هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كل من يؤمن بالحريات والديمقراطية سيكون جنبا إلى جنب مع مواطنون ضد الانقلاب
نحذر كل دول العالم أننا لن نلتزم بتبعات مالية واقتصادية تبرمها سلطة الانقلاب اليوم
منذ عرضنا خارطة طريق أطلقنا عليها "المبادرة الديمقراطية" لقينا تجاوبا شعبيا في الشارع
الرئيس لم يتجاوب مع "مواطنون ضد الانقلاب" بل قلل من مبادرتنا
سعيّد يعيش في عزلة ويتسبب انقلابه بعزلة للبلاد أيضا مع الخارج
تناولت النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب التونسي، سميرة الشواشي، في مقابلة خاصة مع "عربي21" التطورات الأخيرة داخل البلاد، وكذلك عضويتها في حركة مواطنون ضد الانقلاب كقيادية ومن المؤسسين فيها، ومحطاتها ورؤيتها للحل السياسي.
وتشهد تونس أزمة سياسية لا سيما منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد ما وصفها بـ"إجراءات استثنائية" أبرزها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة وتشكيل أخرى جديدة.
وترفض غالبية القوى السياسية بالبلاد تلك القرارات، وتؤكد أنها انقلاب على الدستور وديمقراطية البلاد، في حين تقود مؤخرا حركة مواطنون ضد الانقلاب الحراك في الشارع التونسي داعية لإنهاء تفرد سعيد بالسلطات.
وتاليا نص المقابلة كاملة مع "عربي21":
-كيف هو التعاطي الشعبي مع مبادرة مواطنون ضد الانقلاب؟ هل تشعرون بأن هناك استجابة شعبية جيدة مع مساعيكم ضد ما تؤكدون أنه "انقلاب سعيد"؟
حركة مواطنون ضد الانقلاب شهدت محطات مهمة، بدايتها كانت ردة فعل تلقائية من شخصيات وطنية وحقوقية، كانت المسألة واضحة بالنسبة لها بأن ما وقع يوم 25 تموز/ يوليو الماضي، هو انقلاب على الدستور وعلى الديموقراطية في تونس.
وعبرت هذه المجموعة من الشخصيات عن رفضها للقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية، وسط تفاعل شعبي كان في البداية محتشما، بسبب أن تطلعات الشعب التونسي كانت كبيرة حينها.
إلا أنه لاحقا استجاب بشكل كبير، بعد أن أصبح هناك وضوح في الرؤية بأن قيس سعيد لا يملك مشروعا مستقبليا لتونس ولا يملك محتوى اقتصاديا ولا سياسيا ولا اجتماعيا. وبعد ذلك شاهد التونسيون كيف أن رئيس الدولة في كل خطاباته يقسم الشعب التونسي.
لذلك، قام مواطنون ضد الانقلاب بالدعوة للتجمهر والتعبير عن رفضهم لانقلاب سعيد، وتضاعف العدد من فترة إلى أخرى. إذ أصبح هنالك التفاف شعبي حول مبادرة مواطنون ضد الانقلاب.
وعندما عرضت مبادرة مواطنون خارطة طريق للخروج من هذا المأزق، وأطلقنا عليها "المبادرة الديمقراطية" بتنا نرى كيف أن الأعداد الغفيرة كانت تشارك في كل الوقفات التي دعينا إليها. وإن دل هذا على شيء فهو يدل على تمسك التونسيين والتونسيات بدستورهم وببرلمانهم وبحياة سياسية ديمقراطية وبحياة سياسية سليمة بأتم معنى الكلمة.
