أن يتلقى ديكتاتور
سوريا بشار
الأسد؛ برقيات
تهنئة بنجاح إعادة تنصيب نفسه من ديكتاتوريي المنطقة ومن الكوري كيم جونغ إيل، ومن قوتي الاحتلال الروسي والإيراني، فأمر متوقع في سياق مديح الطغاة لبعضهم للحفاظ على نسق التعاون القائم وتعميم "الفائدة" بينهم، تهنئة تشيد بقدرة الديكتاتور على إنجاز انتخابات كانت بالأساس لن تجرى لولا عضلات المحتلين..
انتخابات لا يصدقها عاقل وشاهد وضحية، بعد ملايين الشواهد التي تفيد بعدم شرعية هذه الانتخابات القائمة على تحطيم وتدمير وتهجير نصف سكان سوريا، كما عرف العالم أجمع جرائم لا حصر لها ضد الإنسانية بأيدي الأسد وعصاباته.
القرائن والشهادات والصور والوثائق التي تدين نظام الأسد جوبهت بنفاق لم يشهد له التاريخ إلا مع المحتل الصهيوني، لكن التهنئة الفجة بوقاحتها تأتي من بين ظهرانينا، بتهافت فصائل
فلسطينية رسمية، في مقدمتها زعيم السلطة "أبو مازن"، على تقديم تهنئة للأسد بمناسبة "فوزه" بالانتخابات، وتهنئة أخرى من الجبهة الشعبية وأمينها العام "أحمد سعادات"، المعتقل في زنزانة صهيونية، وباسم "اللجنة المركزية والمكتب السياسي والكوادر والمقاتلين على الأرض وفي كل مواقع اللجوء إلى سوريا قيادة وجيشاً وشعباً بمُناسبة إنجاز الاستحقاق الدستوري".
لن نناقش تهنئة أبي مازن للأسد، لأنها قد خلت من عبارات مثل أنه في عهد الأسد سيتحقق النصر أو المقاومة أو تحرير فلسطين، ولم يذكر كل ما لا يؤمن به، بقدر ما حملت التهنئة الأمل "بتطوير العلاقة بين البلدين"، لكن مدرسة التحليل الطبقي والبناء الثوري والديالكتيك والمادية التاريخية؛ مدهشة في الرغاء والتزوير وهي تبحث عن انتصارات في زمن انكسارات كثيرة، والإصرار في السقوط المريع عند أقدام طاغية مجرم بحق أبناء سوريا وفلسطين.
وفي المجمل معظم المواقف الرسمية الممجدة "فوز" الأسد حتى في كلمات الوفد الفصائلي الذي زار الأسد في 20 أيار/ مايو (قبل الانتخابات) و"توقع" النصر المؤزر له في معركته، غير بعيدة عما يجتمع عليه البعض في المنطقة لتنظيف يدي الأسد من دماء السوريين والفلسطينيين. فرئيس اتحاد كتاب وأدباء فلسطين في رام الله "مراد السوادني" لم يترك المناسبة تفوته وجاء لدمشق مهنئاً باسم الاتحاد، ومتفائلاً بولاية الأسد الرابعة لتحرير فلسطين.
وتشديد مدرسة اليسار الفلسطيني على "إنجاز الأسد الاستحقاق الدستوري" هو تأكيد على مسح جرائم السنوات العشر الماضية، وإعفاء الأسد من مسؤولية قصف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بالطائرات والصواريخ والمدفعية، وبتبرئته من قتل أكثر من أربعة آلاف فلسطيني تحت القصف وتحت التعذيب في "فرع فلسطين" الذي ينكرون ويعيبون على ألسنتهم وألسنة غيرهم وعقولهم ذكره بالاسم.
وبالمناسبة، هناك كوادر وأعضاء لجنة مركزية ومكتب سياسي من كل الفصائل، بمن فيهم وزراء وأمناء عامون سابقون ومن كل أماكن اللجوء، كانوا قد حلوا على هذا الفرع وعلى "الضابطة الفدائية" كمعتقلين، وتعرضوا لشتائم عن فلسطين والقدس ما أنزل الله بها من سلطان. والتجربة الفلسطينية هنا مع الأسدين مريرة ومؤلمة، يعرفها أصحاب مدرسة التزوير في رام الله وعمان وبيروت ودمشق.
