كتاب عربي 21

الإسلاميون والتحديات الجديدة: هل آن الأوان لطيّ صفحة الخلافات؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600

عُقد مؤخرا في بيروت لقاء حواري خاص جمع عددا من القيادات والشخصيات الإسلامية، لتقييم "تجربة الإخوان المسلمين في مصر"، انطلاقا من الكتاب الذي أصدره الدكتور طلال عتريسي بعنوان: "بين صحوتين: الإسلام السياسي في شرق أوسط متحول".

وقد انقسم المشاركون بين اتجاهين: الأول يعتبر أن تجربة الإخوان عامة وفي مصر خاصة؛ قد تعرضت لهزيمة كبرى بسبب عدد من الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية، والثاني دافع عن التجربة الإخوانية، مؤكدا أنها تعرضت لحملة قاسية من داخل مصر وخارجها، وأنها لم تتمكن من تقديم مشروعها السياسي والنهضوي المتكامل، وأن هزيمة وتراجع تيارات الإسلام السياسي لا تقتصر على الإخوان المسلمين بل تشمل العديد من هذه الحركات في العراق وسوريا ولبنان، والسبب هو تشكل محور دولي- إقليمي لضرب الحركات الإسلامية، ومشاركة بعض الأحزاب الإسلامية، ومنها حزب الله، في مواجهة بعض هذه الحركات، بدل دعم الربيع العربي والقوى الإسلامية.

وخلال هذا النقاش برزت وجهة نظر خاصة عبّر عنها أحد قياديي حركة حماس، داعيا لعدم الفصل بين التجارب الإسلامية سواء على أساس مذهبي أو قُطري أو غير ذلك، لأن ما أصاب الحركات الإسلامية من تحديات وضغوط ينعكس عليها جميعا، وأن على هذه الحركات أن تعيد الأولوية للقضية الفسطينية والقضايا المشتركة كي تواجه مختلف التحديات، وإلا فإنها جميعا معرّضة للهزيمة والتراجع. والأمريكيون وحلفاؤهم من الدول العربية لا يميّزون بين حركة إسلامية وأخرى، فالاستهداف سيطال الجميع دولا وحركات. والمطلوب إعادة النظر بكل التجارب الإسلامية للاتفاق على مشروع إسلامي موحد، في ظل تزايد التحديات والمخاطر على الجميع.

هذا النقاش والحوار المهم حصل قبل الإعلان عن الاتفاق على تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني ودولة الإمارات العربية المتحدة، والذي قد تليه اتفاقيات أخرى لدول عربية أخرى. هذه الاتفاقيات قد تمهّد لبروز حلف جديد بين عدد من الدول العربية وأمريكا والكيان الصهيوني في مواجهة دول وقوى محور المقاومة.

وسيكون أحد أهداف الحلف الجديد تصفية القضية الفلسطينية، وتشكيل قيادة فلسطينية جديدة تقبل بصفقة القرن وكل الشروط الأمريكية والإسرائيلية، وسيكون عنوان هذا المحور محاربة الخطر الإيراني وقوى المقاومة.

لكن العنصر الجديد في هذا الصراع، أن مسؤولي المحور الجديد اعتبروا أن تركيا والإخوان المسلمين يشكلون عدوا جديدا لهم، إلى جانب إيران وحزب الله، خصوصا أن تركيا والإخوان المسلمين عارضوا ونددوا بالاتفاق بين الإمارات العربية المتحدة والكيان الصهيوني، كما وقفوا في وجه التطبيع بين الكيان الصهيوني والدول العربية، حتى أن مسؤول الموساد الإسرائيلي اعتبر أن الخطر التركي الاستراتيجي على الكيان الصهيوني سيكون أشّد من الخطر الايراني رغم وجود علاقات ديبلوماسية بين تركيا والكيان الصهيوني حاليا.

فالدور التركي يتعاظم ويقوى في منطقة البحر المتوسط، وهو يتمدد إلى دول أخرى وستكون لديه قدرات مالية واقتصادية كبرى في ظل اكتشاف الثروات الغازية والنفطية. كما أن تركيا تحتضن الكثير من الحركات والقيادات الإسلامية، وهي على علاقة جيدة بحركة حماس. وكل ذلك يؤهل تركيا كي تلعب دورا مهما في دعم القضية الفلسطينية والوقوف في وجه صفقة القرن واستعادة دورها التاريخي، حسب وجهة نظر مسؤول الموساد الإسرائيلي. ويضاف إلى ذلك الخلاف المتصاعد بين تركيا وحلفائها من جهة، وبين الإمارات والسعودية من جهة أخرى. وهذا له أبعاد سياسية ودينية واستراتيجية.

في الخلاصة، نحن اليوم أمام متغيرات استراتيجية جديدة في العالم العربي والإسلامي، وسنكون أمام محاور جديدة؛ إن بسبب الصراع السياسي والجيوسياسي، أو بسبب الموقف من القضية الفلسطينية والتطبيع مع الكيان الصهيوني.

وهذه التطورات تفرض على القوى والحركات الإسلامية إعادة تقييم موقعها ودورها في هذه المرحلة وفي المستقبل. ولا بد من تحديد الأولويات في الصراع، وما هي الأهداف المطلوبة، وكيفية تحقيق هذه الأهداف من خلال إعادة تقييم التجربة الإسلامية في العقدين الأخيرين. وهذا التقييم يجب أن لا يقتصر على حركة دون أخرى أو محور دون أخر، بل يجب أن يشمل الجميع بروح موضوعية وعلمية، بعيدا عن المواقف المسبقة.

كما تنبغي إعادة تحديد العلاقات التي يجب أن تربط بين هذه الحركات الإسلامية، سواء فيما بينها، أو مع بقية التيارات، وخصوصا التيارات القومية واليسارية، إضافة لتحديد موقع ودور إيران وتركيا في المرحلة المقبلة، وكيفية الاستفادة من تجاربهما المختلفة، وصولا لإعادة بحث العلاقات العربية- التركية- الإيرانية، وإمكانية إقامة التكامل الإقليمي أو تقييم كل تجارب التعاون العربي، في ظل ما يطرح مؤخرا من تحالفات وتشكيلات جديدة.

نحن إذن أمام متغيرات وتحديات جديدة أمام الحركات الإسلامية، وهذا يتطلب تقييم كل تجارب الحركات الإسلامية ووضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة على ضوء المتغيرات الحاصلة.

فهل تستجيب الحركات والقيادات الإسلامية للدعوة لمراجعة تجاربها ووضع خطة عمل للمرحلة المقبلة؟ أم ستبقى غارقة في خلافاتها ومشاكلها، وكيفية تحديد الأولويات والمسؤوليات عما حصل في العشرين سنة الماضية؟

 

twitter.com/KassirKassem
التعليقات (0)