-ما هو خطاب مبادرة مواطنون ضد الانقلاب للخارج؟ أم أن رسائلكم وتحركاتكم في الداخل التونسي فقط؟
خطاب حركة مواطنون ضد الانقلاب يتمثل في "المبادرة الديمقراطية" التي أطلقتها، وهي بالأساس خطاب للشعب التونسي وللنخبة السياسية في تونس، ولكل من لديه السلطة ولديه الاختصاص، ولمن عليه مسؤولية تاريخية، لمناهضة هذا الانقلاب من جهة، وأن يشاركنا ربما في المساحة المشتركة التي نرى أنها يمكن أن تكون أرضية تفاهم وأرضية التقاء بين كل المكونات السياسية أو أغلبها، حتى نمضي إلى البناء ونمر خاصة لإصلاح ما أفسده هذا الانقلاب، وتدارك ما يمكن استدراكه في الاقتصاد، وما يمكن إنقاذه من الوضع الكارثي الذي وصل إليه الاقتصاد والظروف الاجتماعية للتونسيين.
خطابنا ورسائلنا وتحركاتنا هي بالأساس للداخل، لكن كذلك هي رسائل أولا للتونسيين بالخارج، وأنا أريد أن أحيي كل القوى الوطنية الحرة التونسية الموجودة في الخارج، التي قامت كذلك بالتنديد بهذا الانقلاب وقامت بوقفات خارج البلاد.
لكن كذلك وخاصة كفرد من أفراد الهيئة التي أسست مواطنون ضد الانقلاب، وممن قدموا المبادرة الديمقراطية، وبوصفي نائبا أول لرئيس مجلس الشعب، فأكيد كانت لدي لقاءات عديدة مع نظرائي ومع زملائي النواب والبرلمانيين في العالم، وخاصة بطبيعة الحال العالم الديمقراطي.
واليوم هي ساعة فرز بين من يؤمن من الخارج حقيقة بالديمقراطية ومن يؤمن بأن تونس يجب مساعدتها ويجب الوقوف إلى جانب شعبها، وجانب نخبتها، حتى يعود قطار المؤسسات فيها وحتى تعود البلاد للشرعية. وخطابنا للخارج هو في إطار تبادل الآراء وفي إطار التعريف بقضية تونس، وبمساوئ هذا الانقلاب.
وللأسف فإن آلة الانقلاب تعتمد ذلك لكي تتهم خصومها بالتعاطي مع الخارج بطريقة فيها محاولة لتجريم ذلك، ولكن رأينا هذه الأيام تعاطي رئيس الجمهورية مع الخارج، وربما أنه يشتكي هناك من النخبة السياسية في تونس لرؤساء دول أخرى، وهذا الحقيقة أمر مسيء جدا لنا كتونسيين، فهذا الاستقواء بالأجنبي وإعطاء صورة سيئة عن نخبتك وعن شعبك وبأنه شعب يأخذ الأموال حتى يعبر عن أفكار سياسية، أمر مسيء.
-ما الذي تسعى "المبادرة الديمقراطية" لـ"مواطنون ضد الانقلاب" إلى تحقيقه داخليا؟ وهل سبق أن لقيتم تجاوبا رسميا معكم؟
المبادرة الديمقراطية كانت طرحا متكاملا في ثلاث نقاط أساسية. أولها عودة مجلس نواب الشعب إلى نشاطه وفق الدستور. وحتى يستعد ويعد كل ما له علاقة بانتخابات سابقة لأوانها رئاسية وتشريعية.
وهناك مطلب الحفاظ على السلطة القضائية والدعوة إلى حوار وطني لكي يعد ويؤسس الاستراتيجية المستقبلية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
سلطة الانقلاب كجهة رسمية كان التفاعل الذي حصل منها هو التقليل من قيمة التظاهرات، والتقليل من قيمة هذه المبادرة. والحقيقة لم نكن ننتظر تجاوبا، لأن السيد قيس سعيد كما لاحظنا نحن ولاحظ كل العالم أنه منذ أن سكن قرطاج وهو في قطيعة مع كل مكونات المجتمع المدني في تونس، أحزابا، وكل من له اهتمام بالشأن العام، كذلك في قطيعة مع المؤسسات.
