قضايا وآراء

دور الإعلام في كشف الفساد وفضح المستبدين

جمال نصار
1300x600
1300x600

تقع على عاتق الإعلام مسؤولية كبيرة؛ إذ يعدّ المؤثر الأول والمباشر في حياة الأفراد والمجتمعات، ويتطلب ذلك من الإعلام الشفافية التامة في نقل المعلومات، والرسالة المرجو وصولها للأفراد بالاعتماد على الوسائل المتوفرة، وكما يتطلب ذلك أن يكون كل ما يتعلق بوسيلة الإعلام المستخدمة واضح المعالم معروفًا لدى الجمهور ولا يكتنفه الغموض.

والإعلام يؤثر بشكل كبير في وعي الناس وتوجهاتهم، وتقديم المعرفة لهم، بل أكثر من ذلك كما يقول الدكتور علي أبو ليلة، أستاذ النظرية في علم الاجتماع، فإنه "يدعم دافعية الفاعل نحو الفعل، أي يؤسس الحماس نحو الفعل لإنجازه. كما أن آداء الإعلام تجاه الوعي بتوفيره المعرفة والطاقة له، فإنه يساعد على عدم ثباته، ومن ثمّ خضوع هذا الوعي للتغيير المستمر، إما بسبب تدفق المعاني الجديدة على ساحته، أو بتعميق إدراكه للأحداث الواقعية التي نضجت من أجل الفعل.
 
غير أننا نجد أن الإعلام قد يلعب دورًا سلبيًا في بنائه للوعي، فقد يعمل على تزييف الوعي من خلال تزويده بمعارف خاطئة، فيما يتعلق بالقضايا موضع الاهتمام، فيعوق بذلك تطور الوعي الموضوعي. ومن ثمّ يعجزه عن تطوير الفعل أو السلوك الملائم في مواجهة الأحداث والتفاعلات، ... وبذلك يصبح الإعلام آلية من آليات التخلف إلى حد كبير". (الإعلام والمجتمع تشكيل الثقافة وبناء المجتمع الافتراضي ص59 ـ 60).

لماذا يخشى الفاسدون والمستبدون من الإعلام الحر؟

الإعلام في العالم العربي يعيش أسوأ أحواله، وكل المؤشرات تؤكد أن حرية الإعلام في العالم العربي تتراجع وفق المؤشرات الدولية، حيث يتم اضطهاد الصحفيين، أثناء قيامهم بأعمالهم، ونقلهم للحقائق، وفي كثير من الأحيان يتم محاسبتهم على آرائهم.
 
بل وصل الأمر إلى سجنهم وتلفيق التهم لهم، كما هو حادث في مصر (أكثر من 60 صحفيًا داخل السجون)، وكذا العديد من الدول العربية، ووصل الاضطهاد إلى القتل المتعمد بشكل وحشي، كما حدث مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي!

وتتحمل وسائل الإعلام المقروءة، والمسموعة، والمرئية مسؤولية تاريخية في مكافحة الفساد بجميع أشكاله على اعتبار أنها تمثل السلطة الرابعة في المجتمع بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبالتالي فهي تشكل سلطة شعبية تعبر عن ضمير المجتمع، وتحافظ على مصالحه الوطنية.

 

على الرغم من قلة الإمكانيات والأدوات التي يقوم عليها إعلام الثورة، أو إن شئت الإعلام المعارض للنظام المصري؛ إلا أنه يسبب الألم والوجع الدائم في رأس ومنظومة النظام، وكل الأنظمة المستبدة، لأنه كاشف لفسادهم واستبدادهم أمام الرأي العام،

 



وبناءً على ذلك يقوم الإعلام بمراقبة آداء السلطات الثلاث، وكشف فسادها للرأي العام. وأكثر ما يزعج الأنظمة المستبدة، تسليط الضوء على ممارساتهم الفاسدة، ومن ثمّ يقومون بتكميم الأفواه، وتعقّب الصحفيين والإعلاميين الذين يسببون لهم إزعاجًا، بل وصل الأمر إلى تأميم كل الوسائل الإعلامية، إضافة إلى الإعلام الحكومي التابع للنظام. 

