أنهت القمة العربية– الإسلامية في الرياض أعمالها بحضور عدد ليس بالقليل من
قادة الدول العربية والإسلامية، لمناقشة الحرب في
غزة ولبنان والمستجدات في
المنطقة. اتفق الجميع على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة ولبنان، فيما
طالب بعضهم، كالرئيس التركي، بضرورة عزل الاحتلال الإسرائيلي، وفرض عقوبات
اقتصادية ووقف التعاملات التجارية معه.
وإذا كانت القمة التي عُقدت العام الماضي في الرياض، قد شهدت تباينا في
المواقف بشأن قطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الاحتلال، لكن الأمر الآن
تغير بعد وصول السيد الجديد للبيت الأبيض، وإن كان ذلك لن يغير كثيرا في حالة
التباين بين المؤتمرين، إلا أن تموضعهم سيختلف وفق المعطى الجديد. فترامب صرح أكثر
من مرة، سواء مباشرة أو عن طريق مساعديه ومسؤولي حملته الانتخابية، بأنه سينهي
الحرب بمجرد تولي المسؤولية، ما يعكس التحولات المنتظرة في المنطقة.
إذا كانت القمة التي عُقدت العام الماضي في الرياض، قد شهدت تباينا في المواقف بشأن قطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الاحتلال، لكن الأمر الآن تغير بعد وصول السيد الجديد للبيت الأبيض، وإن كان ذلك لن يغير كثيرا في حالة التباين بين المؤتمرين، إلا أن تموضعهم سيختلف وفق المعطى الجديد
في كلمته أمام القمة، قال السيسي إن مستقبل المنطقة والعالم أصبح على مفترق
طرق، وقد أفلح من كتب له هذه العبارة، فهي تحمل بعد نظر إلى مستقبل المنطقة. والحديث
هنا لا ينسحب على الحرب الدائرة الآن، بقدر أنه محمول عليها، فترامب الذي أشار إلى
رغبته في حل الصراعات الدائرة في غزة ولبنان بسرعة، وعبّر عن التزامه بإنهائها،
ووقف معاناة المدنيين في غزة ولبنان، هو نفسه الداعم القوي للاحتلال ومتخذ قرار
نقل سفارة بلاده للقدس، ضاربا بالقرارات الدولية عرض الحائط من أجل عيون الكيان،
كما أن تصريحاته هذه ستتعارض مع رغبته في إعادة تنفيذ حملة ضغط قصوى على
إيران،
لإرضاء حلفائه في الخليج.
في مقابلة مع موقع ميدل إيست آي، قال جيمس جيفري، وهو مسؤول أمريكي كبير
سابق في إدارة
ترامب، أن "ترامب يرى إيران كتهديد واضح يجب احتواؤه، ليس من
خلال الحرب، بل من خلال التطبيق الصارم للعقوبات، وخاصة على صادرات النفط
الإيرانية".
وهو ما يعني أن ترامب يرى أن تقليم أظافر إيران وتحجيم مليشياتها في
المنطقة وسيلة لإنهاء الحرب في كل من فلسطين ولبنان، لذا فإنه ليس من المستغرب أن
تستمر عمليات الاغتيال للقادة والعسكريين والمسؤولين السياسيين في المليشيات
الموالية لإيران أو حتى الإيرانيين أنفسهم، ولا يستبعد استمرار المساعدات
الاستخباراتية في سبيل استكمال هذه المهمة.
من المعتقد أن ترامب سيرث مسودة إدارة بايدن لوقف إطلاق النار في
لبنان،
والتي يبدو أن حزب الله يميل إلى الرضوخ إليها. الخطة تدعو إلى تعزيز قوة حفظ
السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان، ونشر الجيش اللبناني في معاقل الحزب في
جنوب البلاد، ودفع قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، لكن الخطة الموروثة، إما
أن تجد دعما قويا من واشنطن وحلفائها في الخليج، أو ستتحول لبنان لسوريا أخرى،
يتناحر فيها الجميع، من القوى المتحالفة مع حزب الله، وتلك الداعية لحصر
السلاح بيد الدولة، فإن نجحت الخطة، وتم تحجيم حزب الله، فإن السيناريو سيتكرر في
العراق بطبيعة الحال، لا سيما وأن المؤشرات في بغداد تؤكد أن المليشيات تحاول
تصدير السوداني كوجه ليبرالي للاختفاء وراءه لاتقاء الضربة المؤجلة.
