هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ناقشت مجلة تركية، الفرص والمخاطر التي قد تتولد من النموذج الاقتصادي الجديد الذي بدأه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشيرة إلى أن نجاح النموذج قد يسهم في تعزيز مكانة تركيا إقليميا ودوليا.
ورأت مجلة "كريتر" التركية في تقريرها السنوي، أنه من المتوقع أن يحدث النموذج الاقتصادي الجديد، فائضا في الحساب الجاري بسبب أسعار الصرف التنافسية التي نجمت عن انخفاض قيمة الليرة التركية، كما أن الإنتاج والاستثمارات والعمالة إلى جانب وفرة العملات الأجنبية وانخفاض أسعار الفائدة، ستقود كلها في النهاية إلى خفض التضخم.
وأشارت إلى أن النموذج الاقتصادي الجديد، خلق فرصة لرفع أسعار الفائدة من أجل تمويل عجز الحساب الجاري للاقتصاد التركي، وكسر الآثار السلبية لأزمات الديون المتلاحقة على الإنتاج والتوظيف والصادرات.
وذكرت المجلة أن هذا الوضع في الاقتصاد التركي، دفع إلى نمو قائم على عجز الحساب التجاري، وأدى في النهاية إلى أزمات اقتصادية مع تدفق رأس المال الأجنبي خاصة خلال الفترات التي لم يكن من الممكن فيها تجديد الدين الخارجي، وبسبب الأزمات في 1994 و2000 و2001، تم تكبد تكلفة مالية عالية، في الوقت الذي تم فيه تأجيل حل المشكلة في كل مرة.
وفي عام 2001، وبالاتفاق مع صندوق النقد الدولي بدأ تنفيذ برنامج انتقالي إلى اقتصاد قوي، وفي العام التالي وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، حيث نفذت الحكومة بنجاح هذا البرنامج، ما قلل من عبء الديون من الفائض الأولي للموازنة، كما أنه تم دفع القسط الأخير من الديون لصندوق النقد الدولي في عام 2013.
اقرأ أيضا: التضخم في تركيا يقفز إلى 36%.. والصادرات تحقق رقما قياسيا
ومكّن ضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي من تحقيق متوسط أداء سنوي للنمو بنسبة 8.5 بالمئة بحلول عام 2008، وزيادة الدخل القومي للفرد إلى أكثر من عشرة آلاف دولار، كما أن وفرة المعروض النقدي في الأسواق العالمية جعلت من الممكن تمويل عجز الحساب الجاري الذي نشأ حتى هذا التاريخ بتكلفة منخفضة نسبيا.
وتم إطلاق أول تدخل ضد هذا الاستقرار من الداخل في عام 2008 مع قضية إغلاق حزب العدالة والتنمية عام 2008، وفي عام 2009، بعد تحدي رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان الرئيس الإسرائيلي السابق في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، بقوله "دقيقة واحدة"، حصلت على دعم أجنبي.
واستمر ذلك مع ما يعرف بأحداث غيزي في حزيران/ يونيو 2013، ومحاولة الانقلاب المدني بين 17 و25 كانون الأول/ ديسمبر 2013، وما أعقب ذلك من محاولة الانقلاب في تموز/ يوليو 2016، وصولا إلى قضية القس الأمريكي برونسون عام 2018، والتي أدت إلى عدم استقرار الأسواق المالية من خلال التلاعب بالليرة.
ما الذي سيحققه النموذج الاقتصادي الجديد؟
مع التدخلات الهادفة إلى تقييد التدفقات المالية إلى تركيا، ارتفع سعر الدولار الذي كان عند مستوى 3.78 في 1 كانون الثاني/ يناير 2018، إلى مستوى 8.73 في 30 حزيران/ يونيو 2021، مسجلا ارتفاعا قياسيا.
وأمام هذا التطور، فقد قرر البنك المركزي التركي خفض سعر الفائدة إلى 18 بالمئة في أيلول/ سبتمبر، و 16 بالمئة في تشرين الأول/ أكتوبر، و 15 بالمئة في تشرين الثاني/ نوفمبر، و 14 بالمئة في كانون الأول/ ديسمبر، مع اتخاذ موقف مختلف عن النهوج الاقتصادية العمومية.
