هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع صدور هذا العدد من «الأيام» يفترض أن تكون النتائج النهائية للانتخابات الأميركية قد أُعلنت.
النتيجة كما توقع العديد هي هزيمة ترامب. ليس مهما حجم الهزيمة بالنسبة لنا، المهم أنه لم يعد رئيساً للولايات المتحدة.
في العالم أجمع لم يكن السؤال إذا ما كان جوزيف بايدن قد فاز ولكن إذا ما كان ترامب قد خَسِر.
هذا هو المهم بالنسبة للغالبية الساحقة من شعوب ودول العالم. أي رئيس لأميركا ما عداه، سيكون أفضل للعالم أجمع.
فلسطينياً، الرئيس ترامب وعلى خلاف جميع من سبقوه من رؤساء أميركا، كان شديد العداء للقضية الفلسطينية.
صحيح أن رؤساء أميركا السابقين لم يفعلوا شيئا مهما لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لكنهم أيضا لم يعملوا على تصفيتها كما فعل ترامب.
ترامب اعترف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل. نقل سفارة بلاده إليها. ألغى التزامات أميركا المالية لـ»الأونروا» وقطع المساعدات المالية عن السلطة وحرض الآخرين على قطعها وأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
الأهم من ذلك أنه جعل من غلاة المتعصبين اليهود المتدينين في أميركا مستشاريه ومعاونيه السياسيين للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولأنهم من مشجعي الاستيطان بأموالهم ومواقفهم السياسية ومن المؤمنين بأن كل أرض فلسطين التاريخية يجب أن تكون لإسرائيل، فقد أخرجوا لنا حلا سياسيا يضعنا في سجون صغيرة موصولة ببعضها بجسور وأنفاق وأنعموا عليها بمسمى صفقة القرن وهي حقيقة سرقة العصر.
صحيح أن مستشاري رؤساء أميركا السابقين ومبعوثيهم «للسلام» بين الإسرائيليين والفلسطينيين كانوا دائما يهودا ومتعاطفين مع إسرائيل وينسقون معها قبل الحديث مع منظمة التحرير، لكن لم يجرؤ أي منهم على تأييد الاستيطان علنا أو محاولة طرح حل سياسي لا يستند إلى قرارات الشرعية الدولية.
ترامب كان الاستثناء، ولهذا كان للفلسطينيين مصلحة برحيله ولا يهم من يأتي بعده.
عربياً وإسلامياً، لم يتواجد رئيس أميركي سابقاً في البيت الأبيض يحمل هذا القدر في داخله من الكراهية للعرب والمسلمين، شعوباً وحكاماً.
لن ننسى حديثه عن «الحاكم الذي لا يستطيع الاستمرار بحكمه أسبوعين دون دعم أميركا له» ولا قوله إن «كل ما تمتلكونه هو المال ولديكم الكثير منه».
لن ننسى اعترافه بالجولان المحتلة كأرض إسرائيلية. ولن ننسى قراره بمنع مسلمي العديد من دول العالم من دخول أميركا بذريعة أنه قد يكون بينهم إرهابيون.
لن ننسى إصراره على وصف الإرهابيين بأنهم «مسلمون» في محاولة دنيئة للربط ما بين الإرهاب والإسلام.
ولن ننسى الابتزاز الصريح للدول العربية للتطبيع مع إسرائيل وتحديداً اشتراط رفع السودان عن قائمة الإرهاب بالتطبيع مع إسرائيل. كيف يعقل أن يكون هنالك ارتباط بين القضيتين؟ لكن فعلها.
ورغم أن اسم السودان كان يجب أن يرفع من قائمة الإرهاب منذ أن طرد أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة من أراضيه نهاية تسعينيات القرن الماضي، إلا أن لرفع اسمه من لائحة الإرهاب مقابل التطبيع مغزى وهو أن بإمكان أي دولة أن تمارس الإرهاب وألا تتوقع العقاب إذا كانت تربطها علاقة مع إسرائيل.
كيف لا وإسرائيل التي دللها ترامب تمارس الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين.
البعض من العرب رأى في حصاره المشدد على إيران سبباً لتأييده، ولكن الحقيقة أن هذا الحصار قد تم استخدامه لابتزاز أموال دول الخليج العربي.
ما الذي قام به ترامب عندما قصفت إيران مصافي النفط في العربية السعودية، وعندما قامت بتفجير عبوات ناسفة في ناقلات نفط عملاقة في الخليج العربي؟
لا شيء أكثر من طلب المزيد من الأموال من دول الخليج العربي لإرسال مضادات الباتريوت.
أميركا التي استهدفت إيران قاعدتها العسكرية في عين الأسد في العراق بأكثر من عشرة صواريخ دقيقة أصابتها بشكل مباشر لم تفعل شيئاً للرد على إيران. لماذا؟
لأنها لا تريد خسارة جندي واحد في مواجهة إيران التي استخدمها وكان سيستخدمها فزاعة للمزيد من الابتزاز لدول الخليج العربي.
الشعب الفلسطيني ليس وحيداً في سعادته برحيل ترامب، غالبية دول العالم وشعوبها فرحة بذلك.
ترامب لم يكتفِ باعتبار الصين خصماً لأميركا، ولكنه اعتبر أوروبا وكندا والمكسيك واليابان وكوريا الجنوبية خصوماً لها ومارس على الجميع ضغوطاً كبيرة لتقوم بتغيير معاهدات تجارية وعسكرية كانت أميركا قد قبلتها سابقا.
أميركا - ترامب مارست الضغوط على كندا والمكسيك لتغيير معاهدة نافتا التجارية، مارست الضغوط على ألمانيا لإنهاء مشروع غاز الشمال الذي يربطها بروسيا، مارست الضغوط على تركيا لوقف صفقة صواريخ الـ «اس ٤٠٠» التي وقعتها مع روسيا، ووضعت تعرفة جمركية على استيراد السيارات من ألمانيا والنبيذ من فرنسا، وفرضت على ألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان رفع موازناتها الدفاعية.
ترامب كان كارثة على العالم في تعامله مع جائحة «كورونا».
لم يكتفِ فقط بتجاهل العلم والعلماء في أميركا ما تسبب في مقتل عشرات الآلاف من الأميركيين الذين كان يمكن إنقاذ أرواحهم، ولكنه قطع أيضاً المساعدات المالية عن منظمة الصحة العالمية وانسحب منها.
هذه المنظمة التي يعتمد على عملها ومساعداتها الصحية العشرات من الدول الفقيرة.
لا، لا أحد يتأسف على رحيله ونحن نأمل بأن العديد من الملفات المرتبطة بفساده سيتم فتحها بعد ذلك لعلنا نشاهده في السجن، المكان الوحيد الذي يستحق أن يكون فيه.
(الأيام الفلسطينية)