عدم التجاوب الرسمي مع مبادرتنا، يدخل في إطار هذا الصمت، وهذا الحصار. والعزلة التي يعيشها رئيس الجمهورية تؤكدها أيضا عدم تواصله يوما مع مجلس نواب الشعب ولا مع أحزاب سياسية أثناء تكوين الحكومات، ولا حتى كان في تجاوب مع جميع مكونات المجتمع المدني.
ولكن رأينا أنه يستقبل ممثلي منظمات وممثلي بعض الأحزاب ويعطيهم خطاباته ورسائله بشكل أحادي المصدر. فيرسل ولا يستقبل، ويتحدث ولا يسمع، ولا يتفاعل مع أحد، ويعتبر أنه يجب أن يبقى الجميع أمامه صامتين وهو ينتقد ويهدد.
-حراك الشارع هل ما تعيقه الإجراءات الأمنية، أم أن هناك حالة من فقدان الأمل في تصحيح الأوضاع بعد 25 يوليو؟
حراك الشارع للحديث عنه فهناك مسألتان. الأولى هناك شارع سياسي كان محتشما كما قلت في البداية، لكن منذ نهاية تشرين الأول/ أكتوبر تحرك من تظاهرة إلى أخرى أكثر عددا وتوسع ليحمل العديد من الشخصيات السياسية. وهذا حراك موجود.
لكن ما أعاق سيره قليلا وما جعل ربما أن الحراك الاجتماعي الذي يمثل المسألة الثانية، أن الأخير لم يبد ظاهرا لأن الشعب التونسي يعيش صعوبات اقتصادية كبيرة جدا واجتماعية، كذلك لأن هناك إجراءات أمنية بالفعل، وعنفا مورس على المحتجين سلميا، وخاصة التتبع الأمني الذي يتم ضد المدونين، وضد شخصيات مستقلة، وأشخاص مواطنين عاديين الذين يستدعون من أجل تدوينات.
وهذه الجريمة الجديدة التي من لحظة إلى أخرى يعتمدها الرئيس سعيد أو من ينوب عنه في تتبع كل من يعبرون عن آرائهم ضد انقلابه، كارثة وصورة سيئة. نحن عشنا فترة حكم الدكتور محمد المنصف المرزوقي، وكم الانتقادات وكم الأشياء التي كانت لاذعة وتمس شخصه، لكنه لم يشتك يوما ولم يقع تمرير شخص على المحاكمة.
وحتى المرحوم الباجي قايد السبسي كذلك، فاليوم نرى أن هناك حملات تقام للتتبع والرصد الأمني لكل من يقوم بانتقاد رئيس الجمهورية. هناك تخوفات من عمليات انتقامية تقع ضد كل من قال إنه انقلاب ويجب إسقاطه.
وفي جانب آخر هذا ليس فقدانا للأمل، هو حقيقة صدم بها من شرعوا ومن ربما برروا لانقلاب 25 يوليو. الشعب التونسي بجزء هام منه برر حينها إجراءات سعيد بدعوى أنه ربما النخبة السياسية هي سبب مشاكله وأن هذا الانقلاب سيأتي بالمعجزات.
كيف تؤثر عزلة الرئيس التونسي كما تصفونها، على البلاد خارجيا؟
مع تقدم الأشهر شاهدنا كيف أنه بسبب هذا الانقلاب فسعيّد معزول تقريبا، وخوفنا أن هذا سيواصل عزلة تونس معه، فبسبب الانقلاب على الدستور فإن الخارج لا يمكنه أن يتعامل مع دولة تدهورت فيها وضعية الحقوق والحريات إلى هذا المستوى المتدني جدا وكذلك الجهات المختلفة التي كانت تتعامل مع تونس ماليا لا يمكن أن تتعامل مع حكومة ترأسها سيدة غير شرعية، وحكومة لم يزكها نواب الشعب.
