أو حتى 10 سنوات، وهو
ما ترفضه إثيوبيا، فإن هذا لن يكون له ميزة أكثر من توزيع آلام الشعب المصري على
سنوات أطول، ولكن لن يوقف المعاناة من العطش أو تدمير الرقعة الزراعية، وخاصة
الزراعات الاستراتيجية مثل القطن وقصب السكر والقمح والأرز، والتي توقفت زراعتها
بالفعل إلى حد كبير.
إذن؛ فملء سد النهضة، حتى وإن لم ينهر الآن، فسيخلق
معاناة شديدة للشعب المصري بسبب الجوع والعطش وما سيصاحبه من أعباء اقتصادية أخرى
نتيجة ارتفاع أسعار المياه بسبب التحلية أو المعالجة، كما تدعي حكومة الانقلاب.
هذا فضلا عن المخاطر الأخرى
التي يسببها سد النهضة التي يمكن أن تتخلص في نقص الطمي الذي يساعد في خصوبة الأرض
الزراعية، وزيادة تصحر الأراضي الزراعية الموجودة، وقلة خصوبتها وتملحها، وعجز
شديد في توليد الطاقة الكهربائية، نتيجة تناقص منسوب المياه في السد العالي، كما أن
هذا سيؤدي حتما إلى نقص شديد في الثروة السمكية خصوصا في بحيرة ناصر التي انخفض
منسوبها.
وما سيصاحب هذا من تشريد أكثر
من 50 مليون عامل يعتمدون بشكل
مباشر أو غير مباشر على القطاع الزراعي والصناعات المعتمدة عليه.
في تقديرك، ما هي الخيارات التي لا تزال متاحة أمام الجانب المصري أو السوداني؟
أنا هنا عندما أتحدث عن الجانب المصري فلا أعني سلطة
الانقلاب التي قادت المشهد إلى تلك الحالة، لأنها متواطئة مع الجانب الإثيوبي
وتريد أن تصل إلى نقطة شراء المياه من إثيوبيا، وستساعد إثيوبيا في تصدير المياه
عبر الأراضي المصرية إلى كل من الكيان الصهيوني والأردن وغيرهما.
لذا، أعتقد أنه لا داعي من الاستمرار في مفاوضات عبثية لا طائل من
ورائها على الإطلاق، وأن الحل هو انسحاب الدولتين من اتفاق المبادئ المشين الموقع
في آذار/ مارس 2015 ثم اللجوء إلى مجلس الأمن.
فالحل السياسي هو اللجوء إلى مجلس الأمن فورا بعد
الانسحاب من اتفاق المبادئ، واعتبار وجود سد النهضة تهديدا لحقوق الإنسان للمواطن
المصري والسوداني، وهو حق الحياة، وحق الحصول على الماء والغذاء، ووضع تاريخ زمني
لتحييد السد أو على أقصى تقدير تخفيض حجم السد إلى 14 مليار متر مكعب، وإلا فمن حق
الدولة المصرية والسودانية تحييد السد عسكريا لما يسببه من تهديد وجودي لهما.
وهذا القرار يحتاج إلى إرادة وإيمان بالوطنية وإبعاد
تهديدات السد على الأمن القومي للبلدين، ولكن السؤال هنا: هل يملك مَن هم في سدة
السلطة الآن هذه الإرادة أو هذا الإيمان بمخاطر السد على الأمن القومي؟ في الواقع
تعاطي الحكومتين مع مفاوضات السد في السنوات السابقة يدل على عكس ذلك تماما.
هل ما يُقال حول مساهمة البنك الدولي في تمويل السد ومساهمة شركات لدول في الاتحاد الأوروبي في أعمال التشييد سيحول دون توجيه ضربة عسكرية ضد السد؟
لن يقوم نظام الانقلاب في مصر بضربة جوية للسد وهذا
ما أقره وأعلنه قائد الانقلاب في 28 يوليو 2020 بأن الطريق الوحيد هو
المفاوضات العبثية التي يقودها فريقه.
ولو كانت هذه الحكومة تريد أن تمنع إقامة السد حرصا
على الأمن القومي المصري لما سمحت لبعض البنوك المصرية بالمساهمة في تمويل السد أو
لما وقعت على اتفاق يضيع حقوق مصر التاريخية في النيل، ولاستخدمت علاقتها بالاتحاد
الأوروبي من خلال الرشاوى التي اعتادت عليها في الضغط على إثيوبيا في المفاوضات.
في الواقع إثيوبيا تبدو وكأنها تفاوض نفسها.
إن الدول التي تريد الحفاظ على أمنها القومي في قضية
تتصل بمسألة وجود؛ فهي ستفعل ما تريد بغض النظر عن أي توازنات إقليمية أخرى، ولنا في الغزو الأمريكي للعراق أدق المثل؛
فبالرغم من جريمته وعدم عدالته، إلا أن أمريكا اعتبرت أنها تدافع عن الأمن القومي
الأمريكي من خلاله فلم تكترث بموافقة العالم عليه.
الاتحاد الأفريقي قال إن "القمة الأفريقية المصغرة التي عُقدت بشأن مفاوضات سد النهضة اتفقت على عقد جولة جديدة من المفاوضات، للتوصل في أقرب وقت ممكن إلى اتفاق ملزم لجميع الأطراف بشأن ملء وتشغيل السد".. فما هي توقعاتكم لفرص نجاح مفاوضات سد النهضة التي قد يتم استئنافها قريبا؟
ربما يصلون إلى اتفاق ضعيف مُلزم في حدود ضيقة في ظل
التعنت الإثيوبي ومحدودية مساحة المناورة السياسية وأوراق الضغط لدى المفاوض
المصري، فضلا عن ضعف الإرادة السياسية، ولكن هذا لا يمنع أبدا استمرار مخاطر السد
سواء تم ملؤه واستمر أو انهار، لأن المشكلة هي في وجود السد في حد ذاته. والتفاوض
عليه هو التفاوض على تأجيل الموت والدمار أو طريقة الفناء.