أفكَار

لماذا تضيق العلمانية الفرنسية بالممارسة الإسلامية في فرنسا؟

تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الإسلام تثير ردود فعل غاضبة في الأوساط الإسلامية- (الأناضول)
تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الإسلام تثير ردود فعل غاضبة في الأوساط الإسلامية- (الأناضول)

أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي وصف فيها الإسلام بأنه "يمر بأزمة في جميع أنحاء العالم.." ردود فعل ساخطة وغاضبة في أوساط إسلامية واسعة، لأنها تجاوزت الانتقاد المتداول لطرائق فهم المسلمين للإسلام وتمثلهم لأصوله ومبادئه وتعاليمه في سلوكيات ومواقف يوصف بعضها بالتطرف إلى مهاجمة الإسلام ذاته. 

تلك التصريحات المستفزة أعادت إلى الواجهة الحديث عن موقف العلمانية الفرنسية من الإسلام والوجود الإسلامي في فرنسا، لتثار التساؤلات على نطاق واسع عن طبيعة تلك العلمانية التي توصف بالراديكالية، على خلاف العلمانيات السائدة في الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى. 

ووفقا لباحثين وخبراء في الشأن الفرنسي، فإن فرنسا لا تسعى إلى استئصال الوجود الإسلامي فيها، وإنما غاية ما تسعى إليه هو تذويب أي مواطنة أو هوية أخرى لا تتماشى مع العلمانية الفرنسية، لتصهرها جميعا وتدمجها في المواطنة الفرنسية بعلمانيتها المعروفة. 

في هذا السياق أرجع الأكاديمي والباحث المغربي في الإسلاميات والتصوف، محمد التهامي الحراق تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة إلى "عدة أسباب مركبة، منها استمالة اليمين المتطرف، والبحث عن ذريعة سهلة لصرف الناس عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها فرنسا، كما تدل على ذلك حركة السترات الصفراء، وكذا عجز العلمانوية الفرنسية عن التدبير السليم لعلاقتها مع الجماعات الدينية داخل فرنسا". 

وأضاف الحراق لـ"عربي21": "صحيح أن هناك مشاكل تتعلق بالهجرة وباندماج المواطنين من أصول عربية وإسلامية، وهناك تخويف من (الإسلام) ومن امتداده وهيمنته، يستثيرها المتطرفون والشعبويون وتزيد الوضع تعقيدا؛ وصحيح أن هناك سلوكيات عنيفة تصدر عن الأصولانية الإسلامية باسم الدين، لكن ذلك لا يتم التعامل معه وفق منطق تفكيك الخلفيات المؤسسة لتلك الأصولانية". 

وتابع: "ولا يتم العمل على إدماج المسلمين في النسق الوطني العام المحترم لكل الخصوصيات والاختيارات الدينية الحرة، بل إن هناك نوعا من تحويل العلمانية الشاملة والمتطرفة بفرنسا إلى (دين جديد)، لا يستوعب الاختلاف ولا التعدد ولا حرية الناس في الاعتقاد والتعبد والأخلاق والعلاقة مع الجسد..". 

 



وخلص الحراق إلى القول: "من هنا تنتج حالة من التواطؤ الموضوعي بين المتطرفين الإسلاميين واليمين المتطرف لأنهما يغذيان بعضهما البعض، كلاهما يرسخ ثقافة الاستئصال والنبذ، بدل الحوار والتشارك في بناء أفق أفضل للإنسان المواطن". 

وأشار إلى "مسألة هامة، تتمثل بصراعات المسلمين في مؤسساتهم التأطيرية داخل فرنسا، وتعدد نماذجهم الثقافية والمذهبية حسب مرجعيتهم في البلدان الأصلية، ففي الوقت الذي نجد فيه أغلب المسلمين بفرنسا من أصول مغاربية، فإننا نلاحظ تدخل النموذج التركي والنموذج المصري، ثم الوهابي الخليجي في التأطير والتوجيه، بل محاولة الهيمنة على المراكز الإسلامية والمساجد بفرنسا". 

