قائمة التعاطي السياسي للقضايا العربية في المنظور الغربي والأمريكي، تحفل منذ نكبة
الفلسطينيين عام 48 بكمّ هائلٍ من توصيفات نمطية عن العرب والمسلمين، توصيفات تجاوزت كل منطق فيما يتعلق بحماية الاحتلال الإسرائيلي وممارساته وسياساته الاستعمارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمنطقة العربية.
ولشرعنة الاحتلال من منظور عقائدي وديني، أصبحت حماية النظم العربية المستبدة وحماية سلوكياتها القمعية في أرجاء
العالم العربي محط اهتمام مشترك بين القوى الدولية؛ التي سخّرت شعار محاربة "الإرهاب" ذريعة مشتركة بينها وبين الأنظمة القائمة على قراءة واحدة لـ"الضحية" إن كانت غير عربية أو مسلمة، للحديث عن ضرورة محاربة العنف والإرهاب ومحاصرة الفكر المتطرف.
وفي السرديات العربية الكثيرة عن أسباب نجاح المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين وانتقاله لعواصم وعقول عربية، تتردد الرواية الصهيونية وأحقيتها في النهب والتزوير، وصولاً للإعجاب بهوس التفوق الصهيوني بإقامة مستعمراته على أراضٍ محتلة. بقيت سردية التآمر الحاصل والمكشوف محصورة فقط بسياسات الغرب والولايات المتحدة مع القضايا العربية، بالشعار الكبير المتعلق بالنفاق وازدواجية المعايير والتعالي عن القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان إن كان المعتدي "إسرائيل" ومن يحميها، سواء في العالم العربي أو خارجه. ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية يشهد العالم الغربي مواجهة بينه وبين موسكو في أوكرانيا، التي فتحت الباب مجدداً على أسئلة يرددها العربي الغاضب وكل شريف على وجه المعمورة؛ عن النفاق الممارس منذ أكثر من سبعة عقود على كل القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وعن التساهل المستمر مع الجرائم والمجازر الصهيونية.
الحشد الهائل الذي حظيت به القضية الأوكرانية من المجتمع الدولي لمواجهة الغزو الروسي ومحاصرة جرائمه وسرعة تقديمها للمحكمة الجنائية الدولية، وحالة التضامن الواسع وغير المسبوق مع اللاجئين من أوكرانيا مع مواقف عسكرية وسياسية وثقافية واجتماعية، تثير مجددا السؤال غير المبرر برأيي عن أسباب النفاق المتعلق بالسياسات الغربية مع القضايا العربية ومقارنتها مع الوحدة الغربية خلف دعم أوكرانيا، لسبب وجيه متعلق بالسياسات العربية نفسها التي من المفترض أن يكون لديها تجربة كافية للتعاطي مع بقية العالم بما يخص قضاياها ومصالحها وأمنها.
وهذه قضايا سخرتها السياسة العربية لحماية أنظمتها دون القضايا الأساسية المرتبطة بمصالحها المباشرة لمواجهة المخاطر الحقيقية، وهزيمة المشروع الاستعماري الصهيوني ونصرة ضحاياه من العرب والمسلمين، وهو بطبيعة الحال مرتبط ببقية المصالح الغربية والأمريكية. وهذا يقود لفهم أسباب النفاق الغربي وازدواجية المعايير، والتعاطي بكثير من الدلال مع الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل وما زالت.
ومن ضمن الأسئلة الواجب توجيهها لمن يقود السياسة العربية، ومن ينتقد
ازدواجية المعايير الغربية، والنفاق الدولي: من الذي يمنع السياسة العربية وخططها في دعم قضاياها وتقوية وتمتين مجتمعاتها؟
من الذي سهل تمرير وبقاء سياسة النفاق الغربي والأمريكي ومن ثم الروسي نحو إسرائيل، لتكون ثابتة في حدود نقدها وإدانتها فقط؟
هي سياسة اللوذ بالصمت العربي الرسمي، الذي اعتقد معظم النظام السياسي العربي بأنها مُنجية له من الانهيار، وبالتحالف المتين مع سياسة النفاق الغربي يحقق مكاسبه في بسط السيطرة على مجتمعاته، وهو ما حصل تاريخياً في تقليد السياسة العربية للنفاق الغربي مع ضحايا المشروع الصهيوني من الفلسطينيين في مواجهة سياسات العدوان المستمرة.
كل دول الطوق لفلسطين تمارس بشاعة النفاق لحماية المشروع نفسه من الانهيار، ومعظم النظام الرسمي العربي رفع شعارات النفاق الغربي في محاربة "الإرهاب" وربطها بالإسلام تحت عناوين "حوار الحضارات والأديان"، ونفسه النظام الرسمي العربي الناقد لسياسة أمريكية لكنه متحالف معها حتى العظم، أو ذاك المعجب اليوم بعضلات فلاديمير بوتين على الساحة الأوكرانية، بعد أن كانت عامل نجاة لبعض النظم المستبدة من الانهيار بإحداث انهيارات وكوارث على بلده.
سيبقى كثير من النفاق الدولي والغربي قائماً على القضايا العربية، لسبب لا يعود فقط لقوة ونفوذ هذا النفاق، بل لقوة أطرافه وأذرعه في المنطقة العربية، وطالما بقي شعار النظام الرسمي العربي مرتبطا بذرائع المَصدر، لن تتغير السياسات الدولية، طالما العربية منها تتغير وتتحول بقوة نحو التحالف والدفاع عن تلك الذرائع لتبرير فاشية صهيونية تحمي جرائم المستبدين وتغطي على الأولى. والشكوى من ازدواجية المعايير الدولية ومن العنصرية والتنميط الغربي لقضايا عربية وإسلامية غير كافية لإسقاطها من الخارج، إن لم تسقط بسياسة عربية مجتمعة على كلمة وموقف واحد تشهد حضوره في بلدان العالم من القضية الأوكرانية.
أخيراً، من الذي يمنع عقد قمة عربية تقول انتهى نفاقنا ودجلنا نحو فلسطين، وسنسخّر كل إمكانياتنا لدعم أشقائنا في فلسطين، كما يفعل "المنافقون" في الغرب، وسنغير سياسة النفاق والعنصرية نحو قضية الشعب السوري، وسنوقف التملق للطاغية في دمشق، وسنمد اللاجئين بكل أسباب الرعاية الإنسانية والأخلاقية، وسنقطع علاقتنا بالمحتل والطاغية رداً على الجرائم وسنحاسبه؟ المانع هو نفسه المشتكي لفظاً من نفاق يمارسه في العلن منذ سبعين عاماً مع نفسه ومع شقيقه في التاريخ واللغة والدين والجغرافيا، وتلك مشتركات غير موجودة في القضية الأوكرانية لكنها مصالح ومخاطر، ستبقى بعيدة عن السياسة العربية وفق رسوخ السلطة وديمومتها.
twitter.com/nizar_sahli