وأنا كنائب أول لمجلس نواب الشعب، أقول إن أي مشاريع مع دول دون أن تكون أخذت الشرعية والتزكية من مجلس النواب، ودون أن تكون تحت الرقابة التشريعية، فإن كل هذه الإجراءات نحن نحذر بأنها غير شرعية.
ونحذر كل دول العالم أننا لن نلتزم بتبعات مالية واقتصادية تكون سلطة الانقلاب اليوم أبرمتها وستثقل بها ميزانية الدولة في المستقبل.
- ما تعليقكم على استقالة مديرة ديوان الرئاسة التونسية نادية عكاشة، ما دلالته؟
رغم أنه ليست لدينا أي معطيات عن أسبابها، لكن في كل الحالات هي دليل على الوضع المتخبط الذي تعيشه رئاسة الجمهورية.
هذه الحالة ليست الأولى، بل هي حلقة من سلسلة استقالات منذ دخول سعيّد لقصر قرطاج.
-كيف هو تعاطي الأحزاب السياسية مع مبادرة مواطنون ضد الانقلاب؟ وهل هناك تنسيق في الفعاليات والأهداف وما شابه؟
هذا التفاعل كان قليلا الحقيقة، وجرى التعاطي على مستوى العلاقات الشخصية بين قيادات "مواطنون ضد الانقلاب" وبعض الأحزاب السياسية، خاصة التي التقينا معها حول تقييم بأن ما حصل ليلة 25 يوليو كان انقلابا، لكن بعد ذلك، وبعد أن تبين للجميع أن ما حصل في تونس انقلاب، كانت هناك خطوات مهمة جدا مع مجموعة من الأحزاب، خاصة في إطار إضراب الجوع الذي خاضه عدد من النواب ومن قيادات مواطنون ضد الانقلاب.
في إطار هذا الإضراب كانت هنالك زيارات مهمة جدا تمت من شخوص وطنية وشخصيات حقوقية وشخصيات حزبية ورؤساء للأحزاب، وعقدت اجتماعات بين قيادة مواطنون ضد الانقلاب وبين قيادات بعض الأحزاب السياسية ويوم 14 كانون الثاني/ يناير الجاري، كانت هناك دعوات متعددة تقريبا من أحزاب سياسية تتفق على جانب كبير من أفكار وما طرحه مواطنون ضد الانقلاب، وباتت هناك أعمال تنسيقية وتقارب سيتدعم خلال هذه الأيام لأنه لا مخرج لتونس، ولا حل دون دون مشاركة الجميع. فلا يمكن أن نجد حلا بإقصاء أي طرف كان. تونس حلها في أن تتحد كل قواها الديموقراطية. وليس الحل في إقصاء الديمقراطية والعودة للاستبداد والعودة لاستحواذ الشخص الواحد على السلطات والعودة إلى التعاطي اللا حقوقي مع المواطن التونسي.
نحن على يقين في مبادرة مواطنون ضد الانقلاب أن أغلبية ساحقة من العائلات السياسية في تونس ستجد أرضية مشتركة فيما بينها لكي تتقدم نحو إخراج تونس من هذا المأزق. أولا بإسقاط هذا الانقلاب.
-كيف انضممتم إلى مبادرة مواطنون ضد الانقلاب، وما سببه، ودوركم فيها؟
القيادات في مواطنون ضد الانقلاب هي شخصيات وطنية، نعرف بعضنا البعض في جانب كبير، وكانت لدينا محطات سابقة ربطت بيننا. لكن تركيبة مواطنون ضد الانقلاب أردنا أن تكون منذ البداية متنوعة وموجودة في الهيئة التي أسست المبادرة الديمقراطية، وكنا أعلنا عنها في إطار ندوة صحفية كانت تشمل شخصيات وطنية مستقلة وأخرى حقوقية مختصة في مجال القانون الدستوري، وشخصيات تولت مراكز عليا في الدولة.
