هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
طرحت هبة الأقصى الرمضانية بمفاعيلها المستمرة، أسئلة حول قضية القدس بكونها إحدى الثوابت الفلسطينية، حيث تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المنضوية في إطارها، وكذلك الفصائل والحركات غير المنضوية في خطاباتها وأدبياتها السياسية قضية القدس من الثوابت الوطنية الفلسطينية، في وقت تستمر فيه حالة الانقسام الفلسطيني وغياب إستراتيجية كفاحية موحدة لتثبيت المقدسيين لمواجهة عاصفة التهويد والسياسات التهويدية لمدينة القدس وأحيائها المختلفة، والتي كان أخطرها الاقتحامات المتكررة لباحات المسجد الأقصى المبارك، لترسيخ فكرة التقسيم الزماني والمكاني.
الحكومات الإسرائيلية والقدس
في الوقت الذي تتكرر فيه الهبات الفلسطينية الشعبية للدفاع عن القدس وجوهرتها المسجد الأقصى المبارك، نلحظ بشكل جلي الإجماع الإسرائيلي حول مستقبل مدينة القدس، حيث تمخض عنه ثابت سياسي تجلى برفع شعار وخطاب موحد "القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية".. ويمكن استقراء ذلك في الأفكار التي طرحها بعض القادة والأكاديميين والاستراتيجيين الإسرائيليين، ناهيك عن النتائج والتوصيات التي تمّ تسجيلها في نهاية ندوات ومؤتمرات عقدت في مراكز البحث الإسرائيلية كمؤتمر هرتسيليا الاستراتيجي الذي يعقد بشكل دوري منذ عام 2000.
وفي هذا السياق عبّر ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي في الرابع والعشرين من يونيو /حزيران 1948 بوضوح عن النوايا الإسرائيلية في القدس. وفي نقاش دار حينها في الكنيست، قال بن غوريون "إن المسألة لم تكن إلحاق القدس بـإسرائيل، بل كيفية تحقيق هذا الهدف في ضوء العقبات والظروف العسكرية والاقتصادية التي تواجه تحقيقه، ومنذ العام المذكور اتسم موقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه قضية القدس بالتصلب شأنها في ذلك شأن قضية اللاجئين وحق عودتهم حسب القرار 194 لعام 1948.
أخطر تلك النشاطات التهويدية والتي ما زلنا نشهد فصولها بوتيرة متسارعة؛ الاقتحامات المتكررة لباحات الأقصى المبارك من قبل قطعان المستوطنين بحراسة من الشرطة الإسرائيلية، فضلاً عن عمليات الهدم المبرمجة لأحياء القدس المختلفة ومحاولة تهجير المقدسيين منها.
ومع احتلال إسرائيل للضفة الغربية بما فيها الجزء الشرقي من مدينة القدس وقطاع غزة في الخامس من يونيو/ حزيران 1967، بدأت تظهر مشاريع وأفكار إسرائيلية عدة حول مستقبل الأراضي العربية المحتلة. وتركزت الرؤى على إبقاء القدس الموحدة تحت "السيادة الإسرائيلية" باعتبارها "العاصمة الأبدية لإسرائيل". ومن أهم المشاريع المطروحة التي تضمنت إبقاء السيطرة الكاملة على مدينة القدس: مشروع بن غوريون في عام 1967، حيث كان أول من طرح فكرة منح السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة حكماً ذاتياً يديرون شؤون حياتهم في إطاره، وذلك بعد أن وضعت حرب حزيران أوزارها بأسبوعين تقريباً. فقد وزّع بن غوريون على الصحف مشروعاً يتضمن بعض الأفكار ميّز فيها بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والفلسطينيين في الخارج، وفي الوقت نفسه ميّز أيضاً بين سكان قطاع غزة وإخوانهم في الضفة الفلسطينية، إضافة إلى الاقتراح الذي تضمنه المشروع بضم القدس إلى حدود "دولة إسرائيل"، وفي يوليو / تموز 1967 طرح وزير الخارجية آنذاك إيغال الون على حكومته مشروعاً يتعلق بسيناء والجولان، استند فيه إلى أفكار بن غوريون، غير أن مشروع آلون كان أكثر تفصيلاً وتحديداً ووضوحاً.
وقد حظي المشروع بشهرة كبيرة رغم أنه لم يناقش في إطار حكومي أو حزبي. وكان آلون أحد أبرز شخصيات حزب العمل وزعيم كتلة في الحزب وأحد قادة «البالماخ» البارزين سابقاً، وقد صمّم مشروعه على أساس التخلص من المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية، وضم المناطق الأخرى التي تتسم بقلة ومحدودية السكان، أي التخلص من المدن والمراكز الحضرية السكانية، وإعادتها إلى الأردن والتمسك ومواصلة السيطرة على الأراضي الواسعة الخصبة في الأغوار وشمال الضفة الفلسطينية ومناطق واسعة من أرياف المدن الفلسطينية تمهيداً لضمها إلى "إسرائيل"، وتطرّق آلون في مشروعه إلى القدس من خلال الاحتواء الكامل والقسري لهذه المدينة، حيث أكد على ضرورة العمل على إقامة ضواح بلدية، مأهولة بالسكان اليهود شرقي القدس، علاوة على إعادة تعمير وإسكان سريعين للحي اليهودي بالبلدة القديمة من القدس، وهذا الأمر ترجم عملياً في السنوات الماضية حيث أصبحت المستوطنات اليهودية تحيط بمدينة القدس من كافة الاتجاهات عبر أطواق استيطانية محكمة.