وهذا، بحسب الحراق، "هو ما دعا البعض إلى دعم أطروحة (إسلام فرنسي)، يتلاءم مع قيم الجمهورية الفرنسية، فيما تحدث آخرون مثل مالك شبل عن خصوصيات تنزيل (الإسلام في فرنسا)". 

وعن أثر الصراعات الإقليمية ذكر الأكاديمي المغربي الحراق أن "محاصرة تركيا اليوم لفرنسا في عدة قضايا مثل المشكلة الليبية، والصراع في اليونان، والنزاع في أذربيجان وأرمينيا، وما يتصل بذلك من تنافس على خيرات الغاز في شرق المتوسط، وحضور تركيا المنافس لفرنسا في بعض مناطقها الاستعمارية التقليدية في لبنان والدول المغاربية، كل ذلك أجج غضب القيادة الفرنسية على الأيديولوجية الإسلامية الإخوانية" على حد قوله.  

من جهته قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية بالأردن، جمال الشلبي: "تتميز فرنسا بعلمانيتها الراديكالية، وهي أداة لخدمة الجمهورية الفرنسية، وهي تختلف عن كل الدول العلمانية الأخرى، نعم هي ديمقراطية، لكن الأحداث الخارجية غذت الرؤى والمشاعر القومية الكامنة في العقل الأوروبي عموما والفرنسي خصوصا حول الإسلام". 

وأضاف: "فرنسا لا تريد ولا تسعى إلى اقتلاع الوجود الإسلامي واستئصاله من أراضيها، فهناك رسميا 5 ملايين مسلم، وفي الواقع الرقم أكبر من ذلك، وربما يقارب الـ7 ملايين، وما تريده فرنسا وتسعى إليه هو إذابة كل المواطنات والهويات الأخرى لتتماشى مع العلمانية الفرنسية، ودمجها في الهوية والمواطنة الفرنسية". 

 



وعن قراءته لتصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة، أشار الشلبي في حديثه لـ"عربي21" إلى أنها "تأتي في إطار التنافس السياسي الداخلي، لا سيما أن كثيرا من المجتمعات الأوروبية تذهب باتجاه اليمين المتطرف، كما أن بعض سلوكيات الجالية العربية والإسلامية لا تتماشى مع الأنماط الفكرية والسياسية في تلك المجتمعات". 

ولفت الشلبي، خريج الجامعات الفرنسية إلى "ظاهرة جديدة برزت إبان الانتخابات البلدية الفرنسية في شهر حزيران (يونيو) الماضي، تشير إلى أن الفرنسيين صوتوا بنسبة عالية ليس لليمين، وإنما لليسار وللخضر، وهي ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل والتحليل".

وأوضح الشلبي أن "تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي وآثاره متجذرة في إطار المؤسسات السياسية في فرنسا، وهو ما ساهم بإعطاء صورة سلبية عن العرب والمسلمين في ضوء الصراعات الإقليمية المتواصلة، إضافة إلى ما استقر في العقل الأوروبي عن صورة المجتمعات العربية والإسلامية بعد الثورة الإيرانية، وأحداث 11 سبتمبر، مع حضور الميراث والتجربة الأوروبية الطويلة في العالمين العربي والإسلامي، وهو ما يغذي نزعة اليمين المتطرف في تلك المجتمعات". 

وبدوره قال الباحث التونسي في الأديان المقارنة، سامي العامري: "النموذج السياسي والعقدي للدولة الفرنسية ينتمي إلى اللائكية، وهو شديد الحساسية من الحضور الديني خارج المجال الخاص، وإذا كانت الدولة الفرنسية قد استطاعت ـ بعد صراع طويل ومرير ـ مع الكنيسة تطويع الكاثوليك، ومن دونهم حضورا، كالبروتستانت، ما ساعد في انتشار الإلحاد واللااكتراثية بين الشباب، فقد فشلت الدولة في تحقيق نظير ذلك (على الأقل من ناحية النسبة والتناسب) في الجالية المسلمة".

