هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ماذا يفعل بسكويت أو كوب حليب في تعليم منهار؟ هكذا تساءل خبراء ومختصون في التعليم عن جدوى إعادة اهتمام الحكومة المصرية بقضية "التغذية المدرسية"، والترويج لها كأنها بدع، أو الحجر الأخير في إعادة بناء منظومة التعليم المهترئة.
وذكّروا بأن مصر تتذيل قائمة
دول العالم في جودة التعليم، وفق المعايير الدولية، وأن المعلم المصري هو من أفقر معلمي
الأرض، وأن عدد الطلاب في الفصل الواحد يصل إلى 100 طالب في بعض المدارس الحكومية،
والنقص في عدد المعلمين يقارب 400 ألف مدرس.
وقبل أيام، عقد رئيس الوزراء
المصري اجتماعا مع وزراء التربية والتعليم والصحة والزراعة، ورئيس مجلس إدارة شركة
"سايلو فودز"، اللواء تيمور موسي، لمتابعة جهود تطوير "منظومة التغذية
المدرسية"؛ تنفيذاً لتكليفات زعيم سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
وأشارت وزيرة الصحة إلى أنه
سيتم توزيع الوجبات على الطلاب باستخدام الكارت الذكي، الذي سيفعّل بـ QR code، المربوط بنتائج مبادرة 100 مليون صحة، وذلك بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم،
ومع شركة "سايلو فودز" (تابعة للجيش).
كلمة السر في "التغذية
المدرسية"
اعتبر عضو لجنة التعليم بمجلس
الشعب سابقا، الدكتور محمود عطية، أن "كلمة السر في قضية التغذية المدرسية هو
"البيزنس" الجديد الذي سيعود على الجيش من جراء احتكار التعاقد مع وزارة
التربية والتعليم في توريد تلك الوجبات، وهناك من المشاكل في منظومة التعليم ما هو أكبر من
عملية التغذية".
واستهجن في حديثه لـ"عربي21" "اختزال أزمات التعليم في بلد به 25 مليون تلميذ في بسكويت وعلبة عصير مصنعة،
وعلى الدولة التركيز على 3 محاور للنهوض بالتعليم إذا كانت جادة في مسعها؛ وهي المناهج
والبناء والمعلم".
وحذر من أن مسألة التغذية يشوبها
الكثير من الفساد، قائلا: "عند صرف الوجبات للمدارس لا يتم توزيعها جميعا؛ بسبب
غياب عدد من الطلاب أو انقطاعهم، وكان لا يسمح بوجود أو بقاء وجبة واحدة عند حدوث تفتيش
على تلك المدارس، ما كان يضطرها لتوزيعها على المدرسين أو بيعها في السوق، إضافة إلى
عدم صرفها من الأساس في بعض المدارس".
شركة الجيش واحتكار التغذية
وكان السيسي قد قام بافتتاح
المدينة الصناعية الغذائية "سايلو فودز"، التابعة للقوات المسلحة، بمدينة
السادات، مطلع آب/ أغسطس، ودعا إلى رفع سعر رغيف الخبز، البالغ خمسة قروش، من أجل توفير
ثمانية مليارات جنيه تكلفة تنفيذ مشروع التغذية المدرسية، الذي كان أعلن عنه في وقت سابق
من العام الجاري.
وخلال الافتتاح، أوضح وزير التربية
والتعليم، طارق شوقي، نتيجة مسح قامت به الوزارة على 25 مليون طالب على مدار ثلاث سنوات، الذي كشف عن إصابة أكثر من 3.4 مليون طالب بالسمنة، وأكثر من 8.2 مليون بالأنيميا،
ونحو مليون بالتقزم.
ومنذ ذلك الوقت، ضجت وسائل الإعلام
والصحف ونواب البرلمان بالحديث عن المشروع، باعتباره حدثا وبدعا وسابقة في تاريخ البلاد،
في حين أن مسألة التغذية المدرسية كانت موجودة منذ عقود، بل كانت تشمل "الكسوة"
في بعض الأوقات.
ونعت الباحث في المركز القومي
للبحوث التربوية، الدكتور كمال مغي، تلك الجلبة حول التغذية المدرسية "بالهرتلة"،
وتساءل: "ماذا يفعل كوب حليب في تعليم منهار؟"، مشيرا إلى أن "الحديث عن كوب حليب لإصلاح
التعليم لا يعدو "هرتلة"، وبحثا عن تعاطف مفقود لسياسات شرسة وغير إنسانية".
وأضاف في منشور له على صفحته
بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن "الذين يهتمون بالتعليم المصري يعرفون مشاكله"،
واتهم وزير التعليم بأنه" يدير بلا خطة ولا رؤية ولا معنى ولا كتابة..
حقيقة التغذية وأهدافها
على المستوى الصحي، كشف الوكيل
السابق بوزارة الصحة، وأحد المشرفين على برنامج التغذية المدرسية ومكافحة الأنيميا
ما بين عامي 2006- 2010، أن "موضوع التغذية في مصر بدأ بمرسوم ملكي عام 1942،
ولها أكثر من هدف، وهو القيمة الغذائية، من خلال توفير وجبة مدرسية للتلاميذ، ولا بد
أن تكون فيها مكونات تكفي نحو 25 % من احتياجات الطفل، ودعم الأسر الفقيرة ومساعدتها
في توفير وجبة صحية، وأخيرا ترسيخ سلوكيات التغذية من خلال تعويد التلاميذ على عادات
غذائية سليمة وصحية".
وأضاف لـ"عربي21":
"في عام 2016 ظهرت أزمة تسمم عشرات التلاميذ في العديد من المدارس والمحافظات
بسبب الوجبات المدرسية، وكان ذريعة للجيش للدخول في مسألة تصنيع وتوزيع التغذية المدرسية
في عام 2017، واستمرت معها مشاكل التسمم؛ بسبب عدم التخزين الصحيح، وانتهاء صلاحية بعض
المواد المدخلات في التغذية، ومنذ ذلك الوقت وعملية التغذية المدرسية غير مستمرة وغير
مستقرة".
وكشف جاويش أن "جزءا كبيرا من أموال التغذية عبارة عن دعم خارجي من برنامج الغذاء العالمي في مصر، الذي رصد
454 مليون دولار (قرابة 10 مليارات جنيه وقتها) لمدة خمس سنوات، من عام 2017 وحتى
2022، لتمويل برنامج التغذية المدرسية، الذي يستفيد منه أكثر من 10 ملايين تلميذ ضمن
حزمة الحماية الاجتماعية، بحسب وزيرة التضامن حينها".
وأكد أن "هذه المنح الدولية
سوف تذهب لصالح مصانع سايلو فودز التابعة للجيش، إضافة إلى أموال وزارة التعليم، وما
سوف يتم توفيره من مليارات الجنيهات جراء رفع أسعار دعم الخبز، وبالتالي الحصول على
أرباح طائلة في ظل عدم تحمل تلك المصانع أي فواتير جمارك أو ضرائب أو عمالة وغيرها، لكن السؤال الأهم: ماذا عن عشرات المصانع في كل محافظات مصر التي كانت تقوم بتصنيع
الوجبات المدرسية".