ما زالت الاشتباكات والانقسامات قائمة لم تبرح مكانها بعد.. وربما أصبح من طبيعة مراحل التحولات الكبرى وما يصاحبها من أحداث وتجارب؛ أن تشتبك وترتبك كل مكونات المشهد العام في الأحزاب والجماعات والدولة بمؤسساتها السيادية (راجع حال الجماعات والأحزاب في الداخل والمنافي، وكذلك فيديو اعتداء مستشارة النيابة الإدارية على الضابط مقدم الشرطة).
ومن المتوقع وفقا لشواهد الواقع أن يبقى هذا الاشتباك والانقسام بعض الوقت.. وتصبح دعوات لم الشمل ووحدة الصف داخل الكيانات وخارجها أملا ممكنا لكنه مؤجل.. بل يتقدم البعض خطوات إلى الأمام قائلا إن الكيانات الموجودة لا تملك مقومات
التغيير المنشود، وهي جزء من مرحلة نضالية انتهت بما لها وما عليها.. بمعنى أنه لا تنتظروا وحدتهم.. حتى لو توحدوا فإنهم ليس لديهم جديد يخرجنا من النفق الذي كانوا هم بعض أسباب الدخول فيه.
وبناء عليه، يصبح الكلام والملام والتوضيح والتبرير لا قيمة له، بل هو تأخر وتعطيل واستنزاف بلا عائد.
ويبقى السؤال.. كيف نتعامل مع الوضع الأزمة تخفيفا للأحمال وتحريكا للماء الراكد حتى لا يأسن، وبمرور الوقت تفقد النخبة قاطرة الإرادة والإدارة واللياقة واللباقة، ويكون كل العمل هو تعطيل أي عمل؟
بدائل مطروحة..
وهي لسد الثغرات والفجوات التي كانت وما زالت موجودة في العمل الإسلامي.. وفي مجالات عالم الأفكار والتصورات، والقيم والإجراءات والمفاهيم والمصطلحات، والبرامج والمبادرات والقدرات والمهارات.. فضاءات شاسعة بحاجة لأصحاب الكفاءات من الأفراد والمؤسسات والهيئات، بعيدا عن عقبات وأزمات
التنظيمات التي كانت وستبقى بسبب طبيعتها والمنصات المسيطرة عليها..
يرى البعض أننا في انتطار تيار عام قادم يمثل الجولة أو الحقبة التالية لمرحلة الصحوة الإسلامية، والتي كان من أهم سماتها التنظيمات الحركية.. تيار عام لا ينتمي لجماعات ولا تنظيمات، لكن ينتمي للإسلام فقط؛ بمفهومه الشامل وعطائه الكامل، أي أنه يبني على أساس بُذل فيه الوقت والجهد والدماء والأرواح.. تيار دعوي اجتماعي غير منظم وغير متصادم مع السلطة، لكن ربما يكون أكثر استيعابا لها وأكثر انطلاقا من حصارها..
لماذا؟ ربما للتجربة الطويلة للجماعات والتنظيمات، وفي النهاية آلت النتائج لما نحن فيه الآن.. بالطبع الجماعات وحدها ليست المسؤولة عن النتائح الكارثية التي نحياها.. نعم هناك أنظمه فاسدة مستبدة، وهناك مشروع صهيوخليحي برعاية أمريكيه غربية.. لكن هذا ليس بجديد.. التهديدات معروفة ومعلنة، ويبقى الرهان على كيفية التعاطي معها وفق الإمكانات واستثمار الفرص، بل وإنتاج الفرص، وليس إهدارها كما حدث وما زال يحدث.
ربما يستغرب البعض فكرة التيار العام، خاصة من نشأوا وتربوا داخل مجتمع التنظيمات ولا يعرفون غيرها ولم يطلعوا على سواها.. هذه مشكلتهم هم، وليست مشكلة طبيعة الأشياء التي تموج بالحرية والحركة والتغيير والتبديل والبدائل.
ربما يقول البعض كيف هذا؟ وهل تتركه السلطة؟.. هذا هو الجديد المتوقع والمنتظر، بعيدا عن حصار ومصادرة المستقبل بعقلية وأدوات الحاضر.. تيار عام جديد بفكر جديد لتجربة جديدة، يعيشها ويتحمل مسؤولياته فيها.
الحاجة أم الاختراع، وأصحاب الغايات النبيلة لا يعدمون الوسائل العبقرية العظيمة.. هذا التيار العام هو التعاطي الفاعل، وليس رد الفعل لسيطرة المشروع الغربي على مقدرات الأمور في بلادنا والعالم..
قبل قرابة المئة عام التي تقارب على الانتهاء، ظهرت جماعات وجمعيات تبنت الإسلام الشامل، ومنهم كان الأستاذ الشيخ حسن البنا الذي أخذ غالب أفكاره وأقواله ممن سبقوه.. فما المانع من أن تتكرر الأحداث بصورة أو بأخرى استنادا لحديث مجدد الدين الذي يبعث على رأس كل مئة عام؟
تيار التغيير والتجديد قادم، فأعدوا أنفسكم وغيركم لحسن الاستقبال.. استفادة مما فات وأملا فيما هو آت، وحرصا علي عدم تكرار إهدار الفرص..
وفي النهاية.. يطرح السؤال الحرج: بفرض صحة الطرح السابق ولو بنسبه، ما هو مصير الجماعات والتنظيمات القائمة؟ أليس لها فرص قادمة؟ وللحديث بقية..