فنجد على سبيل المثال في مصر، تقوم المخابرات بالسيطرة الكاملة على وسائل الإعلام والمجال السياسي برمته، وتوجيه الإعلاميين بطريقة مهينة، ومن يخرج عن السياق العام المرسوم يتم استبعاده، ومعاقبته أحيانًا بإظهار بعض الملفات التي تدينه، وليس هذا فحسب، فحينما تقدمت دول الحصار بطلباتها لرفع الحصار عن دولة قطر اشترطوا تغيير الجزيرة لسياستها، وعدم مهاجمة تلك الأنظمة، وكذلك حينما بدأت بوادر التقارب المصري التركي، طالب الجانب المصري تخفيف حدة الانتقادات التي توجهها القنوات الفضائية المصرية المعارِضة للنظام المصري من تركيا، كشرط للتقارب بين البلدين.

وهكذا يمثل الإعلام الحر عنصرًا مهمًا في كشف الممارسات التي يمارسها المستبدون للرأي العام، وفضح فسادهم الذي عمّ البلاد والعباد، على الرغم من المليارات التي ينفقها هؤلاء على إعلامهم الذي يقلب الحقائق ويزوّر التاريخ، ويشوه المعارضين، صباح مساء. ولم يكتفوا بذلك بل سيطروا على الدراما، ولا يستطيع أي ممثل أن يخرج عن المرسوم له، فقاموا بإنتاج العديد من المسلسلات والأفلام التي تغيّر الحقائق، وتشوه صورة المعارضين للنظام، مع تزوير الواقع، وإيهام المشاهد بأن ما يقوم به النظام هو عين الصواب.

ومع استمرار فقدان الجماهير للمصداقية في الإعلام المرئي والمسموع المملوك للدولة، ستظل وسائل الإعلام غير المصرية، ذات الطبيعة الإخبارية، والقنوات المعارضة في تركيا وغيرها، هي المؤثر الحقيقي في مسألة إخبار المصريين بشؤون وطنهم وأحوالهم العامة، وبالتالي ستظل اللاعب الرئيس في التأثير على توجهات الرأي العام المصري.

إعلام الخارج بين المسؤولية وفشل السياسيين

على الرغم من قلة الإمكانيات والأدوات التي يقوم عليها إعلام الثورة، أو إن شئت الإعلام المعارض للنظام المصري؛ إلا أنه يسبب الألم والوجع الدائم في رأس ومنظومة النظام، وكل الأنظمة المستبدة، لأنه كاشف لفسادهم واستبدادهم أمام الرأي العام، مع توافر كل الإمكانيات لإعلام تلك الأنظمة (إعلام جهاز سامسونغ)، إلا أنهم لم يصلوا إلى جموع الناس، كما يريدون، وفقدوا المصداقية، لقلبهم الحقائق بتشويه المعارضين، والتسبيح بحمد النظام، وتجميل صورته بكل الوسائل.

ومع التقدير الكامل للجهود المبذولة من القائمين والعاملين في الإعلام المعارض، إلا أنه يجب الاعتراف بأن خطاب هذه القنوات، ازداد حدة نتيجة لحجم القمع والاستبداد الذي يقوم به النظام في الداخل، من قتل وتعذيب داخل السجون، ومطاردة للشباب وتلفيق التهم لهم، مع الحالة الاقتصادية المزرية التي أثّرت بشكل مباشر على كل فئات المجتمع المصري.
 
ففي ظل هذه الحالة غير المسبوقة من الظلم والقمع، والواقع الاقتصادي المرير، وإهدار مقدرات الدولة المصرية، وانتشار الفساد في كل مؤسسات الدولة؛ ارتفع المستوى الخطابي في القنوات المعارضة لمواجهة هذه الحالة المزرية من انسداد الأفق السياسي، الذي فرضه النظام على الجميع.

وأظن أن من يتحمل المسؤولية عن ذلك هي سلطة الانقلاب الدموي الذي كلّس الحياة السياسية في مصر، وكمم الأفواه، وأمّم الإعلام، وكل مظاهر الحياة، كما تتحمل المعارضة السياسية، بكل أصنافها، في الداخل والخارج جزءًا من المسؤولية لفشلها في تقديم مشروع سياسي يساهم في حلحلة الأمور، مما دفع بالإعلاميين إلي القيام، أحيانًا، بدور الناشط السياسي الذي يسعى لتحريك الماء الراكد، وإيجاد الحلول من جانب، ومواجهة صلف السلطة من جانب آخر.
 
