هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن حرب "الاستقلال الاقتصادي" معلنا عن خطة اقتصادية جديدة بهدف الاستقلال عن التبعية للنظام العالمي الغربي.
ويشير الرئيس أردوغان إلى اتباع الطريق الأصعب، قائلا إنه لم ينفذ هذه السياسة بشكل مفاجئ وهو مصمم على اتباع سياسة موجهة نحو النمو بدلا من التركيز على الحلقة المفرغة لارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض العملة.
وساهمت سياسة تخفيض أسعار الفائدة من البنك المركزي التركي في انهيار العملة التركية التي خسرت 60 بالمئة من قيمتها، وسط ارتفاع بأسعار المواد الأساسية، وتضخم ارتفع إلى 21.31% على أساس سنوي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
ويربط الرئيس التركي بين ما يشهده الاقتصاد العالمي وبين تأثيره على تركيا، لافتا إلى أنه لم تحدث تغيرات جذرية في الاقتصاد العالمي، مضيفا أن التطورات العالمية أجبرت تركيا على الاختيار ما بين التخلي عن الاستثمار والإنتاج والنمو والتوظيف والمقاومة، أو الاستسلام لأسعار الفائدة، مشيرا إلى أنه اختار المخاطرة والنضال، وبما يتناسب مع احتياجات تركيا.
التخلص من التدخلات الخارجية.. لماذا الآن؟
الخبير الاقتصادي التركي علاء الدين شينكولار في حديث لـ"عربي21"، أشار إلى أن الرئيس أردوغان يقصد بمصطلح "حرب الاستقلال الاقتصادي"، التخلص من التدخلات الخارجية لاسيما تلك الجهات التي تحاول في العالم بأكمله الاستيلاء على اقتصاد الدول بما يتناسب مع مخططاتهم، من خلال هدم وتخريب الاقتصاد ويجعل الدول بحاجة إليهم.
وتابع الخبير الاقتصادي لـ"عربي21" بأن الحرب الاقتصادية كانت موجودة منذ فترة طويلة، لكنه اضطر للاعلان عنها بشكل علني لأنه شعر بأن تركيا أصبحت أكثر قوة من نواح عدة، حيث أصبحت تركيا تحتل المرتبة الـ16 اقتصاديا، وتتجه لتكون في المرتبة الـ15، بالإضافة إلى تطور الصناعات الدفاعية التركية ما جعل أردوغان يتشجع بالإعلان عن ذلك.
اقرأ أيضا: أردوغان يقتدي بنموذج الصين في خطته الاقتصادية الجديدة
وأضاف أن الحرب الاقتصادية كانت موجودة داخل مؤسسات وبنوك الحكومة التركية، لكن أردوغان رأى أن المواطن التركي مستعد في حرب الاستقلال الاقتصادي.
أما عن العوائق التي كانت أمام أردوغان في تنفيذ خطة الاستقلال الاقتصادي، فأشار الخبير التركي إلى أنه وفريقه عملوا طوال السنوات الماضية على تصحيح الأخطاء الموجودة في البلاد، منها أن معدل الدخل الوطني كان يقرب من 2500 دولار سنويا وقد رفعها إلى 10- 12 ألف دولار، كما أنه حقق اختراقا في قطاع التصدير بالإضافة إلى السياحة التي ارتفع دخلها من 11 مليار دولار إلى 44 مليار دولار، يعني أربعة أضعاف، بالإضافة إلى البنية التحتية في البلاد.
وأوضح أن السنوات الماضية كانت تهدف لترتيب البنية التحتية في البلاد، والوقت قد حان بالنسبة له لينطلق في آخر المراحل على صعيد الاستقلال الاقتصادي الذي ينادي به غالبية الشعب التركي.
ولفت إلى أن جهات خارجية وداخلية تتلاعب بالاقتصاد التركي كما الدول الأخرى لاسيما الإسلامية منها، مشيرا إلى أن دوائر التلاعب والمضاربات تتمركز في مراكز البنوك الدولية التي تتمركز في الولايات المتحدة ولندن، من خلال أسر معروفة بتحكمها بأغلبية البنوك بالعالم.