لن نعود لحقبة ثمانينات القرن الماضي وسبعينياته، وهي غنية بتخاذل وتآمر النظام السوري على الفلسطينيين، وموقف الراحل جورج حبش شاهد جلي على هذه الحقبة، وموثق بشريط مصور في قاعة جمال عبد الناصر في بيروت بعد
مجازر تل الزعتر عام 1976. قال حينها: "النظام السوري قتل في العامين الماضيين من الفلسطينيين أكثر مما قتل العدو الصهيوني.. خسئ النظام السوري العميل خسئ".
صفق الجميع بمن فيهم ياسر عرفات وإبراهيم قليلات وجورج حاوي وكمال جنبلاط لكلام حبش وموقفه المبدئي؛ الذي يتهرب منه "المحافظون الجدد" لليسار المنعطف نحو فاشية الأسد والمبتهج بجيش تعفيشه. وقد حقق نصراً على حطام اللاجئين وهو يسطو على كواشين البيوت في فلسطين ويحرقها مع مفاتيح الديار التي حفظها أصحابها أكثر من ستة عقود.
مهين ومفجع الابتهاج الرسمي الفلسطيني بديكتاتور حطم حياة أشقائهم وعمقهم العربي والقومي الذي تغنوا به في أدبيات التنظير الثوري، عار ومخجل تمجيد الأسد وعصابات جيشه التي نبشت قبور الشهداء في مخيم اليرموك لإرضاء محتل صهيوني بالبحث عن رفات صهيوني بمساعدة محتل روسي. من يعطي حق تهنئة مجرم بإنجاز مذابحه باسم الشعب الفلسطيني، من الرئيس حتى الفصيل العاجز والمتقزم عن الوقوف بجانب أبناء جلدته من الضحايا، ويصر على ممارسة الوقاحة بالظهور المتجابن والذليل أمام سفاح السوريين والفلسطينيين والدفاع عن جرائمه وتقديمها على انها انتصارات مبهجة لأجل فلسطين البريئة من السفاحين والقتلة والطغاة؟
بالله عليكم عن أي فلسطين تتحدثون؟ عن تلك المؤمن بها عصابة وسلالة الأسد في فرع فلسطين، أم عن فلسطين المحطمة في مخيم اليرموك بطائرات الميغ؟ أم فلسطين التي جاءت بالمؤامرة الكونية وقتل الأسد لأجلها وشرد الملايين، والمحاصرة بالعفيشة ونابشي قبور الشهداء في اليرموك؟
لن نطيل، فقط للتذكير بالقدرة على استخراج بيان تهنئة بفوز الأسد، بتوقيع أمين عام فصيل معتقل في زنزانة صهيونية، وفيما أخوه المعتقل بفرع فلسطين لا يستطيع أحد إرسال خبر منه ولا الحصول على خبر عنه، أميت هو أم حي، ولا تستطيع السلطة وفصائل فرع فلسطين في رام الله وكتابها وأدباؤها التحري عن جثث الآلاف من أبناء فلسطين في فرعها الأسدي، إن كانت دُفنت أو حُرقت بالفرن الروسي الذي تفحمت به جثث آلاف السوريين، وإن استطاعت فهي تظهر كل الوقاحة أمام شعبها لإنكار الجريمة ووجود الضحية.
لا وقت لديهم، فمعركة الأسد بلغت منتهاها، وقد حقق انتصارا، وجيش تعفيشه الباسل بحاجة لجوقة نصرٍ فلسطيني تشدو لحن الابتهاج بفوزه على فرع فلسطين وبقية المسالخ البشرية، ولممارسة التزوير باسم أبناء فلسطين، ونحن نعزي أنفسنا بالرث والانحطاط والغباء الذي انتهت إليه أخلاق نخب ومواقف حركة تحرر وطني وهي تنسف فكرتها وتاريخها بشكل فضائحي جداً يصعب ترميمها.
twitter.com/nizar_sahli