ورأت المجلة أن تأخر الإدارة الاقتصادية في الإعلان عن الإجراءات المكملة لسياسة سعر الفائدة الحقيقي السلبي تسبب في حالة من الذعر الجزئي في الأسواق بسبب تأثير مبادرات المضاربة ورفع سعر الدولار ليتجاوز الـ18 ليرة تركية مساء 20 كانون الأول/ ديسمبر 2021.
وبعد الإجراءات التي أعلنها الرئيس أردوغان بعد اجتماع مجلس الوزراء، انخفض سعر صرف الدولار إلى 10 ليرات تركية في وقت قصير، وبدأ يتقلب في نطاق 10 ليرات- 12 ليرة تركية في الأيام التالية.
وذكرت أنه في النموذج الذي يسمى "نموذج الاقتصاد الجديد" (YEM) فإن من المتوقع أن يحدث فائض في الحساب الجاري بفضل أسعار الصرف التنافسية التي نجمت عن انخفاض قيمة الليرة التركية، وسيزداد الإنتاج والاستثمار والتوظيف مع وفرة العملات الأجنبية وانخفاض أسعار الفائدة، وبالتالي سينخفض التضخم في نهاية المطاف.
اقرأ أيضا: هل ينجح أردوغان بحرب "استقلال الاقتصاد" عن النظام الغربي؟
وأشارت إلى أن التحول إلى هذا النموذج في وقت يضعف فيه تدفق رأس المال الأجنبي إلى تركيا مع طلب عالمي مرتفع بسبب الظروف الوبائية يزيد من فرص النجاح.
وتوقعت المجلة، أن استكمال استثمارات البنية التحتية واتخاذ خطوات مهمة في القطاعات الاستراتيجية لاسيما الطاقة، قد تمكن تركيا من أن تصبح قاعدة إنتاج إقليمية وحتى عالمية من خلال التخلص من الأزمات التي تتعرض لها في كل عقد.
فرص ومخاطر
وتهدف الأدوات الجديدة التي أدخلت لدعم برنامج الاقتصاد الجديد إلى تحفيز المدخرات، وتحويل تلك التي تحت الوسادة إلى النظام المصرفي، وتعزيز احتياطيات البنك المركزي التركي من خلال تحويل حسابات ودائع الذهب والعملات الأجنبية إلى الليرة التركية.
وبحسب المجلة، فإن الخطر الرئيسي لبرنامج الاقتصاد الجديد يتمثل في التقلبات في أسعار الصرف، لأنه وفقا للنهج المعروف باسم "الثالوث المستحيل"، فإنه من المستحيل استخدام سعر صرف ثابت وسياسة نقدية مستقلة عندما يكون هناك تنقل كامل لرأس المال.
ورأت أن التغلب على ذلك يكون من خلال تنفيذ حساب إيداع الليرة التركية المحمي بالعملة من أجل الحد من تقلبات سعر الصرف هو الاستراتيجية الصحيحة، ومع ذلك تحتاج هذه الاستراتيجية أيضا إلى الدعم من خلال تدابير لضمان الاستقرار الدائم في أسعار الصرف، مشيرة إلى أنه إذا كان من الممكن تنفيذ القرارات المتخذة بشكل كلي من خلال إقناع الوحدات الاقتصادية، فإن البرنامج سيحقق النجاح.
وأوضحت أن انخفاض ودائع الأفراد بالعملات الأجنبية من 169 مليار دولار إلى 162 مليار دولار في الأسبوع الأول بعد الإعلان عن البرنامج، وإيداع 51 مليار ليرة تركية في حسابات العملة المحلية المحمية بسعر الصرف يحمل إشارات إيجابية.
ونوهت إلى أن سياسة البنك المركزي في أبقاء أسعار الفائدة ما دون معدل التضخم، لم يقنع الأسواق بأي تغيرات إيجابية طويلة الأجل ودائمة، ما تسبب بزيادة أسعار الفائدة، مشيرة إلى أن كسر التوقعات التضخمية أحد أهم العوامل في نجاح العملية الجديدة.