وحول إمكانية نجاح أردوغان في خطته الاقتصادية، أوضح أن الرئيس التركي مصمم على ذلك، ولكن "لا نعلم ما هي الوسائل التي سيستخدمها وسلاحه في ذلك، لكنه من الواضح أنه قد ينجح، وهي بحاجة لوقت لا سيما أنها تأتي في مرحلة حساسة مليئة بالهجمات الاقتصادية".
محاربة "لوبي الفائدة" بعد واقع ما بعد كورونا
أما بالنسبة لنظرية أردوغان الاقتصادية، فأوضح أن فلسفته قائمة على الوضع الجديد في العالم ما بعد كورونا وما نتج عنه من خلل في شبكة التنقل الاقتصادية في العالم.
وأوضح أن أردوغان يريد استغلال هذه الفرصة بتشجيع محاربة "لوبي الفائدة" الذي أرهق البلاد ويمنع من تطوره، كما أنه يوحي للجميع بأن الفرصة مناسبة للتخلص من تسلط الغرب وتدخلاتهم في السياسة والاقتصاد التركي لاسيما أصحاب البنوك، بخطة جديدة أشمل من رؤية الاقتصاديين التقليديين للوصول إلى خانة العشر الأوائل في الاقتصاد العالمي.
الخبير التركي إتيان مهشوبيان، أشار في مقال إلى أن الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة ليست مجرد خيار سياسي، بل هي جزء من "رؤية سياسية" قدمها أردوغان للمجتمع.
وأوضح أن أطراف الائتلاف الحاكم في تركيا تتوافق على هذا الاتجاه الجديد، والذي يتناسب مع الرؤية السياسية والأيدلوجية، حيث يتكامل الاقتصاد مع الأمن ويعمل كرافعة للسياسة الخارجية ومكانة الدولة في النظام العالمي.
استراتيجية اقتصادية جزء من رؤية سياسية
وأشار إلى أن تصريحات أردوغان يمكن تلخيصها على النحو التالي: "نحن أمام عالم جديد" و"لم يعد الاقتصاد الكلاسيكي هو الحل" و"سنتبع مسارا جديدا ونعرف ما نقوم به"، و"البحث عن نظام عالمي جديد بـ(وزن روسيا والصين) وبنيتنا التحتية ستضمن النجاح للطريق الذي ندخل فيه" و"ستحاول الدوائر المالية العالمية إعاقتنا" و"لكن هذا نضال تاريخي وضروري للتحرر الاقتصادي للبلد".
اقرأ أيضا: أردوغان يجدد موقفه الرافض لرفع سعر الفائدة
وأضاف الكاتب المعارض أن أردوغان يقدم مستقبلا جديدا للمجتمع التركي، والاستراتيجية الاقتصادية الجديدة هي جزء من "رؤية سياسية".
ورأى أن مفهوم إدارة الدولة يهدف إلى إقامة علاقات متساوية مع روسيا والصين عبر الابتعاد عن الغرب في إطار فكرة الاستقلال والتفوق بالسلاح على دول الجوار، ويحد من الحريات بذريعة مراعاة المصالح القومية داخل البلاد، وينظم المجال العام وفق الحاجات ويحافظ على تماسك المجتمع بفضل قومية شاملة وعلمانية غامضة يجعل الشعب تابعا للدولة، وفي حالة قلق مستمرة بسبب الكفاءة وقلق البقاء.
وأشار إلى أن الظروف الآن جاهزة، حيث أخل كورونا بالتوازنات، كما أن مؤسسات الحداثة لا تستطيع حل المشاكل، والصين وروسيا تزيدان من ثقلهما عالميا، وبفضل النظام الرئاسي أصبحت الدولة مسألة سياسية، والكمالية والإسلاموية لا يمكن أن يحكموا البلاد، ويتم تحديد هوية جديدة بفضل قومية تضيق المسافة بين العلمانية والدينية.
الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، قال في حوار مع "عربي21"، إن النظام المالي العالمي هو المهيمن على اقتصاديات كل الدول في العالم، وفي قلب هذا النظام سعر الفائدة.
وتابع بأن النظام العالمي يقوم بما يخالف النظريات الاقتصادية التي تقول إنه كلما قلت أسعار الفائدة زادت الاستثمارات في الدول، حيث إنه حقق نظاما قائما على المضاربة من خلال إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة.