مع العلم أن إعلام الأنظمة المستبدة يفتقد كثيرًا للمهنية الصحفية، لأنه يسير في فلك النظام، ولا يمكن أن يغرّد خارج السرب، وكل ما يسعى إليه هو التهليل للحاكم، وتبرير وتزيين كل أفعاله، ويعتمد اعتمادًا كبيرًا على قلب الحقائق، وتشويه الخصوم، دون أدلة أو براهين.

الطريق نحو إعلام مهني يحظى بالمصداقية

يحتاج الإعلام المعارض، وكل إعلام، لكي يرتقي بنفسه، ويصل إلى المهنية والاحترافية المطلوبة، أن يعمل على الالتزام ببعض المعايير، التي تساعده على التميّز والرقي، ولعل دليل السلوك المهني الذي وضعته شبكة الجزيرة الإعلامية يكون مساعدًا في ذلك، ومنه:
 
تحري دقة وصحة المعلومات الواردة من مختلف المصادر، والحرص على تفادي ارتكاب أخطاء نتيجة للغفلة والإهمال، وعدم تحريف الوقائع والمعلومات والحقائق تحت أي ذريعة، وعدم إطلاق الأحكام على الأمور والموضوعات التي يتناولها، وتفادي التحليلات الوصفية غير القائمة على معطيات وحقائق وبيانات معلومة يمكن التأكد منها.

عند تناول الموضوعات والأحداث بالتحليل والتعليق، فينبغي الاستعانة بأهل المعرفة والدراية على اختلاف رؤاهم، مع الأخذ في الاعتبار أن تبني موقف أو رأي دون الآخر سيُحسب على القناة، وتفادي التنميط والأحكام الجاهزة الشائعة على أساس العنصر، أو العرق، أو الجنس، أو الدين، أو السن، أو الموقع الجغرافي، أو الإعاقة، أو المركز الاجتماعي، والحرص على التمييز بين الخبر من جهة، والتحليل والتعقيب من جهة أخرى، تفاديًا لشبهة المحاباة والانحياز، وينبغي من ثمّ تفادي إدغام ودمج وخلط الرأي أو التحليل في عناصر الخبر دون تنويه إلى ذلك.

 

الرصانة وليس الإثارة هي ما يكسبك احترام جمهورك، ومن ثمّ ينبغي تفادي التهويل عند وصف الأحداث أو عرض الخبر، ولا يجوز للصحفي السطو على جهود وإنتاج الآخرين ونسبتها إلى نفسه، وعليه عدم انتهاك قوانين الملكية الفكرية.

 


منح الفرصة لأطراف أي قصة خبرية أو قضية موضع حوار، لتوضيح مواقفهم والرد على أي اتهام موجه إليهم، أو قولٍ أو فعلٍ يرون أنه نسب إليهم خطأ، أو بصورة مشوهة، وإذا تعذر عند طرح المواضيع المثيرة للجدل إدراج وجهات النظر المتعارضة في حلقة البرنامج ذاتها فينبغي السعي لمنح الفرصة لمن لم يتسن لهم الإعراب عن وجهات نظرهم في حلقات لاحقة، وإذا رفضت جهة ما المشاركة لتوضيح وجهة نظرها أو موقفها من قضية بعد محاولة الاتصال بها من قبل القناة ينبغي إبلاغ المشاهد بذلك، كي لا تُتهم القناة بعدم التوازن.

يجب اختيار ضيوف نشرات الأخبار والبرامج الحوارية بعناية، والتأكد من أهليتهم وإلمامهم بالمواضيع المطروحة، ويجب تفادي تعريف الضيوف بمسميات هلامية لا تنطبق عليهم (كلقب "مفكر"، أو "مراقب"، أو "محلل سياسي"، أو تعريف شخص بأنه إعلامي رغم أنه معروف بمهنة أخرى أو لمجرد أنه نشر أو ينشر مقالات في الصحف أو يشارك في حوارات إعلامية)، ومن المهم أن تعامل ضيوفك ومشاهديك أو مستمعيك باحترام، وأن تخاطبهم بلغة مهذبة حتى لو بادروك بالإساءة، وتجنب تحقير وتسفيه آرائهم، دون حرمان نفسك من حق تصويب ما تراه خطأ في أطروحاتهم.

