هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بداية لا نتحدث عن اتفاق ثلاثي بين أمريكا وإسرائيل والإمارات، بل عن اتفاق ثنائي إسرائيلي إماراتي برعاية أمريكية من أجل تجييره داخلياً وانتخابياً لصالح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو دون استفادة واضحة من قبل حاكم الإمارات محمد بن زايد اللهم إلا هوس القيام بدور إقليمي أكبر من حجم الدولة وطاقتها والعداء للثورات العربية الأصيلة والأحزاب الإسلامية وتركيا على طريق تحقيق المهمة المستحيلة المتمثلة بإعادة إنتاج أنظمة الاستبداد العربية الساقطة.
نتاج طبيعي لعلاقات سرية
الأمر هنا يشبه ما جرى في أوسلو الفلسطيني أو حتى وادي عربة الأردني لا كامب ديفيد المصري، حيث تمت الأمور ثنائياً بين الجانبين عبر السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة ونظيره الإسرائيلي رون دريمر مع نشاط وحضور لرئيس الموساد يوسي كوهين الذي زار أبو ظبي مراراً ووساطة محدودة من المليونير اليهودي الأمريكي حاييم صبان -صديق العتيبة- وتشجيع ورعاية المستشار جاريد كوشنر لاستثمار الحدث لصالح رئيسه دونالد ترامب.
ما جرى كان إذن نتاجا طبيعيا للعلاقات السرية لسنوات بين الإمارات وإسرائيل، والتي خرجت للعلن في الشهور الأخيرة في ما بدا تمهيداً للإعلان الرسمي عن اتفاق السلام، بل التحالف بين البلدين حسب التعبير الحرفي لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو.
اتفاق السلام تحدث عن تبادل ديبلوماسي وتعاون اقتصادي وأمني، ما يؤكد أنه فعلاً أقرب إلى التحالف لا الاتفاق التطبيعي التقليدي بين الجانبين.
في الجانب الديبلوماسي سيكون تبادل للسفارات والسفراء وربما افتتاح مكاتب ديبلوماسية أخرى، علماً بأن الإمارات ثالث دولة عربية تفعل ذلك بعد مصر والأردن رغم أنها لم تكن في حالة حرب ولا حتى عداء مع إسرائيل أقله في السنوات الأخيرة.
إن الاتفاق لن ينعكس إيجاباً على المشهد الفلسطيني، ولا ولن يؤدي إلى استئناف المفاوضات لإقراره بالواقع الاستيطاني التهويدي الذي فرضته إسرائيل بالقوة الجبرية وبشكل أحادي، قاتلة كل الاحتمالات أمام حل عادل وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
غير أن الإمارات ستفعل ما لا تستطع الأردن ومصر فعله في ظل الرفض الشعبي وأزمات النظامين الداخلية وسيكون تحالف إماراتي إسرائيلي علني ومتعدد الأبعاد لا سرّيا فقط أو أمنيا فقط، كما هو حاصل بين تل أبيب وعمان القاهرة.
في الجانب الاقتصادي يتم الحديث عن مجالات ضخمة متعددة ولافتة تجارية وسياحية وصحية وتعليمية وتكنولوجية مع خطوط طيران واتصالات مباشرة، واستفادة إسرائيل من الإمارات كترانزيت إقليمي عربي آسيوي ودولي أيضاً.
في الجانب الأمني، وهو الأخطر طبعاً يجري الحديث عن حوارات وتنسيق ومكاتب اتصال، كما نقل تكنولوجيا أمنية إسرائيلية متطورة إلى الإمارات وعلى نطاق علني واسع طبعاً، وبالتأكيد لن تستخدم في الجانب الشرعي والقانوني من قبل حكامها، وإنما للتجسس على المعارضين والخصوم داخلياً وخارجياً بينما يتيح ذلك لإسرائيل التجسس لس فقط على الإمارات نفسها، وإنما على كامل الجوار في منطقة الخليج العربي الاستراتيجية والهامة.
كسر المبادرة العربية
في مغزى الاتفاق ـ التحالف يمكن القول إنه يمثل كسرا إماراتيا فظّا للمبادرة العربية نصّاً وروحاً، إذ لم يعد التطبيع العربي الإسرائيلي مرتبطا بالحل العادل والانسحاب من الأراضي المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وعلى العكس جرى تجاوز القضية الفلسطينية نفسها بشكل جوهري، ناهيك عن التأثير السلبي والضار عليها.
أما قصة إزاحة خطة الضمّ الإسرائييلية لغور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية لتبرير الاتفاق والتطبيع فليست سوى أكذوبة كون الخطة علقت فقط ولم تلغ تماماً، كما قال علناً ديفيد فريدمان السفير الأمريكي المتصهين والمستوطن في البيت الأبيض، وأثناء الإعلان عن الاتفاق علماً بأن الخطة كانت تعاني وأزيحت عن جدول الأعمال مؤقتاً لمشاكل داخلية أمريكية وإسرائيلية، إضافة إلى الموقف الفلسطيني -والأردني- الجامع القوي والصلب منها، ما أجبر مؤيديها العرب على التراجع والانكفاء عن تأييدها.
المليونير اليهودي الأمريكي حاييم صبان نقل علناً عن بن سلمان حماسه للتطبيع الفوري، ولكنه يخشى من ردود الفعل من خصومه في قطر وإيران وانعكاساتها على الداخل السعودي، حيث لا يمكن تبرير الخطوة أمامه أقله في المدى المنظور.