ولعل حالة عدم الانضباط التي تنتاب البحر الأحمر، سيكون لترامب معها وقفة، ومن
ذلك تصريحات أحد مسؤولي حملة ترامب الذي أكد أن ترامب ليس بايدن، وأنه لن يتراخى
مع إيران ولا مليشياتها، بعد أن حمّل الرئيسَ الديمقراطي مسؤولية حالة الانفلات
الأمني في المنطقة، وتعريض مصالح أمريكا والعالم للخطر، سواء على مستوى التجارة
العالمية، أو التدفقات النفطية من الخليج، والمتضررة بفعل الحرب الدائرة،
إذا كانت سياسة ترامب المنتظرة تجنح إلى الحد من تورط الولايات المتحدة في النزاعات الخارجية، فإنها أيضا تطمح إلى التعامل مع الديناميكيات المعقدة في الشرق الأوسط بالوكالة، مع إعطاء تل أبيب هذا الصك، وهو ما يعني أن سخونة الأحداث المنتظرة ستغطي على برودة الشتاء القادم، وأن التباين في وجهات النظر بين قادة الدول العربية والإسلامية حول موقفهم من إسرائيل، أو حتى مع سياسات ترامب المنتظرة، ستزيد حرارة المواقف، لا سيما وأن إيران التي التزمت قواعد الاشتباك حتى الآن لن يكون بوسعها المحافظة على هذا الالتزام مع تساقط حصونها
والتي ما
كانت لتندلع لولا تهاون إدارة بايدن مع إيران، والتي استغلت هذه الميوعة السياسية،
من وجهة نظر ترامب، لتزيد قدرات أذرعها عسكريا، وهو ما يستلزم وقف هذه الإمدادات
لقطع هذه الأذرع وإعادة إيران إلى حجمها المطلوب.
حديث ترامب عن ضرورة تحجيم إيران من خلال تشديد العقوبات الاقتصادية ضدها،
كأداة أساسية للحد من نفوذها في المنطقة، يهدف إلى تضييق الخناق الاقتصادي على
طهران دون خنقها، إلى جانب تركيز على الإبقاء على تهديد عسكري ضد إيران، دون
المساس بقدراتها العسكرية على نحو استخدام تلك القدرات كفزاعة في المنطقة، لا سيما
في الخليج، وهو السيناريو الذي سيوصل بطبيعة الحال إلى "ناتو" شرق أوسطي
تقوده تل أبيب، وتقبله المنطقة، لا سيما وأن سياسة بايدن الساعية لتطبيع العلاقات
بين الخليج وإيران، أكدت أن اندماج الأخيرة في منظومة إقليمية غير وارد، في ظل
طموحات تبدو أكبر من المرسوم له على خريطة هندسة العلاقات الدولية.
إذا كانت سياسة ترامب المنتظرة تجنح إلى الحد من تورط الولايات المتحدة في
النزاعات الخارجية، فإنها أيضا تطمح إلى التعامل مع الديناميكيات المعقدة في الشرق
الأوسط بالوكالة، مع إعطاء تل أبيب هذا الصك، وهو ما يعني أن سخونة الأحداث
المنتظرة ستغطي على برودة الشتاء القادم، وأن التباين في وجهات النظر بين قادة
الدول العربية والإسلامية حول موقفهم من إسرائيل، أو حتى مع سياسات ترامب
المنتظرة، ستزيد حرارة المواقف، لا سيما وأن إيران التي التزمت قواعد الاشتباك حتى
الآن لن يكون بوسعها المحافظة على هذا الالتزام مع تساقط حصونها التي بنت خلال
السنوات العشر الماضية، إلا إذا استشعرت خطرا حقيقيا، وهو ما أستبعده مرحليا، وظني
أنها ستقبل بالدور الوظيفي كفزاعة للخليج إلى حين، حفاظا على دور استراتيجي يحقق
طموحها في المستقبل.