لدينا من المؤسسين السيد رضا بلحاج الذي كان مدير ديوان الرئيس الراحل السبسي. والسيد عبد الرؤوف بالطبيب مدير ديوان السيد قيس سعيد، ولكنه غادر منصبه عندما يئس من محاولاته في الإصلاح. وهناك أسماء أخرى كذلك، منها السيد زهير اسماعيل السيد وجواهر بن مبارك والحبيب بو عجيلة والسيدة شيماء عيسى الناشطة في مجال حقوق الإنسان وفي المجتمع المدني والباحثة والسيد شاكر الحوكي الأمين البوعزيزي وأسامة الخريجي، وأحمد الغيلوفي وهو مفكر وسياسي وفيلسوف.
وأنا كنت بصفتي نائبا أول لرئيس مجلس نواب الشعب. لأن مواطنون ضد الانقلاب هو حراك وطني يؤمن بأن الديمقراطية مؤسسات، وأن الديمقراطية لا يمكن أن نوقف مؤسساتها إلا بطريقة قانونية، وتواجدي في هذه المجموعة الطيبة ودوري فيها هو أنني أمثل الشرعية، أمثل المؤسسة المنتخبة الدستورية. دوري أولا مناهضة الانقلاب في إطار هذا الحراك الوطني إضافة إلى المهام والدور الذي كنت وما زلت مواصلة فيه وهو الدفاع عن المؤسسة التشريعية والعودة إلى الشرعية.
سعينا هو الخروج بتونس من هذا المأزق والانطلاق مباشرة بعد إسقاط الانقلاب في البناء لا غير ولا شيء غير البناء.
- كنائب أول لرئيس البرلمان وقيادية في مبادرة مواطنون ضد الانقلاب، كيف ترين تعليق صلاحيات البرلمان؟
نؤكد أنه تم خارج الدستور، وكان خطوة من الخطوات التي اعتمدها سعيد للاستحواذ على كل السلطات. اليوم ما يجري فضيحة لتونس الديمقراطية. تونس إحدى عشر سنة بعد الثورة لا يمكن أن لا يكون لها برلمان.
ما يجري خسارة كبيرة للشعب التونسي، فالبرلمان من مهامه أنه يشرع وأنه يراقب باقي السلطات بخاصة الجهاز التنفيذي. وجرى الانقلاب بعد سنة وثمانية أشهر فقط من عمل البرلمان وبحصيلة كانت مشرفة، لأنه خلافا لما يقوله رئيس الجمهورية أن البرلمان لم يصوت إلا على بعض القوانين، فهذا كلام مردود عليه لأن البرلمان التونسي صادق على تسعين قانونا واتفاقية لصالح البلاد.
فكانت هناك قوانين مهمة جدا كدعم الاستثمار كالاقتصاد التضامني والاجتماعي كقانون ثمانية وثلاثين لتشغيل من طالت بطالتهم والقوانين المالية التي كانت تدقق وتناقش بين أعضاء لجنة المالية وبين أحزاب في الحكم وأحزاب في المعارضة، وكل الفئات السياسية كانت تشارك في تصويب هذا القانون، قانون المالية وفقا لقانون الميزانية لأن الميزانية منظمة بقانون، لكن للأسف اليوم البرلمان لم يتمكن من القيام بهذا الدور.
كذلك نحن اليوم لا نعرف كيف تصرف الميزانيات. ولا نعرف اليوم الميزانية كيف يتم تمريرها أو اعتمادها، وكيف أن أموال ومساهمات الشعب التونسي تصرف بطريقة لا رقيب ولا حسيب عليها.
تعليق البرلمان حصل مخالفا للفصل ثمانين لأنه يقول إنه في حال كان هنالك خطر داهم يمكن لرئيس الجمهورية أن يتخذ إجراءات استثنائية، ويبقى مجلس النواب في حالة انعقاد دائم، ولا يمكن حينها أيضا أن تسحب الثقة عن الحكومة أو تزاح. وهذا ما فعل عكسه تماما سعيد، لأنه بكل بساطة أراد أن يقصي كل مؤسسة يمكن أن تقف أمام مشروعه الاستبدادي.