إلى ذلك حمل اتفاق السلام ـ التحالف تأييدا إماراتيا واضحا لصفقة القرن التي تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتجيز تنفيذ خطة ضم ثلث الضفة فيما بعد ولا تترك للفلسطينيين شيئاً سوى الاستسلام والإذعان علماً بأن أبو ظبي لم تخف تأييدها للصفقة من خلال حضور العتيبة مراسم الإعلان عنها في البيت الأبيض والتي اعتبرتها دوماً قاعدة مناسبة للتفاوض على أساسها بين السلطة وإسرائيل.
بناء عليه فإن الاتفاق لن ينعكس إيجاباً على المشهد الفلسطيني، ولا ولن يؤدي إلى استئناف المفاوضات لإقراره بالواقع الاستيطاني التهويدي الذي فرضته إسرائيل بالقوة الجبرية وبشكل أحادي، قاتلة كل الاحتمالات أمام حل عادل وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
باختصار ما نحن بصدده سلام مقابل سلام، مثلما قال نتن ياهو حرفياً أيضاً في هدم لقاعدة الأرض مقابل السلام على علاّتها، وتأكيداً لنظرته الأمنية المتغطرسة عن تجاوز القضية الفلسطينية والتطبيع مع الدول العربية دون الحل العادل لها.
الأخطار على القضية الفلسطينية لا تقتصر على الطعنة أو الطعنات السابقة، كما قالت قيادة السلطة الفلسطينية، وإنما تتعداها لفرض المنشق محمد دحلان كزعيم للفلسطينيين بتعاون إماراتي إسرائيلي ودعم عربي أمريكي، وضمن أسباب أخرى طبعاً. هذا سبب تأييد بندقية الإيجار "دحلان" صبري البنا الجديد ومجلسه الثوري المحدث للاتفاق.
قصة دحلان تأتي ضمن أحد أهم أسباب اتفاق من الزاوية الإماراتية لجهة العمل العلني مع إسرائيل لإعادة إنتاح أنظمة الاستبداد العربية التي أسقطتها الثورات، حيث يمثل دحلان النسخة الفلسطينية من عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر وبشار الأسد والمجلس الانفصالي اليمني الذي رحب مسؤولوه علناً بالاتفاق.
إلى ذلك سيؤدي الاتفاق ـ التحالف إلى كسر حاجز الخجل والخوف وتشجيع دول أخرى على التطبيع مع إسرائيل، ويجري الحديث عن البحرين وعمان قبل نهاية العام وربما السودان أيضاً.
مواقف وتداعيات
أما في ما يتعلق بسعودية ابن سلمان فلا شك أن هذا الأخير مؤيد للاتفاق وفق ما تسرب في الصحافة الإسرائيلية ووفق ما تؤكده الوقائع على الأرض في ظل التماهي التام بين الرياض وأبو ظبي أو للدقة تبعية ابن سلمان لابن زايد في سياساته الداخلية والخارجية المدمرة.
المليونير اليهودي الأمريكي حاييم صبان نقل علناً عن بن سلمان حماسه للتطبيع الفوري، ولكنه يخشى من ردود الفعل من خصومه في قطر وإيران وانعكاساتها على الداخل السعودي، حيث لا يمكن تبرير الخطوة أمامه أقله في المدى المنظور.
الموقف الإيراني أتى صاخباً مثل العادة، لكنه بدا متناقضاً، حيث تجاهل وزير الخارجية جواد ظريف الإمارات خاصة بعد لقائه الودي مع وزير خارجيتها منذ فترة وصب جام غضبه على أمريكا، بينما ركز الرئيس حسن روحاني، على رفض تحول أبو ظبي إلى قاعدة إسرائيلية متقدمة في المنطقة، وهذا ما تخشاه إيران فعلاً لا بقية الأبعاد بما فيها تعاون أبو ظبي وتل أبيب في سوريا وليبيا واليمن، حيث تصطف إيران إلى جانب الإمارات وحلفائها مع الانتباه إلى الحالة اليمنية مثلاً حيث الدعوات الجنوبية الانفصالية المدعومة إماراتياً تصب في مصلحة إيران وحشدها الشعبي الحوثي وتمكين وشرعنة سلطته في الشمال.
أما تركيا المنزعجة جداً فقد فهمت مغزى الاتفاق بأبعاده كلها ليس فقط لطعنه الشعب الفلسطيني من الخلف، أو تنصيب عميل إسرائيلي في الرئاسة الفلسطينية وانما لتعميم التعاون العلني على المنطقة كلها، حيث تصطف تل أبيب إلى جانب أبو ظبي ضد أنقرة ومصالحها حتى في الصومال وليس فقط سوريا وليبيا وفلسطين وشرق المتوسط.
أراد ترامب تسمية الاتفاق باسمه لكن تم تفضيل اسم إبراهيم لإعطائه مسحة دينية ثلاثية، إمعاناً في الخداع والتضليل رغم عداء الإمارات لكل من يقارب القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى من منظور إسلامي، وعموماً نحن أمام اتفاق خطير واستراتيجي فعلاً كونه يؤسس لتحالف إماراتي إسرائيلي علني في مجالات مختلفة وساحات متعددة. ويبقى التعويل كما دائماً على العناد الفلسطيني والاصطفاف الوطني الجامع ضد الاتفاق لإفشاله فلسطينياً ما ينعكس سلباً على تمدده إقليمياً أيضاً، علماً بأن الفشل الإماراتي حتمي في سوريا وليبيا واليمن والصومال وربما تكون إسرائيل قوة عظمى إقليمية ولكن أبو ظبي استعانت أصلاً بروسيا وهي قوة عظمى دولية ومع ذلك لم تنجح في فرض إدارتها أو تعويم رجالها وأدواتها في عموم المنطقة.
*باحث وإعلامي