هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر الباحثان الأمريكيان دوف فاكسمان وجيرمي بريسمان، دراسة مطولة في مجلة الـ «واشنطن كوارتيرلي» عن مستقبل العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
الدراسة ملخصها يقول؛ إن الزمن الذي كانت فيه إسرائيل تتمتع بتأييد ساحق وإجماع من قبل الأمريكيين والسياسيين، سواء أكانت على «حق أم باطل»، في طريقه إلى الانتهاء.
اليوم، يقول الباحثان: هناك تعاطف أكبر بين الأمريكيين مع الفلسطينيين، وإن دعم إسرائيل غير المشروط، لم يعد محل إجماع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
الأسباب كما يذكر الباحثان ثلاثة: تغيرات في الرأي العام الأمريكي لصالح الفلسطينيين، الانقسام بين جماعات الضغط اليهودية، وتغيرات بنيوية يشهدها الحزبان الديمقراطي والجمهوري.
استطلاعات الرأي تشير إلى أن هنالك غالبية تتجاوز الـ60% من مؤيدي الحزب الديمقراطي يريدون من أصحاب القرار في بلادهم ممارسة الضغوط على إسرائيل لوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستخدام مساعداتهم المالية المقدمة سنويا لإسرائيل كأداة للضغط عليها للتوصل إلى تسوية نهائية للصراع مع الفلسطينيين.
الاستطلاعات نفسها تشير إلى أن هنالك غالبية تتجاوز الـ80% من مؤيدي الحزب الديمقراطي، لا يرون أن هناك مشكلة في انتقاد الحكومات الإسرائيلية بشكل علني، وفي الوقت نفسه إعلان التأييد المشروط لإسرائيل.
هذه الغالبية في أوساط مؤيدي الحزب الديمقراطي تتمركز بين جمهور الشباب الذين وصلت أعمارهم إلى السن القانونية التي تمكنهم من الانتخاب، وهم في غالبيتهم ليبراليون وتدريجيا يشكلون الجمهور الأكثر عددا للحزب الديمقراطي.
هؤلاء لا يعتمدون في معلوماتهم على الإعلام الرسمي المتعاطف دائما مع إسرائيل، الذي تمكن خلال هيمنته على الإعلام من تشكيل رأي عام أمريكي معاد للفلسطينيين لعقود عديدة، ولكن على وسائل الاتصال الاجتماعي التي تتيح لهم معرفة ما تمارسه إسرائيل من جرائم بحق الفلسطينيين من مصادر متعددة.
مقابل ذلك، تميل غالبية من مؤيدي الحزب الجمهوري وفق استطلاعات الرأي إلى تأييد إسرائيل أيا كانت سياساتها؛ لأن غالبية قواعد هذا الحزب من المسيحيين الإنجيليين الذين يؤيدون إسرائيل لأسباب دينية صرفة.
التغير في الرأي العام الأمريكي، يترافق معه وفق الباحثين، حالة من الضعف يشهدها اللوبي اليهودي في أمريكا، سببها انقسام جماعات الضغط الممثلة لليهود.
اللوبي الأهم في أمريكا وهو الإيباك، تمكن لعقود طويلة من التفرد في الادعاء بتمثيله لموقف يهود الولايات المتحدة، لكن اليوم هنالك أكثر من جماعة ضغط يهودية ومنها جي ستريت، ومواقف هذه الجماعات متعارضة مع الإيباك. بينما يتبنى الإيباك موقف اليمين المتطرف في إسرائيل، جي ستريت مثلا لا ترى أن من مصلحة إسرائيل الاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية، وهي -من ثم- لا ترى أن على الولايات المتحدة دعم حكومات اليمين الإسرائيلي المتطرف.
هذا من ثم يُمكن السياسيين الأمريكيين من القول إنهم يدعمون إسرائيل ويقفون معها، حتى وإن تعارضت سياساتهم ومواقفهم مع حكوماتها، على عكس ما كان يجري في السابق عندما كان الإيباك وحده يمتلك حق تعريف مصالح إسرائيل، وعلى السياسيين الأمريكيين وفقا لذلك بناء سياساتهم.
لعل الأهم في هذا المجال هو ما يقوله الباحثان، وهو أن مصدر قوة الإيباك انطباعي أكثر مما هو فعلي.
بمعنى كان هنالك اعتقاد عند السياسيين الأمريكيين بأن قوة الإيباك خارقة، وأن عليهم عدم معارضته حتى لا يخسروا في الانتخابات، لكن الباحثين يقولان إن هذا مجرد انطباع أثر لوقت طويل على مواقف السياسيين الأمريكيين، لكنهم اليوم يتحررون منه بعد أن اكتشفوا أن قوة الإيباك ليست كما كانوا يعتقدون.
الباحثان يذكران هنا عدة أمثلة منها:
في آذار العام الماضي، أدان 64 نائبا أمريكيا قيام إسرائيل بهدم منازل الفلسطينيين، وطالبوا في رسالة لهم مايك بومبيو (حينها كان وزير الخارجية الأمريكي)، بالتحقق إذا ما كانت إسرائيل قد خرقت بنود الاتفاقات العسكرية الموقعة مع إسرائيل بهذا الفعل.
الرسالة؛ يقول الباحثان في السابق؛ كان من الممكن أن تؤثر على فرص إعادة انتخاب هؤلاء النواب. لكن 61 منهم جرت إعادة انتخابهم في تشرين الثاني من العام نفسه، رغم معارضة الإيباك لهم ودعم منافسيهم (بسبب تلك الرسالة)، وثلاثة أصلا لم يرشحوا أنفسهم.
مثال آخر يذكره الباحثان، وهو الدعم اللامحدود الذي حصل عليه النائب إليوت إنجل من الإيباك، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الدائرة 16 من ولاية نيويورك هذا العام، وهو دعم لم يحصل عليه أي مرشح ديمقراطي آخر، لكنه خسر بسهوله أمام المرشح الليبرالي الديمقراطي جمال بوهمان.
إليوت كان عضو مجلس النواب من العام 1989 وكان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب عندما خسر أمام بوهمان.
بالإضافة إلى انقسام جماعات الضغط اليهودية، يقول الباحثان؛ إن السوشيال ميديا وفرت للمترشحين فرصة لتمويل حملاتهم الانتخابية، بعيدا عن أموال الإيباك التي كانوا يحتاجونها لتغطية حملاتهم الانتخابية الباهظة. الآن يكفي أن يقوم كل مؤيد للمُرشح، وهم بالملايين، بتحويل عدة دولارات للحملة الانتخابية حتى تتم تغطية تكاليفها.
السبب الثالث يقول الباحثان؛ إن تغيرات هيكلية حدثت في الحزبين تمنعهما من الاتفاق على سياسة موحدة تجاه إسرائيل.
الليبراليون التقدميون يشكلون نسبة مهمة من قواعد الحزب الديمقراطي ومن نوابه، وهؤلاء ضد الاحتلال الإسرائيلي ومع الحقوق الفلسطينية، بينما يشكل الإنجيليون المسيحيون قواعد الحزب الجمهوري وأكثر نوابه، وهؤلاء لا يريدون أي مواقف سياسية ضد إسرائيل، ويريدون من أي إدارة أمريكية تبني سياسات اليمين الإسرائيلي.
هنالك بلا شك فرصة للاستفادة من التغيرات البنيوية التي تحدث في أمريكا لصالح دعم القضية الفلسطينية، لكن حتى الاستفادة من كل ذلك، يجب ترتيب البيت الفلسطيني أولا.
(الأيام الفلسطينية)