وأشار إلى أن خفض أسعار الفائدة يحقق فوائد كبيرة منها أن 1.2 مليار دولار دخلت سوق أسهم بورصة إسطنبول في شهر واحد فقط، ويعد رقما قياسيا، مشيرا إلى أن سعر الليرة حاليا محفز لذلك.
تعزيز الاستثمارات المحلية.. المطلوب برامج اقتصادية
وأضاف أن انخفاض أسعار الفائدة سيسهم في تعزيز الاستثمارات المحلية في البلاد والإنتاج الصناعي والزراعي، لافتا إلى أن الصادرات التركية حققت أرقاما قياسية.
ونوه إلى أن أي قرار اقتصادي ينتج عنه تبعات سلبية وإيجابية، موضحا أنه على الأجل القصير هناك حالة من الارتباك تؤثر على المواطن التركي من انخفاض في مستوى المعيشة.
وتابع بأن الحكومة التركية تدرك معاناة المواطن، وهي تسعى لتقويم ذلك من خلال رفع الحد الأدنى للأجور، مشددا على أنه يجب أن يكون الحد الأدنى متماشيا مع الوضع الحالي.
وأضاف أن أردوغان أعلن عن البدء بإنشاء سلسلة متاجر حكومية في أنحاء البلاد (ألف متجر)، من أجل منافسة المحتكرين، كما أن هناك حملات تفتيشية في الأسواق قامت بتغريم 2.6 مليار ليرة تركية ضد متاجر تركية كبرى.
وتابع، بأنه من الإجراءات الحكومية منح قروض ميسرة للمواطن التركي بفوائد أقل بكثير من أجل تملك الشقق، وهذه الخطوة تستهدف الطبقات المتوسطة، بالإضافة إلى تقديم دعم مباشر لـ7 ملايين أسرة تركية فقيرة في الميزانية الجديدة التي تجري مناقشتها.
وأوضح أن هناك قصورا في البرنامج الاقتصادي على الأجل القصير يمتلك آليات لتحقيق هدف للوصول إلى جيب المواطن، معتقدا أنه بعد عام على الأجل المتوسط فقد يحدث استقرار في سعر صرف الليرة التركية.
ورأى أنه في الأجل المتوسط، قد نجد حالة من الاستثمار المحلي تسهم في تقليل معدلات البطالة بما يصب في صالح المواطن التركي، لكن المطلوب حد أدنى للأجور متناسب مع تشديد الرقابة على الأسواق.
اقرأ أيضا: كم بلغ حجم الاستثمار الأجنبي بتركيا خلال 18 عاما؟ (إنفوغراف)
وأشار إلى أن أردوغان دخل مغامرة كبرى، ويرغب في إحداث مزايا اقتصادية تتضح في الأجل المتوسط، وإذا نجحت خطته الاقتصادية فسيكون انعتاق من الرق العالمي في سعر الفائدة، وإذا فشل فسيتحمل المسؤولية وحده، وقد تكون تجربته إذا نجحت ملهمة للكثير من الشعوب.
وأضاف أن مشكلة تركيا أنها تعتمد على المدخلات الأجنبية بشكل كبير للغاية، كوسيطة في عملية الإنتاج والأسواق المحلية مما يؤثر سلبا على المواطن، وبالتالي فإن المشكلة تكمن في التضخم في ارتفاع الأسعار والذي يأتي بالتزامن مع إشكالية عالمية بالإضافة إلى انخفاض قيمة الليرة إلى جانب الاحتكار، والمطلوب إيجاد برامج اقتصادية تعوض ما فقده المواطن من جيبه.
وتابع بأن التحدي الأكبر هو مواجهة التضخم، مستبعدا انخفاضه في السنة الأولى بسبب الليرة التركية.
وأشار إلى أن نسب الملكية في البنك المركزي للحكومة وصلت إلى 58 بالمئة، لافتا إلى أن النظام العالمي له أذنابه وفي تركيا توجد عائلات كبرى تتحكم في الاقتصاد لديها مصالحها المرتبطة بالنظام العالمي.
وتابع بأن هناك دولا ولولبيات على مستوى العالم متضررة من الصعود التركي على الصعيد السياسي، بالإضافة إلى لوبيات من الداخل متضررة بسبب الديون الخارجية، وكل هذه الأطراف تعد أوراق ضغط على الدولة التركية.