-مرت ذكرى الثورة وشهدت قمعا شديدا أدى إلى مقتل متظاهر متأثرا بجراحه، ما تعليقكم على ذلك؟
ذكرى الثورة على مدار سنوات لم تتأخر أو تتخلف تونس شعبا وسلطة قائمة أيا كان من يحكم عن الاحتفال بهذا اليوم وتتويج مسار بدأ وانطلق في 17 ديسمبر. لكن للأسف كنا ننتظر مشاهد إحياء ذكرى بالأعلام التونسية، وأن ينزل الجميع لشارع الثورة ليكون التونسيون موحدين جنبا إلى جنب حتى تكون دافعا نفسيا وواقعيا للانطلاق في تحقيق المنجز الاقتصادي والاجتماعي، ولكن للأسف بإرادة أحادية من سعيد قرر أن يحرم الشعب التونسي والنخبة التونسية من إحياء هذه الذكرى مختومة بجنازة الشهيد رضا بوزيان الذي توفي جراء قمع احتجاجات ذكرى الثورة قبل أيام.
شهدت الاحتفالات السلمية التي كنت شاهدة عليها، بتعاط أمني عنيف جدا، وكانت هناك عمليات اختطاف، من بينها محاولة اختطاف السيد عبد الرزاق الكيلاني، لكن تم تركه بعدها. جرت بعد الثورة مصالحة تمت بين المواطن والمؤسسة الأمنية. وكان هناك تغير في رأي كل طرف للآخر، ولاحظنا تحسنا في العلاقة بين المؤسسة الأمنية والمواطن، هي الصورة التي كنا نتمناها وكنا نراها في البلدان الديمقراطية ونتمناها في تونس، وصلنا وحققنا جزءا كبيرا منها، لكن للأسف بسبب هذا الانقلاب فالصورة السيئة وانقطاع الثقة بين المواطن والمؤسسة الأمنية تضررت أيما ضرر يوم 14 يناير الماضي.
-هل ترون بأن هناك محاولات فعلا لتطويع القضاء من الرئيس التونسي؟ وما هو أثر ذلك على المشهد السياسي في تونس؟
نعم، منذ الانقلاب لم يخل أي خطاب للسيد قيس سعيد من التهجم على القضاء. وهذا يعني أنه يأتي في مسار كامل وضعه لنفسه. الأول كان إقصاء مجلس النواب السلطة الوحيدة التي يمكن أن توقفه. كذلك أقصى وحل الهيئة العليا للرقابة الدستورية على القوانين. وبطبيعة الحال هو قام بذلك حتى يبقى هو المفسر الوحيد للدستور والمؤول الوحيد حتى لا تتم مراقبة ما يقوم به. وقام بتعيين الحكومة ليكون الجهاز التنفيذي كاملا بيده. وماذا بقي؟ بقيت السلطة القضائية.
لأنه اعتقد أنه عن طريق السلطة القضائية يقصي وسيتخلص من خصومه السياسيين. ولكن السلطة القضائية والمجلس الأعلى للقضاء قام بالحفاظ على هذا المكسب الوطني الهام، الذي أتى به دستور 2014 وهو أن القضاء سلطة مستقلة بذاتها وليس عليه أي سلطان إلا القانون ومجلس أعلى للقضاء.
أما في توجيه التهم للقضاء رميهم بالفساد ورميهم بالولاءات إلخ فقد قام بذلك مع كل سلطة حاول أن يقصيها من أمامه ويمكن أن تعطله في مشروعه الاستبدادي.
لذلك، هناك محاولات خطيرة جدا لتطويع القضاء. وهذا إن تم فأكيد سيكون له تأثير سيء جدا على المشهد السياسي. لأنه بذلك سيخل التوازن الذي توفره السلطة القضائية والعدالة في تونس. وهو يريد توظيفه من أجل إخماد كل صوت حر.