في التاسع من أكتوبر / تشرين أول 1968 طرح أبا إيبان مشروعاً، تضمن البند الخاص بالقدس أن "إسرائيل" مستعدة لمناقشة التوصل إلى اتفاقيات مناسبة مع من يعنيهم الأمر بشأن القدس، وقد عارض أبا إيبان فكرة إيجاد حل تعرضه الدول الكبرى ووصفها بأنها أبعد الأفكار عن الواقعية على الإطلاق، وبدورها طرحت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير مشروعاً في التاسع من فبراير/ شباط 1971، وجاء في البند المتعلق بالقدس من المشروع "تبقى القدس موحدة وجزءاً من إسرائيل". وبغض النظر عن تركيبة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 وصولاً إلى حكومة نفتالي بينت الحالية؛ بقي الخطاب السياسي الإسرائيلي حول قضية القدس الثابت الأهم في التوجهات الصهيونية.
مشاريع إسرائيلية حول القدس
إضافة إلى مشاريع بعض القادة السياسيين الإسرائيليين المطروحة حول مستقبل قضية القدس، طرحت بعض الأحزاب الإسرائيلية مشاريع هي الأخرى حول مستقبل مدينة القدس، ومن بين تلك الأحزاب، حزب مابام الإسرائيلي، الذي طرح مشروعه حول مستقبل القدس في 27 ديسمبر/ كانون أول 1972، وتضمن المشروع بنداً خاصاً عن وضع القدس من وجهة نظر الحزب المذكور، أكدّ من خلاله "أن القدس الموحدة عاصمة دولة إسرائيل وتضمن في تسوية السلام الخاصة الإدارة الذاتية للأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين ويعترف في كل مفاوضات حول السلام مع الدول العربية المجاورة بحقوق السكان العرب كأقلية قومية، ويتم ضمان أوضاع بلدية خاصة بالسكان العرب في القدس في إطار المدينة الموحدة.
وعاود بن غوريون في الثامن من سبتمبر/ أيلول 1972 طرح مشروع آخر للتسوية، حيث أشار فيه إلى "أن هناك احتمالاً نظرياً لتوقيع معاهدة سلام بين إسرائيل والدول العربية في غضون السنوات الخمس القادمة، ويعتقد أنه في حال توقيع الدول العربية معاهدة سلام فإن من الصواب أن تعيد لهم إسرائيل جميع الأراضي، عدا القدس والجولان والمناطق التي نشأت فيها مستوطنات بما في ذلك المستوطنات في الضفة الفلسطينية، وبدوره أدلى وزير الدفاع الأسبق موشي دايان بدلوه عبر مشروع سياسي حمل اسمه في السادس من أكتوبر/ تشرين أول 1972، وفضل دايان بأن لا يحل "السلام" بين مصر وإسرائيل، على أن تنسحب القوات الإسرائيلية إلى الحدود السابقة، وأكد مشروع دايان على أن الحدود مع هضبة الجولان ستبقى كما هي، ولم يستبعد دايان التوصل إلى تسوية حول مدينة القدس، تمنح معها الأماكن المقدسة ما سمّاه الوضع الخاص ولكن المدينة ـ بحسب زعمه ـ يجب أن تظل موحدة من الناحيتين السياسية والقانونية، مع تأكيده على أنه لا مجال لإقامة دولة جديدة في الضفة الفلسطينية.
وتبعاً للأفكار والمشاريع الإسرائيلية التي أشرنا إليها حول مستقبل القدس، أعلنت إسرائيل ضمّ الجزء الشرقي من مدينة القدس في الثلاثين من يوليو / تموز 1980، ورغم مرور واحد وأربعين عاماً على ضم الجزء الشرقي من المدينة (1980-2021)، لم تتوقف النشاطات الاستيطانية في جنباتها بغية تهويدها على المستوى الجغرافي والديموغرافي، لكن أخطر تلك النشاطات التهويدية والتي ما زلنا نشهد فصولها بوتيرة متسارعة؛ الاقتحامات المتكررة لباحات الأقصى المبارك من قبل قطعان المستوطنين بحراسة من الشرطة الإسرائيلية، فضلاً عن عمليات الهدم المبرمجة لأحياء القدس المختلفة ومحاولة تهجير المقدسيين منها.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا