التوقف عند حد الاستغراق في توصيف الظاهرة ومطالبة الآخرين بحلها من دون صناعة حلول عملية يمكن أن يمثل مفسدة كبرى تضر أكثر مما تنفع، حيث تتعدد وتتنوع أشكال مقاومة
الظلم والاستبداد، سواء كان محليا من قبل النظم المستبدة بأجهزتها المختلفة الأمنية وما تمارسه من اعتقال وسحق وقتل وتشريد للملايين، وأجهزة إعلامية وما تمارسه من كذب وتزييف وتضليل وتغييب للحقائق وتغيير وعي الشعوب، أو الدول الكبرى والنظام الدولي بالكلية؛ من دعم للنظم المحلية المستبدة ومن ازدواجية في التعاطي مع القضايا والملفات المختلفة.
الأشكال التقليدية في التعاطي مع الظلم والاستبداد:
1- توصيف الظاهرة وتحليلها، وبيان وفضح قيم ومفاهيم وممارسات المتسبدين الظالمين والمتعاونين معهم والمتضررين منها.
2- إعلان الرفض والشجب لممارسات
الاستبداد، وليس لقيم ونظام الاستبداد.
3- عرض المظلمة من ضحايا وخسائر وتشرد.. الخ.
4- مطالبة المنظمات الدولية والعالم الحر بالتدخل.. الخ.
5- مطالبة الشعوب بالتحرك ومواجهة هذا الظلم والاستبداد.
ويتوقف الأمر عند هذا الحد، ويتكرر ذلك منذ سنوات طويلة حتى تحول إلى منهج محدد ومتكرر في التعامل مع كل حدث ونازلة تنزل بالشعوب المستضعفة، من دون تقديم قيم بديلة وحلول علاجية ووقائية للتعاطي مع الظاهرة، ومن دون السعي لامتلاك قيم التحرر في مواجهة قيم وأفكار وممارسات الاستبداد الراسخة في نفوس المجتمع منذ عقود، وامتلاك أدوات حقيقية لمواجهة هذه الظاهرة.
وبتكرار الأمر وبتكرار استغراق نخب الأمة، والذين تنتظر منهم الشعوب الحلول المناسبة لمواجهة ذلك الاستبداد والظلم، ينجم عن ذلك سلسلة من التداعيات الخطيرة التي تصب في مصلحة المستبدين الظالمين.
تداعيات الاستغراق في توصيف الظاهرة من دون حلول عملية قابلة للتطبيق:
1- تعزيز إحساس الشعوب بالخوف والقهر بدلا من قيم الثقة في الذات وقيم الشجاعة والمبادرة للمواجهة.
2- تعزيز الإحساس بالضعف وغياب القدرة على الفعل، بدلا من قيم الاعتزاز بالذات والقوة والقدرة على الفعل والإنجاز.
3- تأكيد العجز والاستسلام للأمر الواقع والسكون، بدلا من قيم المغالبة والمواجهة وتغيير الأمر الواقع، وصناعة التاريخ الجديد، مما يتطلب المزيد من الفهم والوعي لاستكمال الجزء الأهم من قيم وأشكال التعاطي مع الظلم والاستبداد وهو:
أ- بيان الحقيقة كاملة للشعوب لتعزيز وعيها بحقيقة النظم والقيم والمفاهيم والتصورات التي تعرض عليها، وحقيقة وأدوار ومهام الأشخاص والأحداث الجارية، بالإجابة على أسئلة: ماذا ولماذا وكيف ومن ولحساب ومصلحة من؟ بما يبين قيمة الحقيقة بشمولها وعمقها، ويربط
القيم والمفاهيم والأحداث ببعضها البعض، ويبين العلاقات الخفية والقيم والمصالح المشتركة بين النظم المستبدة المحلية، والدول الكبرى والنظام الدولي، ومن ثم يحدث التحول المطلوب، من الوهم إلى الحقيقة؛ حقيقة عداء النظام الدولي لمصالح الشعوب الساعية للتحرر.
وعندها تتوقف الشعوب عن مطالبة أعدائها بحل مشاكلها ورفع الظلم عنها، وتتوجه صوب البوصلة الصحيحة؛ بوصلة الواجب فعله، والتي تمثل قيمة عملية حقيقية لعلاج ضعف الشعوب، والسعي العملي الجاد نحو قيمة امتلاك أسباب القوة الحقيقية لمواجهة الظلم والاستبداد.
ب- بيان حقيقة وقيمة الواجب فعله على الشعوب، كمؤسسات ونخب وأفراد لمواجهة الظلم والاستبداد بإنتاج أساليب عملية قابلة للتنفيذ في ظل الواقع الحالي، بما سيمنح الشعب الأمل ويعزز ثقته بذاته ويستعيد له حيويته وعافيته، ويعزز قيم صموده في الثورة والمقاومة.
ج- تعزيز وعي الشعب بما لديه من قيم راسخة تمثل قوة معنوية كامنة في أعماق المجتمع قابلة، للخروج والتحول إلى قوة فعل جبارة لسحق نظام الاستبداد من جذوره، بالإضافة إلى القدرات البشرية والمادية المتنوعة القابلة إلى التحول إلى قيمة مضافة وقوة حقيقية، للخروج من حالة العجز والاستسلام إلى مجابهة وسحق الظلم والاستبداد.
د- تقديم حلول عملية لعلاج قيم وأسباب الفرقة والضعف الحالية، وإنتاج قيم وأفكار وحلول وبدائل متنوعة تنقل الشعب من دائرة المتاح المسموح به إلى دائرة وقيمة الممكن تحقيقه.
نموذج تطبيقي: في التعامل مع ازدواجية الغرب في التعاطي مع الملفات التي تخص العرب والمسلمين، بعد فضح وكشف هذه الازدواجية وهذا التناقض لا بد من استكمال التعاطي إلى نهايته بتقديم حلول.
واجبات عملية يمكن للمؤسسات والأفراد القيام بها لمواجهة هذه الإشكالية:
أولا: حلول إصلاح الذات
1- دعوة النخب والمفكرين إلى تصميم مشروع وطني بديل يعبر عن حلم الشعوب الساعية للتحرر والتنمية والاستقرار، ليصبح بوصلة واحدة لكافة مكونات المجتمع كبديل عن هذه النظم المستبدة.
2- دعوة العلماء والباحثين للقيام بدورهم في رأب مواجهة قيم الفرقة والصدع، ونزع أسباب الخلاف بين فصائل ومكونات الشعب الثائر، والعمل على تحقيق قيم الوحدة والاحتشاد الوطني.
3- دعوة الأفراد المتخصصين في الاقتصاد إلى إنتاج أفكار وحلول اقتصادية لتطوير فكرة المقاطعة الاقتصادية؛ إلى إنتاج بدائل محلية للاكتفاء الذاتي، وحرمان الدول الجائرة من الأسواق العربية تماما بما سيمثل رادعا حقيقيا لها.
ثانيا: حلول سياسية
إعداد ملفات سياسية تكشف قيم الغرب من ازدواجية وظلم وتناقض هذه النظم السياسية مع ما تعلنه أحزابها من قيم ومبادئ.. الخ، وترجمتها والتواصل مع قوى المعارضة في بلادها للتعاون معها في الضغط على الأنظمة وإجبارها على التخلي عن ظلمها.
هذه بعض الواجبات العملية الممكنة وبمزيد من البحث والدراسة المتخصصة يمكننا إنتاج واجبات عملية خاصة بالمؤسسات وأخرى بالأفراد.. الخ، للقيام بردود فعل قانونية وحضارية وعملية فاعلة تعزز من قيم مواجهة الاستبداد والتحرر منه.