1(١)
مساران يحددان ويتحكمان في قضية الحرب بإثيوبيا: التأثير الخارجي وأمد المعارك العسكرية. وأطراف العملية تدرك هذه الحقائق وتعمل وفق مقتضياتها.
ففي تغريدة يوم ١٥ تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢٠م كتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد؛ "إن إثيوبيا قادرة بنفسها على تحقيق الاستقرار وإنفاذ حكم القانون ومحاسبة المخالفين"، وذلك بعد تصاعد أصوات داعية لإيقاف الحرب جاءت من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش ومن الولايات المتحدة الأمريكية، ومن قوى دولية تشعر بالقلق من تداعيات الأحداث، خاصة مع الحديث عن حالات قتل طالت المدنيين، حيث تحدثت منظمة العفو الدولية عن جرائم قتل في منطقة "ماي كاديرا" يوم ٩ تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ووصفت الأمر بالفظاعات والقتل العشوائي. ومع أن كلا الطرفين أنكرا ضلوعهما في الحادثة، فإن قرائن أخرى تشير إلى حدوث عنف وقتل واعتقال ونهب، فهذه نتائج
الحروب وإفرازاتها.
وفي الطرف الآخر، فإن جبهة تحرير التيغراي سعت لتوسيع دائرة المعركة، فقد تحدث حاكم الإقليم دبرصيون جبرامائيكل عن قصف قواته مطار أسمرا في إريتريا مساء ١٤ تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. وأضاف في حديث لـ"رويترز"؛ "إننا نقاتل القوات الإريترية على طول الحدود". وسبق أن قصفت جبهة التيغراي مطار بحردار، ونقلت المعركة لإقليم آخر كما نقلتها لدولة أخرى، وذلك تطور خطير، لأن العالم لا يحتمل أي اضطرابات في منطقة القرن الأفريقي.
إن الحكومة الإثيوبية تحرص على توصيف الأمر على أنه قضية داخلية ومخالفة لمبدأ القانون والنظام، وأنها ستُحسم عاجلا، ومضت في تكليف إدارة جديدة للإقليم، بينما تسعى جبهة التيغراي لتوسيع نطاق القضية وحشد الإقليم والمنطقة، بما يؤدي لتدخل إقليمي (الاتحاد الأفريقي) أو دولي (الأمم المتحدة) أو دول أخرى ذات تأثير. ومع تسريبات عن وساطة للرئيس الأوغندي يوري موسفيني، فإن كلا الطرفين رفضا مجرد مناقشتها.
(٢)
ونقطة أخرى تعتبر فاصلة في المشهد، وهو الوقت والزمن الذي تستغرقه العمليات والمواجهات، وبينما خططت الحكومة الإثيوبية لعملية خاطفة وسريعة، بدأت بالطيران الذي هاجم مواقع مختلفة في الإقليم وتعدد الجبهات والهجوم الشامل، فإن التيغراي تسعى لإطالة أمد المعركة بما يستنزف القوات الإثيوبية ويوسع دائرة الاهتمام العالمي.
لقد قطعت الحكومة الإثيوبية خدمات الإنترنت، وتتعذر حركة المراسلين في منطقة قاسية، ومع ذلك فإن صور الحرب بدأت تنتشر عن النزوح واللجوء والمعاناة.
ففي أمسية ١٤ تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، كان عدد اللاجئين الإثيوبيين إلى السودان ١١ ألفا، وارتفع العدد نهاية يوم الأحد ١٥ تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري إلى ٢٤ ألفا و٩٤٤ لاجئا، ووصل يوم ١٨ تشرين الثاني/ نوفمبر لأكثر من ٣٨ ألف لاجئ. ومع بشاعة الحرب على وجوه وأجساد الأطفال والنساء وكبار السن، وفي محنة الشباب، فإن هذه صور محركة للرأي العام العالمي.
إن منطقة القرن الأفريقي تعاني من وجود ١٤.١ مليون لاجئ ونازح، ولا مجال للمزيد من المآسي، والمنظمات الدولية عاجزة عن مواجهة الاحتياجات الضرورية لهم من مسكن ومأكل ومشرب، ناهيك عن تعليم وصحة. واقع مؤلم لا يحتمل أرقام جديدة، ولذلك كلما استمرت الحرب ازداد تدفق أعداد جديدة للتذكير بالحدث ومآلاته وأبعاده.
(٣)
ثلاث نقاط مهمة على هامش الحدث: البعد الاستراتيجي للمنطقة، والهشاشة الأمنية، وتداخل المصالح الإقليمية.
لقد قالت مجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy)؛ إن السودان سيقرر نتيجة الحرب الأهلية على أساس تدخله لصالح احد الأطراف، وهذا مستبعد لتعقيدات الوضع السوداني الداخلي ولتعقيدات القضية الإثيوبية، ولارتباطها بالشأن السوداني وخاصة الأراضي. ولكن الحقيقة أن تداخل المصالح يشمل المنطقة التي تحادد ممر باب المندب الذي تعبره يوميا ٦٠ ناقلة للنفط، بما يتجاوز ٢١ ألف سفينة سنويا، تقارب ٧ في المئة من تجارة النفط العالمية، إضافة لمصالح أخرى أهمها سد النهضة. إن امتلاك جبهة التيغراي صواريخ يصل مداها ٣٠٠ كلم أمر في غاية الخطورة، ومثلما ضربت أسمرا قد تصل لمديات أخرى.
ومع الأخذ في الاعتبار هشاشة الوضع الأمني في الصومال وجنوب السودان واليمن وإريتريا وأفريقيا الوسطى، فإن أي حرب أخرى تعني الجحيم.
لقد أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مساء الثلاثاء انتهاء مهلة الثلاثة أيام لاستسلام قادة جبهة التيغراي، وأشار لتعبئة الجهود لحسم المعركة، بينما دعا حاكم الإقليم دبرصيون جبرامائيكل أبناء الإقليم لمواجهة ما أسماه "الهجمة الاستعمارية".
وللأسف، هذه خيارات "صفرية" نتيجتها مزيد من الضحايا ومزيد من الهشاشة الأمنية، في منطقة شديدة الحساسية، بينما العالم مشغول مع "تغريدات" دونالد ترامب ورفضه مغادرة البيت الأبيض.