هذا كان
عنوانا لمقال كتبته منذ أكثر من عامين تقريبا عندما كانت هناك مبادرة باسم رفقاء الثورة، وبالفعل لم تكن المبادرة الأولى التي تحاول فيها القوى
المصرية التجمع من أجل توحيد صفها في مواجهة الانقلاب، أو ما يطلق عليه بـ"الاصطفاف"، فقد سبقتها محاولات عدة قامت بها القوى المصرية بداية بتحالف دعم الشرعية وحتى مجموعة العمل الوطني، والتي تم تأسيسها في كانون الأول/ ديسمبر 2019 وأعلنها الدكتور أيمن نور أيضا، مرورا بائتلاف المصرين في الخارج في نهاية عام 2013، وإعلان بروكسل، وحتى مبادرة السفير معصوم مرزوق ومبادرة بيان القاهرة وبيان بروكسل، ثم المجلس الثوري وما سميت بمبادرة أمريكا في نهاية 2016، ومبادرة يناير يجمعنا، ومبادرة ميثاق المقاول محمد علي، وغيرها الكثير والكثير بل إن بعضها انتهت ونسيها الناس قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به.
وكل مبادرة تظهر ويتم الإعلان عنها يقدمها القائمون عليها بأنها المشروع الذي سوف يوحد المصريين واصطفافهم من أجل إسقاط الانقلاب.
بالطبع لم تكن هذه
المبادرات متطابقة، فالبعض كان يؤيد ويؤكد على شرعية نظام الحكم الذي أسقط بالانقلاب، والبعض الآخر كان يؤكد على أن الأولى هو توحيد الصف وبالتالي كان يتساهل في موضوع الشرعية ولكن كان الجميع في الغالب ينص على ضرورة إزالة النظام الانقلابي القائم ولا يعترفون به.
وهنا يجب التذكير بأن المجلس الثوري ككيان تم تشكيله وتأسيسه لمناهضة النظام الانقلابي؛ ظل ثابتا على أفكاره ومبادئه بخصوص الشرعية، في حين أن تحالف دعم الشرعية وكان أول الكيانات والمبادرات في هذا الطريق والذي أسس خصيصا للدفاع عن شرعية النظام الذي اختاره الشعب بعد سقوط نظام مبارك، قد تفكك وانسحب منه عدد ليس بالقليل من أعضائه ومكوناته، حتى أنه لم يعد يذكر أو تكون له أنشطه.
ونحن هذه الأيام ومن خلال الاحتفال باليوبيل البرونزي لتنحى مبارك، كان من المتوقع الإعلان عن مبادرة جديدة، وبالفعل تم الإعلان عن اتحاد القوى الوطنية المصرية يوم 11 شباط/ فبراير، ذكرى إعلان تنحي مبارك.
والمبادرة الجديدة في شكلها العام كسابقتها من مبادرات، وهي عبارة عن تكوين من مجموعة من الكيانات والأشخاص سوف يعملون من خلال وثيقة أطلق عليها وثيقة العشرين؛ ولم يعلن عن نصها بالكامل ولكن تم الإعلان عن محاورها الأساسية كما ذكر في المؤتمر الذي تم فيه التدشين والإعلان عن الاتحاد الجديد. وفي المؤتمر تم الإعلان أيضا عن أنه تم تأسيس "مجلس رئاسي"، وهو مصطلح جديد على هذه المبادرات، فإلى ماذا يهدف؟ وكذلك مجلس حكماء، وهناك المؤتمر العام يبلغ عدد أعضائه ألف عضو كما ذكر.
بالطبع لم يتناول مقدمو الاتحاد الجديد أي شيء بخصوص شرعية النظام الذي كان موجودا قبل الانقلاب، ولكن تم التأكيد بأنه تم الإعداد لهذا الاتحاد على مدى ستة أشهر وصلت فيها الجماعة الوطنية المشاركة بالاجتماع الليل بالنهار، وأنه كانت هناك اجتماعات مستمرة طوال هذه المدة من أجل الاتفاق على كافة الوثائق التي سوف تصدر تباعا. وتحدث في مؤتمر التدشين عدد من المشاركين في الاتحاد من ثلاث دول فقط - منها دولة المقر تركيا - من دول العالم، مع أنه قيل إن المشاركين في الاتحاد منتشرين في جميع أنحاء العالم. كما أنه تم الإعلان أيضا عن أعضاء ما يطلق عليه المجلس "الرئاسي" للاتحاد.
وبشكل عام لا يوجد ما يميز هذه المبادرة عما سبقتها من مبادرات، ولكن ما يلفت الانتباه أن القائمين على الاتحاد اعتبروا أن القوى الوطنية المصرية اصبح لها صوت واحد وعنوان واحد!!! وهذا بالطبع غير منطقي لأن هناك الكثير من المناهضين للنظام الانقلابي ولم يشاركوا في هذا الاتحاد، كما أنه من الغريب تقديم هذا الادعاء، فهل استطاع المؤسسون للاتحاد الذين لم يتم الإعلان عنهم بالكامل؛ أن يحصلوا على تفويض من الشعب المصري ليتحدث الاتحاد باسمه؟!! كما أن الاتحاد المزمع لم يوضح كيفية تحقيق التغيير في مصر، وحتى ما ذكر عن وثيقة العشرين والتي استمر إعددها ستة شهور كما قيل في مؤتمر التدشين؛ لم يأتي بجديد، فما ذكر هو مجرد تمنيات ورؤى مستقبلية يعيشها ليس فقط المصريون ولكن معظم البشرية، وهي أن يعيشوا في حرية وأمان وحياة كريمة.
الجانب الآخر، أن المبادرة الجديدة اعتبرت نفسها مبادرة من
المعارضة لإصلاح النظام القائم في جوانب حقوق الإنسان والجوانب الاقتصادية وغيرها، وهنا نتساءل: هل هذا معناه اعتراف بالنظام القائم؟ وهل المشكلة أن ذلك النظام لم يحقق للشعب المصري ما يريده من طموحات اقتصادية أو سياسية؟ وننتقل هنا لسؤال آخر: هل لو استطاع النظام القائم أن يحقق معدلات تنمية جيدة ويقلل الديون الخارجية، وغير ذلك من جوانب حقوقيه وسياسية، وحتى لو أنه أخرج المعتقلين، فهل سينتهي دور الاتحاد ويقوم كما ذكر مقدم حفل التدشين بعقد المؤتمر العام في القاهرة؟
في الحقيقة إن المواطن المصري أصبح حزينا نتيجة ما يراه، سواء داخل مصر من ظلم واستبداد وفقر، وما يراه خارج مصر من نخب تعيش في الخيال وفي التمنيات. ومن هنا فان هذا الاتحاد لن يكون الأخير، فهل مع اليوبيل النحاسي لتنحية مبارك ستكون هناك مبادرة أو اتحاد آخر؟ ولكن هناك تساؤل أخير يثور سواء في الداخل أو في الخارج هو عن كيفية تمويل مثل هذه المبادرات والإنفاق عليها، من اجتماعات وسفر وخلافه..
والله أعلم والله المستعان وهو من وراء القصد.