-الإقامة الجبرية التي تصدر بحق شخصيات، ما موقفكم منها وهل كانت معهودة سابقا؟
هذه الإقامات الجبرية نؤكد أنها منظمة بقانون الطوارئ الذي هو قانون غير دستوري، وأن السيد قيس سعيد بنفسه كان من أكثر من انتقده قبل أن يصل إلى قصر قرطاج. واليوم نحن نستغرب كيف أن هذا الإجراء اللا دستوري واللا إنساني ما زال يعتمد في تونس الثورة. الإقامة الجبرية بدأت تصدر منذ الساعات الأولى للانقلاب. لا الشعب التونسي ولا متابعو الشأن العام يعلمون لماذا تم وضع شخصيات تحت الإقامة الجبرية؟ ولماذا تم رفعها بعد أشهر؟ يعني هل أصبحت المسألة عبثية إلى هذه الدرجة دون سبب قانوني؟
الفضيحة الكبرى هي الإقامة الجبرية أو هي ما نسميها الاختطاف، كالذي تم للسيد نور الدين البحيري. نرفض هذا الإجراء التعسفي الذي ما فتئت سلطة الانقلاب تعتمده ضد كل من يقلق راحتها، وكل من تريد التنكيل به من أجل التخويف.
عملية اختطاف شخصيات منذ الثورة إلى اليوم لم نرها بهذه الطريقة الخطيرة تمارس ضد مواطنين تونسيين خارج الإطار القضائي. ما نعرفه أن أي إيقاف ودعوة للمثول أمام النيابة العمومية أو السلطة القضائية أو حتى الجهاز التنفيذي من وزارة الداخلية لا يمكن أن يتم إلا من خلال الإطار القانوني عن طريق دعوة المعني بالأمر، لكن الاختطاف بهكذا طريقة ومن أشخاص بلباس مدني فضيحة لهذا الانقلاب وتذكرنا بعمل العصابات، وليس بدول ديمقراطية.
ويتحمل مسؤولية ذلك الرئيس سعيد نفسه ووزير داخليته.
-هناك من يحمل البرلمان والأحزاب والنخب السياسية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع اليوم، فما تعليقكم؟
من خالف النظام السياسي في تونس هو رئيس الجمهورية. ومن جعل فيه إشكالات هو رئيس الجمهورية. لأنه هو من رفض أن يقبل أداء اليمين لأعضاء من الحكومة تم التصويت عليهم كما ينص عليه الدستور.
هو الذي لم يتواصل مع مجلس النواب وكان في قطيعة معه. ورئيس الجمهورية هو الذي رفض إمضاء قوانين هامة. ورئيس الجمهورية الذي لم يقم بأي مجهود لمساعدة تونس. ففي أزمة الكوفيد كان من المفروض عليه هو أن يقود الجهود الدبلوماسية الرسمية وأن يتنقل بين عواصم العالم حتى يجمع التلاقيح للتونسيين والتونسيات.
كل ما كان يفعله هو بالعكس تعطيل عمل الحكومة وتعطيل أي مجهود. لسنا أغبياء حتى تمر علينا مسألة أن التلاقيح كان هناك صعوبات في جلبها. وخاصة في وقت الذروة في يوليو، لكن بين ليلة وضحاها وجدت التلاقيح وعممت بعد الانقلاب. لم يقم قبلها الرئيس بأي دور إيجابي لإنقاذ أرواح التونسيين.
كل من يؤمن بالحريات والديمقراطية فهو اليوم سيكون جنبا إلى جنب مع مواطنون ضد الانقلاب، ومع كل الأحزاب والقوى الوطنية من أجل إسقاط هذا الانقلاب، وبناء تونس المستقبل، تونس التي تحقق السعادة الحقيقية، ليست السعادة الوهمية التي يبيعها السيد سعيد للناس.