هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تثار التساؤلات بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي قال فيها إن بلاده ترى نفسها جزءا من أوروبا، مؤكدا رغبتها بتوطيد علاقات التعاون مع الولايات المتحدة، التي وصف العلاقة معها بأنها "تحالف وثيق"، في ما هل ستتجه أنقرة لإحداث تغيير في سياستها الخارجية؟
وتأتي تصريحات أردوغان، في كلمة وجهها عبر اتصال مرئي إلى مؤتمرات لحزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا، بالتزامن مع إعلانه خطة إصلاحات اقتصادية وقانونية وقضائية بالبلاد.
ورأى مراقبون أتراك، بأن مراجعات في السياسة الخارجية التركية، لاسيما بعد انتخاب جو بايدن للرئاسة الأمريكية، ليست ببعيدة عن الرئيس التركي الذي أطلق إصلاحات داخلية.
وقال الكاتب التركي، اتشيتينار اتشيتين، في مقال على صحيفة "خبر ترك" وترجمته "عربي21"، إن الأحداث تتطور بشكل كبير في تركيا، مع اختيار أردوغان إحداث ثورة إصلاحات شاملة في الإدارة الاقتصادية، لكنه أيضا يخطط لإجراء تعديلات في صناعة السياسة الخارجية.
وأشار إلى أن تصريحاته الأخيرة بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تحمل إشارات مهمة في هذا الاتجاه، وكان حراكه الأول متمثلا بابتعاث متحدث الرئاسة إبراهيم كالين إلى بروكسل.
ولفت إلى أن المكالمة الهاتفية بين أردوغان والملك السعودي، ورسائله في قمة الـ20 تشير إلى تحركات جديدة.
ما بعد اختيار بايدن لرئاسة أمريكا
وأضاف أنه ومع اختيار الديمقراطي جو بايدن للرئاسة الأمريكية، والذي جاء بـ"جيش دبلوماسي"، وبحوالي ألفي مستشار للسياسة الخارجية، فإن الولايات المتحدة تسعى لإعادة تشكيل سياستها الخارجية ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضا في آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية.
وتابع بأن الديمقراطيين يصنفون النمو الاقتصادي للصين ووجود روسيا في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط، تهديدات رئيسية يجب منعها، وتركيا جزء من المعادلة بهذا الشأن.
اقرأ أيضا: أردوغان: نرى أنفسنا في أوروبا.. وتحالفنا مع أمريكا وثيق (شاهد)
ورأى أنه ليس بالسهولة إصلاح العلاقات بين أنقرة وواشنطن والتي كانت متوترة جدا في السنوات السبع الماضية، فتصريحات بايدن حول أردوغان وتركيا العام الماضي ما زالت بالأذهان، كما أن الديمقراطيين يعتقدون بأن أنقرة تقف إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل كامل.
ونقل الكاتب عن مصادر دبلوماسية أمريكية، أن تصريحات بايدن قبل الانتخابات لن تنعكس واقعيا ما بعدها، وعلى ما يبدو فإن رسائل أردوغان الإيجابية بهذا الاتجاه ساهمت بذلك.
وأشارت المصادر للكاتب، إلى أهمية تركيا بالنسبة للولايات المتحدة التي تدرك التوازنات الاستراتيجية لاسيما تلك التي في الشرق الأوسط، ولن تنساق لما تفرضه السعودية والإمارات.
واستدرك بأن إدارة بايدن شكلت فريقا من 18 شخصا لمتابعة السياسة الخارجية على صعيد العلاقات مع تركيا، مشيرا إلى أن هناك أسماء بالفريق معروفة بمعارضتها لسياسات أنقرة.
ولفت إلى أن تركيا قد تتوسط مرة أخرى في المحادثات النووية الإيرانية مع الولايات المتحدة في العهد الجديد، ولكن يجب ضمان مشاركة تركيا في المفاوضات من خلال تطبيق الصيغة (5+2) وليس (5+1)، دون ارتكاب الخطأ الذي ارتكبه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ولكن فرنسا قد تكون الدولة الوحيدة التي قد تعارض ذلك.
وأضاف أن هناك اعتقادا بأن قضية منظمة العمال الكردستاني تعد عائقا أمام العملية الدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن، ولكن يجب عدم إغفال بأن العمليات التركية ضد الحزب الكردي المسلح ساهمت بإبعاده عن تركيا.
