فن القيادة والقائد الناجح
القيادة هي فن ربط المنفذين بالفكرة والخطط المرسومة لتنفيذها من خلال توحيد الجهود وبلورة الأهداف بشكل واضح أمام المنفذين، وتحفيز المنفذين، وحل المشاكل التي قد تظهر أثناء تنفيذ الخطة، ووضع تدابير مرحلية للتدريب إذا لزم الأمر لرفع كفاءة المنفذين للفكرة وصولا إلى تحقيق الهدف.
قد يكون هذا التعريف ليس التعريف الذي يمكن أن تبحث عنه في كتب الإدارة وتجد نصه، لكنه التعريف الذي يطبق فعليا في حال تنفيذ أي خطة تريد تحقيق هدف معين، ومن ثم فإن القائد الناجح هو من يصنع من نفسه جسرا بين منفذي الخطة وتحقيق الهدف. وعليه فإن القائد الناجح يجب أن تتوفر فيه عدة شروط؛ أهمها القدرة على بناء الفريق المنفذ للفكرة والتواصل الجيد معهم وإلهاب حماستهم وتذكيرهم الدائم بالهدف الذي يعملون من أجله، وهو ما يستوجب منه أن يكون قدوة من خلال نشاطه الدائم سعيا لتحقيق الهدف الذي تجمع الفريق من أجله، وعليه بالنتيجة وضع الخطط البديلة في حال تعثر الخطة الأساسية ومتابعة عمل المنفذين وتقييم أدائهم ووضع خطة تدريبية لرفع الكفاءة، على الرغم من أن عمل الفريق المستمر قادر على رفع الكفاءة من خلال التوجيه. مع ذلك فعلى القائد دوما وضع خطط رفع الكفاءة حتى يبقي فريقه على أعلى مستويات الأداء.
الفكرة الجيدة وحدها لا تنجح
قد تملك فكرة عبقرية تمس رغبات الناس بل وتمس حاجتهم، ولا يعني وجود فكرة جيدة لمشروعك أنك تستطيع أن تحقق النجاح. فعلى الرغم من وجود كل المواصفات التي قد تعتقد أنك تستطيع أن تنجح بها، مع ذلك فإن فكرتك أو مشروعك لا يجد صدى لدى الجمهور المخاطب أو المستهدف. فعدد لا يُحصى من المشروعات والأفكار تم إنشاؤها من خلال الأفكار العظيمة، إلا أنها سرعان ما انهارت تحت وطأة سيطرة المنافسين، أو فشلت في اكتساب أي حراك.
وقد يرجع ذلك لعدة عوامل، منها طريقة عرض الفكرة أو المشروع، أو توقيت عرضه، وغياب الخطة الاستراتيجية أو عدم تطابق الخطط التشغيلية مع مراد الخطط الاستراتيجية، أو لضعف الأنشطة الموضوعة لتنفيذ الخطط التشغيلية، أو لضعف الكادر المنفذ لهذه الأنشطة، وقد يكون غير كل ما سبق. وتكمن المشكلة في أن ما وضع على الورق من خطط لا يصلح لتغيير الظروف التي ستنفذ فيها الخطة. إذن فعلى القائد الناجح أن يراعي كل ذلك ويتحول سريعا إلى خطط بديلة للتوافق مع ظروف وبيئة تنفيذ الفكرة أو المشروع، أما الجمود والتمسك بما كتب على الورق أو تم التخطيط له، فإنه لا محالة سيجعل مجموعة العمل كلها تتكلس مع الوقت وتفقد حماسها لما تجده من إحباط واقع من عدم تحقيق حتى ولو نجاحات صغيرة؛ تكون دافعا للاستمرار في العمل ولو تحت ضغط الظروف المحيطة أو هجمات الخصوم.
شروط نجاح الفكرة أو المشروع
إذن فإن لنجاح أي مشروع عناصر يجب أن تتوفر، وتنقسم تلك العناصر إلى عناصر نفسية وعناصر إدارية، أما العناصر النفسية فعلى رأسها الجدية والطموح والرغبة في النجاح، ولا يأتي ذلك إلا من خلال إيمان حقيقي بالفكرة من جهة ورغبة داخلية لدى منفذي المشروع وقادته في النجاح أو تعويض خسارة أو ربح فات، والاستفادة من أنصاف الفرص لتحقيق ذلك النجاح.
وعلى فريق العمل أن يقتنع بأن العقبات تنتظرهم، وعليهم التحلي بالإبداع للتغلب عليها، فلم تكن الأفكار المعلبة يوما سبيلا للنجاح، وإن نجحت فلن تستمر. هذا الإبداع يجرنا إلى العنصر النفسي الثاني وهو التميز، فساحة المنافسة لا تبقي إلا المتميزين في الحلبة، والأكثر تميزا هو الذي يفوز في النهاية. والمتميزون بطبيعة الحال يستبعدون الفشل، حتى ولو كان في تاريخهم حالات فشل سابقة، فإن وجودهم في حلبة المنافسة كفيل لنسيان هذا الفشل والبدء بذاكرة سمكة وعينها تنظر للمحيط وترى تفاصيله، ولا تذكر إلا الهدف الذي تسعى من أجله ومن ثم التركيز على نقاط النجاح والتركيز عليها لتكون دافعا للاستمرار.
أما العناصر الإدارية فتتمثل في اختيار الفكرة بشكل جيد لتقدم المشروع من خلالها والتخطيط لها على نحو يتناسب مع المستهدفين من المشروع، واختيار الوقت المناسب لتقديم المشروع، مع اختيار سبل التسويق المناسبة للمشروع بأدوات مناسبة تخاطب أكبر شريحة ممكنة، ثم متابعة جيدة لمراحل التنفيذ مع مرونة كافية لتغيير خطط التنفيذ بحسب المتغيرات والظروف.
هل نستطيع أن نفعلها؟
والإجابة بالطبع نستطيع أن نفعلها ونقدم مشروعا ناجحا، كما يمكننا أن نقدم قيادة ناجحة ولدينا في ذلك نموذج، فالاختيار الثاني موجود والقيادة التي يمكن أن تتحمل المسؤولية ولدت من رحم الأيام، وهو ما كنا نحلم به ونأمله. وأصبحت البكائيات على حجب القيادة وإدارة الدفة شيئا من الماضي، فيما لو تم التنظيم واستثمار النجاح الحاصل من تجربة كانت الأفضل منذ فترة.
لقد كان لنا أكثر من تجربة خلال الفترة الماضية ولقضايا ماسة لم تلقَ نفس النجاح الذي حققته حملة "#رابعة_مذبحة"، لكن هذه التجربة تطابقت إلى حد كبير مع عناصر نجاح الفكرة والمشروع ونجاح القيادة من خلال توحيد الجهود وشحذ الهمم، وبدأنا بشكل مبدئي نفهم المؤسساتية في العمل من خلال توزيع الأدوار وتوضيح الرؤية وإدارة المشروع والتوجيه الفعال. كما استطاعت الحملة خلق قيادة فاعلة ناعمة وبديلة ولو على مستوى النواة، لكنها وبحق استطاعت أن تدير مشروعا كبيرا هز المنافس، وضرب قواعده التي أسس لها وأنفق عليها الملايين. والشاهد أن الحملة يمكن البناء عليها وصناعة قيادة جديدة لا تتحمل ضغوط قواعد اللعبة وتوازنات السياسة وعلاقات الدول، ويبدو أن هذا الشكل من العمل هو الأفضل الآن وأكثر أريحية ولا يحمل أي طرف عبء المسؤولية أو التبرير.