بكل المقاييس كان من الضروري أن يعيد
الخليجيون ترتيب بيتهم من جديد،
فالخلافات التي حدثت أرهقتهم كثيرا، ولم يستفيدوا منها شيئا. إنهم عائلة واحدة، وعندما يحدث صراع بين مكونات نفس العائلة يتضرر الجميع، ويكون المستفيد الوحيد من ذلك هم الأعداء المتربصون الذين يسعون في أوقات التنازع بكل ما أوتوا من قوة وحيلة إلى تعميق الجراح بين الأشقاء من أجل تعميق الجراح وتضخيم الشكوك بينهم، ثم يشعرونهم كذبا وخداعا بأن لا ملجأ لهم لحماية أنفسهم من أشقائهم سوى الارتماء في أحضان الأجنبي، والاعتماد عليه، وتصديق أكاذيبه وادعاءاته. هكذا تبنى كثير من السياسات الإقليمية والدولية.
منطقة الخليج ليست فقط آبارا من النفط كما يظن البعض، وإنما شعوبها جزء من أمة وتاريخ، كانت في الموعد عندما تعرضت هذه الأمة إلى المخاطر، وكان لذلك أثر ملموس في التخفيف من حدة هذه المخاطر. على هذا الأساس كان الخليجيون ومنطقتهم باستمرار جزءا من الصراع الاستراتيجي المستمر حتى الآن.
لا شك في أن هذه الصراعات التي حدثت منذ السبعينيات بالخصوص قد أثرت سلبا على الشعوب والنخب، ومست مصالح الأفراد وخلفت أضرارا واسعة، وهددت مقومات الوجود الجماعي في ظرف تاريخي صعب ومعقد، لهذا تعتبر القمة الخليجية الأخيرة خطوة مهمة نحو طي صفحة الماضي وعدم العودة إلى وقائعه وحيثياته، فكل عودة إلى ذلك ستكون بمثابة توسيع للجرح وتعفين له.
عندما اضطربت الأوضاع في الخليج انعكس ذلك على كامل المنطقة دون استثناء، فالوتر الحساس يبدأ من هناك ويمتد إلى كامل الجسم
عندما اضطربت الأوضاع في الخليج انعكس ذلك على
كامل المنطقة دون استثناء، فالوتر الحساس يبدأ من هناك ويمتد إلى كامل الجسم. هذه المسألة أدركها الأعداء منذ فترة طويلة، واشتغلوا عليها كثيرا من أجل إضعاف الجسم العربي من خلال البوابة الخليجية. والمأمول الآن هو العمل بجدية على غلق المنافذ، نافذة نافذة، حتى تتم إعادة بناء الثقة وتوحيد الرؤية، وتقليل الخسائر. فالجميع يجب أن يحموا ظهور الجميع، وهو هدف ليس مستحيلا عندما يتوفر الإخلاص والإرادة السياسية وتستأنف مسيرة بناء مجلس التعاون الخليجي.
إنهاء الخلاف الخليجي الخليجي من شأنه أن يساعد على حلحلة أكثر من ملف. ففي انتظار ملامسة الملف الفلسطيني، يعتبر
الملف الليبي من بين هذه الملفات التي ستتأثر إيجابيا بما حدث. فقد عانى هذا البلد كثيرا منذ زمن طويل ولا يزال. ففي ظل حكم العقيد القذافي، اشتد الخلاف بينه وبين معظم حكام دول الخليج على حساب التعاون ودعم القواسم والمصالح المشتركة، وعندما انهار نظام القذافي ظن الليبيون بأن حقبة جديدة قد بدأت لتنقلهم إلى مرحلة الحرية وبناء الدولة والديمقراطية والتنمية، غير أن السنوات التي تلت ثورة فبراير كانت عجافا، حيث اختلفت النخبة حول تقاسم السلطة والثروة، وسقطت البلاد في حفرة سحيقة هي حفرة الحرب الأهلية، حيث قتل المئات، وأنفقت المليارات، وانقسم الشعب إلى جماعات ومليشيات، مما حول بلادهم إلى مرتع لقوى خارجية متنوعة ومتصادمة في أهدافها ومصالحها.
يمكن لعملية إصلاح ذات البين بين دول الخليج أن تساهم في التعجيل بحل المسألة الليبية حتى يتم بناء دولة جديدة تكون قادرة على تثبيت الاستقرار وحماية وحدة التراب الليبي، وإعادة الاستقرار الإقليمي إلى هذه المنطقة. وستستفيد من ذلك أطراف أخرى، لعل في مقدمتها تونس
في هذا السياق، يمكن لعملية إصلاح ذات البين بين دول الخليج أن تساهم في التعجيل بحل المسألة الليبية حتى يتم بناء دولة جديدة تكون قادرة على تثبيت الاستقرار وحماية وحدة التراب الليبي، وإعادة الاستقرار الإقليمي إلى هذه المنطقة. وستستفيد من ذلك أطراف أخرى، لعل في مقدمتها
تونس التي تتخبط في صعوبات اقتصادية فادحة. فاستقرار ليبيا من شأنه أن يمكّن ما لا يقل عن 120 ألف عامل تونسي من العودة من جديدة للعمل في مختلف المناطق الليبية، وما سيترتب عن ذلك من انفراج اقتصادي واجتماعي داخل النسيج التونسي. كما أن العملية الضخمة التي ستحدث في ليبيا بعد انتهاء النزاع السياسي والعسكري ستمكن مئات الشركات التونسية من استعادة موقعها للمساعدة على إنجاح سياسة إعادة الإعمار بعد حرب مدمرة. وذلك كله سيعيد بناء التعاون الحيوي بين ليبيا وتونس إلى جانب الجزائر من أجل مواجهة التنظيمات الإرهابية النشيطة، بدءا من جنوب الصحراء وصولا إلى داخل مصر وأوروبا.
لهذا يتردد دائما في تونس أن استقرار ليبيا هو استقرار لتونس، لأن ليبيا هي بمثابة الرئة التي يتنفس من خلالها التونسيون.
العالم العربي جسم جغرافي وثقافي واقتصادي وأمني واحد، وعندما يتعرض أي عضو من هذا الجسم للابتلاء والخطر، تتضرر بقية الأعضاء وإن كان بنسب مختلفة. لهذا السبب ستكون للمصالحة الخليجية تأثير سريع ومباشر على عدد من الدول والملفات المعقدة والمفتوحة. المهم أن تتفتح العيون، وتصدق النوايا، وتتم إعادة ترتيب الأولويات، وعندما يحصل ذلك ستتحقق أشياء إيجابية عديدة، ولو بعد حين.