وأردف: "رغم أن فكرة الذوبان قد تهيأت لها مقدمات كبرى، أهمها أن عامة المهاجرين من طبقة العمال، وأن النشاط الفكري بين المسلمين والمهاجرين ضعيف، وأن التعليم الرسمي متوجس من الدين، مع حضور حالة الانبهار بثقافة المحتل".  

 



وردا على سؤال لـ "عربي21" حول أسباب فشل فرنسا في تحقيق ذلك في أوساط الجالية المسلمة المقيمين على أراضيها، نبَّه العامري إلى أن "التواصل القريب بين المهاجرين وأهلهم في الغرب الإسلامي والبلاد الإفريقية المسلمة، كان من أعظم أسباب محافظة المسلمين على (عنوان انتمائهم الديني في حدوده الدنيا)، كما كانت العوائد الموسمية الدينية محفزة للاستبقاء على هذا الإيمان".

وواصل: "وكانت الصحوة الإسلامية في الجزائر آخر القرن الماضي رافدا مهما لليقظة الدينية بين قطاعات من المسلمين في فرنسا، وهي صحوة لم يعقها حاجز اللغة، لأن اللغة الفرنسية حاضرة بقوة في النشاط الفكري في الجزائر، وقد سعت فرنسا إلى شيطنة الصحوة واستئصالها، وتآمرت مع الجنرالات للقيام بواحدة من أكبر مجازر العصر في (العشرية السوداء)، وقد أحدث ذلك حالة انكماش في النشاط الدعوي لاحقا". 

أما أسباب ودواعي الحملة الجديدة، فبحسب العامري "لها أكثر من رافد، منها ضغط اليمين المتطرف، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تدفع ماكرون للبحث عن عدو يُلبسه ثوب الجاني لتصدير المشكلة خارج عواملها الاقتصادية، إضافة إلى أن النموذج الفرنسي فقد عامة بريقه في بلاد الغرب الإسلامي، وكشف عن انتهازيته في موقفه من الانقلاب الذي حصل في مصر، وفي غيره من الأحداث، فقد تعرى تماما من الشعارات التي رفعها سابقا".

وفي ختام حديثه اعتبر العامري كثيرا مما يروج للتحذير من "التطرف الإسلامي" بأنه من قبيل "الدعاوى المعدة للدعاية والترهيب، لأن التيارات الدعوية الأكثر حضورا في فرنسا ذات خطاب وعظي صرف، وأما مساجد الأحياء الشعبية فكثير منها بيد المداخلة، مع حضور أدنى للإخوان والتبليغ، والجو الديني في مجموعه بعيد عن الاستقطابات الفكرية النسقية، ويغلب عليه التدين الشعبي العفوي، لكنه يرفض التذويب الكلي" وفق تعبيره. 

التعليقات (2)
احمد
السبت، 10-10-2020 04:57 م
تحليل لا يمت للواقع بصله نحن بحاجه لمفكريين حقيقيين و ليس اعلاميين و مطبلاتيه للغرب من اجل بطاقه اقامه
مصري
السبت، 10-10-2020 12:50 م
ليس فرنسا وحدها بل العلمانية في كل العالم في حرب لا تتردد في الإبادة و حرق الجرحى احياء كما حدث في رابعة و غيرها لأن الإسلام كرم بني ادم و لكن العلمانية تري الإنسان وسخ كيميائي و لا خير و لا شر و لا اله إنما هي أرحام تدفع و ارض تبلع فالقتل و الإبادة و الاغتصاب و النهب لا شيء و لكن الاسلام يعترض طريقهم لذلك كل جهدهم في القضاء عليه السيسي قال كلاما اوقح و أقذر