خلال البرامج الحوارية والتفاعلية، احرص على التوزيع العادل لفرص الكلام وتجنب الانحياز إلى طرف ضد آخر، وبنفس القدر الحرص على حماية أفراد الجمهور الذين يقومون بمداخلات في البرامج من التجريح والإساءة من قبل الأشخاص الذين تستضيفهم، بلفت انتباههم بأدب ووضوح.

الرصانة وليس الإثارة هي ما يكسبك احترام جمهورك، ومن ثمّ ينبغي تفادي التهويل عند وصف الأحداث أو عرض الخبر، ولا يجوز للصحفي السطو على جهود وإنتاج الآخرين ونسبتها إلى نفسه، وعليه عدم انتهاك قوانين الملكية الفكرية.

لعل هذه المعايير، وغيرها كثير لمن يريد المزيد، تكون عاملًا مساعدًا في رفع كفاءة الإعلاميين في كافة القنوات المعارضة للأنظمة المستبدة، وبذلك تلقى كل الترحيب من المنصفين، سواء من كانوا معهم أو من هم ضدهم. فالموضوعية هي السبيل المهم لكسب المصداقية لدى الجمهور في وسائل الإعلام المختلفة.

وفي الختام أقول كما قال صاحب الظلال: "الطغيان لا يخشى شيئًا كما يخشى يقظة الشعوب، وصحوة القلوب، ولا يكره أحدًا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة، ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية".

https://twitter.com/drgamalnassar
الموقع الإلكتروني: https://www.gamalnassar.com/


التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الخميس، 25-03-2021 02:21 م
*** بعيداُ عن المبادئ النظرية العامة المذكورة في المقالة، وهي مصاغة بشكل جيد متناسب مع الخبرة الأكاديمية الطويلة للكاتب، وهي لا تخلوا من جوانب عملية قابلة للتطبيق والاستفادة منها في تطوير العمل الإعلامي، وزيادة فاعليته وتأثيره عموماُ، وبوجه خاص للمؤسسات الإعلامية الحاملة لفكر ثورات الربيع العربي والمدافعة عنها، وحتى يكون تقييمنا منصفاُ ومفيداُ لتلك المؤسسات الإعلامية، التي نشأت واستمرت في ظل ظروف صعبة ومعقدة، فعلينا أن نقارن دورها بدور الإعلام المعارض في فترات تاريخية أخرى، فعندما استولت عصابة من ضباط الجيش على مقاليد الحكم في مصر في عام 1952، وقامت باحتكار السيطرة على كل المؤسسات والمنظمات والأنشطة السياسية والإعلامية في مصر، وأممتها ووظفتها في خدمتها وللترويج والدعاية لانقلابهم، فكان من الصادم والمذهل أن تعجز كل تلك القوى السياسية والإعلامية الليبرالية والديقراطية على أن يكون لها أي تواجد أو دور أو صوت إعلامي معارض مسموع، رغم ما كانت قد وصلت إليه من نضج ونشاط في الفترة السابقة لانقلاب 1952، ورغم أن الفرصة والمجال السياسي كان مفتوحاُ ومتاحاً خارج مصر في العديد من الدول، لتأسيس محطة إذاعية أو جريدة أو مجلة أو دار نشر للتعبير عن الفكر السياسي المعارض للانقلاب، وللإعلام عن حقيقة الأوضاع السياسية القائمة، وكانت نتيجة ذلك أن الصدمة الشعبية كانت مزلزلة من الهزيمة المخزية في 1967، بعد أن غرق المصريون في جهل تام عن حقيقة العصابة الانقلابية التي حكمت مصر ، وكانوا يظنون بأن المأفون ناصر وشركاء عصابته، قد قاموا ببناء أقوى جيش في الشرق الأوسط، قارن تلك الفترة المظلمة في تاريخ الإعلام المصري، بنجاحات الإعلام الثوري المقاوم للثورات المضادة اليوم، بل قارن دور هذا الإعلام الثوري القوي، بدور وفاعلية أذرع الدعاية الإعلامية لقوى الثورة المضادة التابعة لعصابة الثلاثة، المتصهين بن زايد والمنقلب على أسرته بن سلمان والسيسي الجنرال الانقلابي الدجال، التي انفق عليها عشرات المليارات من الدولارات، ولكنها عجزت عن إخفاء وتبرير جرائمهم أمام الداخل والخارج، او اكتساب مؤيدين جدد لهم خارج دائرة المنتفعين والمغيبين التي تحيط بهم منذ انقلابهم.