وأضاف أن المنظمة بفضل العمليات الناجحة لوزير الداخلية التركي سليمان صويلو، فقدت روابطها في تركيا، هذا إلى جانب عمليات القوات المسلحة شمال العراق.
وعلى صعيد العلاقة مع موسكو، قال الكاتب إنه على أنقرة إعادة تقييم بعض القضايا مع الولايات المتحدة لمنع التفوق الروسي في المنطقة لاسيما ليبيا وسوريا.
وأضاف أن العام المقبل قد يشهد إعادة تشكل للسياسة الداخلية في موسكو، وعليه فإن المطلوب من أنقرة وضع سيناريوهات للتعامل مع روسيا بدون بوتين بعد أيار/ مايو 2021.
وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط، رأى الكاتب أن المطلوب من أنقرة إعادة تطبيع العلاقات مع مصر والاحتلال الإسرائيلي، وأن ذلك يعد الطريقة الوحيدة لمنع تسلط اليونان في شرق المتوسط.
خطوة استراتيجية أم سلوك تكتيكي؟
من جهته قال الكاتب التركي، سامي كوهين، إنه بالآونة الأخيرة وسط تصريحات حادة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضد تركيا، أثارت رسائل أردوغان غير المتوقعة سؤالين مهمين، وهما: "هل أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وصلا لمرحلة معاقبة تركيا على سلوكها في السياسة الخارجية وفرض عقوبات عليها؟".
أما السؤال الثاني وفقا للكاتب في مقاله على صحيفة "ملييت" وترجمته "عربي21"، فهو "هل رسالة الرئيس أردوغان، التي تؤكد على أهمية علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتعزيز التعاون معهم، خطوة استراتيجية أم سلوك تكتيكي؟".
اقرأ أيضا: تركيا تدعو لتحييد انضمامها لـ"الأوروبي" عن الملفات الخلافية
رسالة قبل القمة الأوروبية
وأضاف أنه بالتساؤل الأول، تصير الأصوات المرتفعة في أوروبا بالآونة الأخيرة، بأن عاصفة جديدة تنتظر العلاقات التركية الأوروبية، وسيتم مناقشة مشروع العقوبات ضد أنقرة في قمة الاتحاد الأوروبي في 10 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، وهناك ميول واضح للنداء اليوناني المدعوم من فرنسا حول شرق المتوسط.
واستدرك، بأن مناقشة قضية العقوبات في القمة لا يعني بأنها قد تصدر حيث يتطلب القرار موافقة 24 عضوا بالاتحاد، ومن الصعب التنبؤ حيال ذلك.
وتابع بأن رسالة أردوغان، كانت جيدة من حيث المحتوى والتوقيت، فقد أكد على مسار تركيا في سياستها الخارجية، وأن مكانها أوروبا وليس في أي مكان آخر.
وأما بالنسبة للولايات المتحدة، أشار الكاتب التركي إلى أنه يحمل ذات المضمون كما الاتحاد الأوروبي، حيث تولي أنقرة أهمية استراتيجية لتحالفها مع واشنطن، وتريد تعزيز التعاون بشأن القضايا الإقليمية والعالمية.
وأضاف أنه ليس من محض الصدفة، أن تأتي تصريحات أردوغان بالتزامن مع البرنامج الإصلاحي للحكومة التركية في مجالات تتراوح ما بين الاقتصاد والديمقراطية.
وأوضح أن الهدف من تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، هو "تموضع جديد" في السياسة الخارجية التركية.
وأشار إلى أن الأوساط في أنقرة تؤكد بأن التصريحات الأخيرة تعد موقفا استراتيجيا وليس مناورة تكتيكية، وأنه يجب أن تفتح أبواب التعاون مع الحلفاء الغربيين.
واستدرك بأن الدوائر الغربية ترى بأنها أكثر تكتيكية، فبعد خطاب أردوغان تم تمديد أنشطة سفينة "أوروتش رئيس" في شرق المتوسط.
ورأى أن المطلوب إعطاء أولوية للدبلوماسية بهذا الاتجاه، وخلق حالة من عدم الصراع في الميدان لفترة من الزمن والجلوس على طاولة الحوار، وعليه فإن المطلوب إجراء بعض التعديلات في السياسة الخارجية.