هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعيش جماعة الإخوان المسلمين وبخاصة فرع مصر سواء بداخلها أو خارجها حالة غير مسبوقة من الموت السريري، ونزيف كبير من فقدان كوادرها، وضياع بوصلتها، في حالة غير مسبوقة في تاريخ الجماعة، سواء من حيث مستوى الانتقال من بلاء لبلاء، ومن فشل لفشل أكبر، ومن فقدان حلفاء إلى التفنن في صناعة أعداء جدد سواء من خارجها أو من داخلها.
لكن منذ حوالي أكثر من ستة أشهر قامت محاولة، تطلع إليها كثير من المراقبين بشيء من الترقب، وهو إلغاء منصب الأمين العام، واختيار لجنة تدير شؤون الجماعة بالخارج، وتعنى أول ما تعنى بلم شمل صف الإخوان، ولكن كالعادة قامت فئة محدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، بإفشال ذلك، مثلما قامت بإفشال كل المحاولات الإصلاحية من قبل.
ومنذ أيام يجري تهامس وحديث بين الإخوان في الخارج، عن محاولة إجراء انتخابات جديدة، تشمل معظم مواقع الجماعة، وتكملة مجلس الشورى العام، وعدم ترشح كل من استمر في منصب قيادي لفترة، وعمل انتخابات تأتي بأفراد جدد، لكن نفس القيادات التي رفضت كل مباردات الإصلاح في الجماعة، أو لم الشمل، هي نفسها التي تقف الآن ضد إجراء انتخابات جديدة في الجماعة تأتي بأي وضع ليس لهم وجود ونفوذ فيه.
والحجة التي أرادوا تسويقها لمنع هذه الإجراءات من انتخابات وخلافه، هو ما يلي: أن منع المسؤولين الحاليين من تولي مناصب جديدة في أي انتخابات قادمة، يتصادم مع لائحة الجماعة وتاريخها وأعرافها.
وأن القيادات التي ستأتي جديدة، ومحتملة، لن تكون بنفس قدرة وكفاءة الحاليين، وربما يتسبب ذلك في اختراق لصفوف الجماعة. وأما السبب الثالث والذي يتم التذرع به دائما فهو: أن الظروف الحالية لا تسمح بإجراء أي انتخابات سواء داخل مصر، أو خارجها.
وسوف أناقش هنا ما يتم التذرع به من حجج، من باب المعلومات والتاريخ، ليس إلا، فمسألة اللائحة وتاريخ الجماعة، فهي حجة واهية لا أساس لها، فإن لائحة الإخوان قد أقرت وجود مدتين لمن ينتخب في منصب، ولا يتم انتخابه لفترة ثالثة، وهو ما حدث مع الأستاذ مهدي عاكف رحمه الله، فقد تم تحديد فترة المرشد لفترتين فقط، وقد رفض الترشح للفترة الثانية، ولكنه لو بقي إلى أن انتهت فترته الثانية، فلم يكن من حقه الترشح لثالثة، لو كان حيا رحمه الله، فهل كان حلالا على عاكف حراما على غيره؟ وهل مكانتهم وعطاؤهم يتساوى مع عاكف؟!
كما أن نفس الشرط الذي وضع الآن، وهو: عدم ترشح من تولى منصبا من قبل في هذه الفترة، وهو نفس الشرط الذي وضعه نفس هذه القيادات الرافضة له الآن، وذلك عندما تم انتخاب مكتب إدارة الخارج، أو ما سمي إعلاميا: مكتب إدارة الأزمة، وقد أجريت الانتخابات على أن يتم اختيار سبعة أفراد بناء على عدد الإخوان في هذه البلدان، فكان كالتالي: تركيا (2)، قطر (3)، السودان (1) ماليزيا (1)، وقد تم البدء بتركيا، ولم تكن هناك شروط تتعلق بالسن أو المهام، وكانت مفتوحة للجميع، وكانت انتخابات كاشفة، إذ لم يتم انتخاب أي من القيادات الحالية مطلقا، بل نال أكبر مسؤول وقتها الأمين العام السابق أقل عدد تصويت بين جميع الحاضرين.
منذ أيام يجري تهامس وحديث بين الإخوان في الخارج، عن محاولة إجراء انتخابات جديدة، تشمل معظم مواقع الجماعة، وتكملة مجلس الشورى العام، وعدم ترشح كل من استمر في منصب قيادي لفترة، وعمل انتخابات تأتي بأفراد جدد، لكن نفس القيادات التي رفضت كل مباردات الإصلاح في الجماعة، أو لم الشمل، هي نفسها التي تقف الآن ضد إجراء انتخابات جديدة في الجماعة
كانت هذه النتيجة منبهة لهذه القيادات، فقاموا في انتخابات المصريين في قطر، بوضع شرط يحرم الجميع من المشاركة، سوى من يريدونه فقط، فاشترطوا أن يتم انتخاب من كان مسؤولا في الإخوان إلى عام 2010 فقط، أي حرمان أي فرد من الترشح لم يكن مسؤولا بعد هذا التاريخ، فهو نفس الشرط، الذي وضع الآن من باب التجديد، وضعوه أنفسهم من قبل من باب إجراء انتخابات لا تخرج عن السيطرة.