ولفتت إلى أن العلاقة السببية، بين التضخم وأسعار الفائدة ثنائية الاتجاه، ويجب تحديد اتجاه تنازلي دائم في التضخم من أجل خفض معدلات الاقتراض والفائدة.
وتابعت، بأنه في ظل التضخم المرتفع والغموض بشأن معدلاته، تكون معدلات السندات مرتفعة نسبيا لأنه منحى المخاطر يضاف إلى فائدة سندات الدين، منوهة إلى أن المتغيرات الرئيسية التي تحدد أسعار السوق ومعدلات السندات هي التضخم والتوقعات.
وذكرت أنه إذا أظهرت الحكومة تصميما في مكافحة التضخم وفي ذات الوقت تم ضمان استقرار سعر الصرف، فإن هرم المخاطر سينخفض، ولذلك يحتاج البنك المركزي التركي إلى اتباع سياسات ثانوية تدعم حساب إيداع الليرة التركية مع ضمان سعر الصرف.
تجارب كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا والصين ممكن أن ترشد تركيا
على عكس السياسات الاقتصادية المقبولة عموما، والتي تتوخى رفع معدل الفائدة على السياسة في برنامج الاقتصاد الجديد، فإن خفضها سيحمل تكاليف وفوائد السياستين البديلتين على قطاعات مختلفة.
وفي السياسة الكلاسيكية، في حين يتم تحويل الموارد إلى رأس المال الأجنبي ورأس المال المحلي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، تتحمل جميع القطاعات تكلفة ذلك ومن المتوقع أن تحدث نفس الدورة في الفترة القادمة.
ونوهت المجلة إلى أنه في النهج الجديد، ستستفيد مجموعة أوسع من ذلك، مثل أولئك الذين لديهم مدخرات أو مدخرات جديدة، وأولئك الذين يحولون عملتهم الأجنبية والذهب إلى الليرة التركية، وأولئك الذين يتلقون مدفوعات أرباح، والذين هم أعضاء في نظام التقاعد الخاص.
وأشارت إلى أنه من المحتمل أن تؤدي هذه التدابير إلى وظيفة مهمة من حيث توجيه الموارد المالية الشحيحة إلى الإنتاج بدلا من جني الأموال من المال، ويمكن القول إن تطوير النظام البيئي لتمويل المشاركة ومشروع مركز إسطنبول المالي سيكون من بين العوامل التي ستساهم في ذلك.
اقرأ أيضا: مسؤول تركي يتوقع استقرار الليرة قريبا.. ويبشّر باقتصاد أخضر
وبالنظر إلى أن الهدف الرئيسي للنموذج هو النمو المرتفع القائم على التصدير، ورغم أن ظروف كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا والصين لا تتطابق مع تركيا، لكن تجربة هذه الدول يمكن أن توجه تركيا.
ورأت المجلة أن الاقتصاد التركي سيضمن استدامة فائض الحساب الجاري، خاصة من خلال تقليل اعتماد الصادرات على الواردات، وزيادة نسبة المنتجات ذات القيمة المضافة العالية في الصادرات، وسيسهل على تركيا دمج أدائها مع الابتكار والتطور التكنولوجي على مستوى رأس المال البشري ، خاصة في العقدين الماضيين.
واستدركت المجلة، بأن رفع أسعار الفائدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي، والقيود المفروضة على صافي احتياطيات البنك المركزي، واتجاهات التضخم العالمية والوطنية، والدولرة المرتفعة والانتخابات الوشيكة قد تزيد من هشاشة هذا البرنامج.
وأضافت أنه إذا تم إقناع كافة القطاعات بأن فوائد وتكاليف هذا التحول في الاقتصاد التركي سيتم توزيعه بشكل عادل من بداية البرنامج الجديد، فإن هذا النجاح سيشكل نموذجا للدول الأخرى وسيأخذ مكانه في الأدبيات باعتباره نموذج تركيا.
وختمت المجلة بأنه بفضل التعاون الذي تم تطويره مع الجمهوريات التركية والدول الإسلامية والإفريقية، سيتم تعزيز مكانة تركيا كدولة رائدة على المستوى الإقليمي والعالمي.