وهناك أحداث كثيرة في تاريخ الجماعة تبين عدم صحة ادعاء أن إجراء شرط عدم انتخاب من بقي في المسؤولية فترة من الزمن، من باب التجديد، هو شرط صحيح لائحة، وتاريخا، بتفاصيل طويلة لا مجال لسردها كاملة.
أما حجة أن تأتي الانتخابات بأفراد قد يكونوا ليسوا من أهل الثقة في القيادة، فهي حجة لا ينطق بها إنسان مخلص، وسبب ذلك هو شخصنة الدعوة، إذ يتلبس بعض الناس من باب المرض الدعوي أن الدعوة صارت شخصية، فإذا وجد وجدت، وإذا فقد فقدت وانتهت، وهو كلام لا يدخل في أحسن أحوال حسن الظن، إلا في باب: غرور التدين. فمنذ متى كان الأشخاص سببا في وجود الأفكار الصحيحة؟!! ولو صح ذلك لكان غياب المرشد ومكتب الإرشاد أكبر سبب وذريعة، ولكن ذلك لم يحدث، سواء على مستوى الجماعة، أو على مستوى الأفكار والدول.
وهي حجة تصيب صاحبها بتهمة دينية كبرى، إذ أنها تصيب الإنسان بتضخم الذات، أنه وحده ومن مثله المخلص، ومن سواه فهو غير مخلص، ومشكوك في دينه وعطائه، وهو منطق لا يمت للإيمان أو التدين الصحيح بصلة.
أما حجة: أن الزمن غير مناسب، فهي نفس حجج الأنظمة المستبدة حين تطالبهم الشعوب بالتغيير، ومع ذلك، فقد أقامت هذه القيادات انتخابات بعد الانقلاب أكثر من مرة، حينما كانت الانتخابات تصب في صالحها، حدث ذلك في تركيا والسودان، وفي مصر نفسها، فهل كان متاحا وقت الضغط الأمني، والآن أصبح غير متاح؟!!
لقد أثبتت الأيام أن هذه القيادات ضد أي انتخابات، سواء الآن أو بعد ذلك، لأن أي انتخابات معناها ببساطة: مدة محددة للمنتخب، وحتما ستنتهي هذه المدة، بعد أربع سنوات، أو ست على الأكثر، ولو استمر دورة أخرى، فبعدها لا يحق له الترشح، لكن هذا الوضع، وهو ما يشبه وضع الطوارئ المفروض من حكم العسكر، هو أفضل أوضاع تفيد المستبد الديني والسياسي، فقد ظل مبارك ثلاثين عاما يحكم بقانون الطوارئ، وهو نفس ما يفعله السيسي، ليثبت المستبدون جميعا قاعدة: أن الاستبداد ملة واحدة، بلحية كان أم بدون لحية، عسكريا كان أم مدنيا.
كان كلما كلمني أحد في السعي للإصلاح بين الإخوان، وعودة كل الأطراف، وأني لو أردت الخير لهذه الجماعة فعلي السعي في ذلك، كنت أقول لكل من يكلمني خذ هذا العرض مني، وتكلم به مع من شئت، وأنا كفيل بإقناع كل من يقبل مني به: اذهب لهذه القيادات، وقل لها: أني موافق أن يقوموا بعمل انتخابات، لن نكون طرفا فيها لا ناخبين ولا مرشحين، ويتولوا هم قيادة المرحلة، وسنسلم لهم بها، ويضعوا رؤية وخطة عمل تحتوي الجميع، ويحددوا فيها المدة التي يبقون فيها مسؤولين، ويحددوا فيها الانتخابات القادمة، على أن تكون معروفة المدى الزمني، كان كل من أعرض عليه العرض يذهب ولا يرجع. لأنهم يعلمون أن أي موعد جديد لانتخابات جديدة لن تأتي بهم.
كما أن خسارة مثل هذه القيادات لمواقعها غير المستحقة شرعا أو واقعا، هو خسارة لنفوذ ومكاسب لا يعلمها إلا من اطلع على دقائق تفاصيلها، من شبكة مصالح، وشبكة منتفعين بها، ودوائر محيطة ترفع اسم الدعوة في الواجهة بينما في الواقع هو مصلحة الذات، أو مصلحة فئة محدودة من الناس، فلو كانت القيادة مغرما فيكفي هذه القيادات ما غرموه في السنوات الماضية، وليتحمل إخوان غيرهم معهم في هذه المغارم، ولو كانت مغنما، فكفاهم ما غنموا، وليغنم إخوة لهم آخرون كما غنموا، أليس هذا هو منطق الأخوة: أحب لأخيك ما تحب لنفسك؟!
إذا كان المبدأ التربوي الديني في الإخوان في طلب المنصب الدعوي هو: لا نوليها من طلبها، أي القيادة، فالأولى أن لا نولي من استبد وتمسك بها، فهناك وجاهة شرعية لمن يطلبها، لوجود أدلة تجيز ذلك، لكن لا توجد أي أدلة للاستبداد والتمسك بها، بعد انتهاء مدة المسؤول، فضلا عن فشله المتواصل، وكأنه مصر على أن يكمل كل كتالوج الفشل.