هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تسلم الرئيس التونسي قيس سعيّد، مساء الاثنين، مشروع الدستور الجديد، من الصادق بلعيد رئيس "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، المكلفة بصياغة الدستور الذي سيعرض على الاستفتاء في 25 تموز/ يوليو المقبل، بعد أن ألغى سعيّد دستور 2014.
وقال بيان صادر عن الرئاسة التونسية إن "بلعيد أمد رئيس الدولة بمشروع الدستور الذي تم إعداده في إطار الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة".
وأضاف: "مثل هذا اللقاء فرصة للتداول بشأن جملة من المفاهيم والأفكار الجديدة، فضلًا عن التطرق إلى مجريات الحوار في الفترة الماضية وما شهده من تبادل لوجهات نظر متعددة".
وأشار البيان إلى أن الرئيس التونسي أكد أن "مشروع الدستور ليس نهائيا وأن بعض فصوله قابلة للمراجعة ومزيد من التفكير".
وأثار مسار صياغة الدستور الجديد جدلا واسعا بالبلاد، في وقت قاطع فيه الاتحاد العام التونسي للشغل الحوار الوطني، الذي عرف غياب عديد الأحزاب المناهضة لمسار 25 تموز/ يوليو، من ضمنها "حركة النهضة".
وترفض عديد الفعاليات السياسية فكرة الذهاب إلى استفتاء شعبي في 25 تموز/ يوليو المقبل للتصويت على مشروع الدستور الجديد، حيث شكّلت أحزاب "الجمهوري" و"التيار الديمقراطي" و"التكتل" و"العمال" و"القطب"، "الحملة الوطنية من أجل إسقاط الاستفتاء"، متمسكين بدستور 2014 الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي.
وفي 27 كانون الثاني/ يناير 2014، صادق المجلس التأسيسي في تونس على الدستور بأغلبية 200 نائب من أصل 216 نائبا شاركوا في عملية الاقتراع بالموافقة على الدستور المتكون من "توطئة" (ديباجة) و149 فصلا، في حين صوت ضده 12 نائبا وامتنع 4 عن التصويت.
سياقات الدستور
وعن سياقات صياغة دستور 2014، قال المقرر العام للدستور الحبيب خذر إن المجلس الوطني التأسيسي، الذي وضع الدستور، وقع انتخابه في انتخابات هي الأولى من نوعها من حيث النزاهة والشفافية وحجم المشاركة، ما جعل هذا المجلس يتمتع بدرجة عالية جدا من الشرعية التي كانت تسمح له بأن يتولى منفردا مهمة صياغة الدستور الجديد.
واستدرك في حديثه لـ"عربي21" بالقول إنه رغم ذلك "إلا أن المجلس حبّذ أن يفتح أبوابه وأن يجعل من عملية صياغة الدستور عملية تشاركية، تشارك فيها غالب الفعاليات الموجودة في البلاد، فأتاح المجال للمنظمات والأحزاب والكفاءات الجامعية".
وتابع خذر: "بل إن الأمر وصل إلى حد إتاحة المجال لبعض من ترشحوا لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي ولم يقع انتخابهم، من ضمنهم الصادق بلعيد، وبعض الشخصيات التي لم تترشح قطعا مثل قيس سعيّد وعديد الشخصيات الأخرى".
اقرأ أيضا: سعيّد يلتقي بالصحفيين لأول مرة.. ماذا قال عن "دين الدولة"؟
وأردف: "كما نظم المجلس ما أسماها بالأيام المفتوحة واستدعى خلالها جمعيات من مختلف ولايات الجمهورية، وعرض عليهم مدى التقدم في صياغة النص الدستوري وتلقى مقترحاتهم. وتوجه المجلس في كانون الأول/ ديسمبر 2012 إلى مختلف ولايات الجمهورية، حيث عرض النسخة الأولى من الدستور لمناقشتها".
وأضاف النائب السابق: "توجه المجلس أيضا إلى الشباب الطلابي وعقد اجتماعات موجهة للطلبة في الجامعة التونسية، كما أنه توجه إلى الجالية التونسية بالخارج وعقد عديد الاجتماعات المباشرة في عدة مدن أوروبية، فضلا عن بعض الندوات الافتراضية".
وأوضح: "بنظرة إجمالية، هذا يؤكد أن الدستور وقعت صياغته من قبل أعضاء المجلس الوطني التأسيسي دون شك، ولكن في إطار رؤية تشاركية حقيقية سمحت بأن يكون ذلك الدستور دستورا للشعب التونسي، ليس على مقاس أي شخص ولا أي حزب، وإنما هو دستور على مقاس ما أراده الشعب التونسي".
وبيّن المحتص في القانون أن "المجلس اختار الانفتاح في صياغة الدستور، واعتماد هذا التمشي يتطلب وقتا، وهو من ضمن مبررات الوقت الذي استغرقته صياغة الدستور".
"تصحيح مسار الثورة"
وعن سياقات صياغة دستور 2022، قال عضو المجلس الوطني التأسيسي، والذي شارك في صياغة مسودة الدستور الجديد، عماد الحمامي، أن دستور 2014 جاء بعد ثورة وباتفاق وطني بين من قاموا بثورة 2011، في قطيعة مع الفترة السابقة.
وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "صياغة الدساتير في تونس تتم عبر مجلس وطني تأسيسي كما هو الحال في تونس عامي 1959 و2014، أو عن طريق لجنة صياغة تتوفر فيها التمثيلية والكفاءة كما يقع في تونس حاليا، أو عن طريق مشروع دستور يقع عرضه على الاستفتاء، هو احتمال كان مقترحا في عام 2014، إلا أن الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي لم ير ضرورة لذلك".
وقال عضو البرلمان المنحل إنه "عشية 25 تموز/ يوليو 2021 الذي أعتبره شخصيا تصحيحا لمسار الثورة، وصلنا إلى وضع كانت فيه مؤسسات الدولة متصدعة فيما بينها، فضلا عن أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية، ومؤسسات الدولة كانت مهددة بالانهيار".
وتابع: "وهذا كان تبرير رئيس الجمهورية لتفعيل الفصل 80 من الدستور بغاية إنقاذ الدولة من الانهيار وتصحيح مسار الثورة، وفي هذا السياق جاءت خارطة الطريق التي تنص على تشكيل لجنة لإعداد مشروع دستور جديد يختمه رئيس الجمهورية، الذي له حق التعديل باعتباره حجر الزاوية كممثل للرعية من باب الإستمرارية".
وفي 25 تموز/ يوليو 2021، أعلن الرئيس التونسي سعيّد عن تجميد أعمال البرلمان، قبل حله في وقت لاحق، وإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي وحل حكومة، وتوليه السلطة التنفيذية.
أهم النقاط
وعن أهم ما ورد بدستور 2014، أوضح مقرره العام الحبيب خذر أن تميّز على مستوى السلطات، حيث أضاف سلطة الهيئات الدستورية المستقلة، وهي سلطة مستحدثة الغاية منها إبعاد بعض المجالات التي كانت موسومة بتعسّف السلطة التنفيذية فيها، وإسنادها لهيئات دستورية مستقلة، من أجل تفادي إمكانية انحراف ممارستها، مثل الانتخابات وحقوق الإنسان ومقاومة الفساد، التي أصبحت لاحقا هيئات دستورية.
وأضاف النائب المؤسس: "اختار دستور 2014 أن يمنح موقعا مهما للسلطة المحلية في رؤية تقوم على تكريس لامركزية حقيقة لا مجرد قول".
وعن السلطة التنفيذية، اختار الدستور أن تكون الكفة راجحة بخصوص الشأن اليومي لصالح رئيس الحكومة، على أن تكون لرئيس الجمهورية مكانة وليس دورا تشريفيا فقط، باعتباره منتخبا مباشرة من قبل الشعب، بحسب الحبيب خذر.
وأوضح أن الدستور اختار أن "يكون القضاء سلطة بأتم معنى الكلمة، لذلك قرر أن يكون هناك مجلس أعلى للقضاء يسهر على استقلالية هذه السلطة القضائية وفق الرؤية التي وقعت صياغتها بتشاركية وبنقاش مع الهياكل القضائية ومع القضاة من ذوي المسؤوليات الأولى وجمعية القضاة".
وتابع: "هذا فضلا عن ما يسمى الدستور من مكانة مركزية للحقوق والحريات بإجماع كل من نظر في هذا النص، حيث كانت متميزة مقارنة بدستور 1959".
رؤية جديدة
وعن الدستور الجديد، قال الحمامي: "إذا أجرينا مقارنة بين دستوري 2014 و2022، فإن دستور 2014 كان أفضل من دستور 1959 في ما يخص الفصل بين السلط والهيئات المستقلة وبخصوص الصلاحيات الواسعة للهيئة اللامركزية في باب السلطة المحلية، فضلا عن باب الحقوق والحريات الذي تضمن أفضل ما توصلت إليه الإنسانية في التجارب المقارنة والناجحة والمرجعية".
أما عن دستور الجديد، فكشف عضو اللجنة الاستشارية لصياغة دستور "الجمهورية الجديدة" أنه "احتفظ بإيجابيات ومكتسبات دستور 2014 ودعمه، لأنه أعطى أكثر أهمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفيه باب كامل لرؤية من أجل النهوض الاقتصادي".
اقرأ أيضا: تعرف إلى أبرز ملامح "الجمهورية الجديدة" لقيس سعيّد
وتابع: "باب النهوض الاقتصادي جاء للقطع مع الأيديولوجيا والجانب الفكري الذي لا طائل منه في ما يتعلق بواقع الناس وتحسين وضعهم المعيشي، مشيرا إلى أن مسودة الدستور الجديد شددت على "التوازن بين القطاع العام والقطاع الخاص، وبين القطاع والتشاركي والتضامني مع القطاعين العام والخاص".
وأضاف الوزير التونسي السابق: "فضلا عن الجرعة الاقتصادية، تمت إضافة الواجبات مع الحقوق والحريات، حتى يكون هناك تكريس لمبدأ التوازن".
وتحدث الحمامي عن "مراجعة للاستقلالية المفرطة على المستوى الإداري والمالي التي أُعطيت للقضاء وللهيئات الدستورية المستقلة، مع تقليص لعديد تلك الهيئات".
وأوضح: "استخلصنا النقائص من الخمس سنوات الفارطة، اعتبارا من 2014، مثل دكتاتورية القضاة وتوظيف هياكل السلطة القضائية من طرف هياكل مهنية أغرقت في السلوكات المهنية الفئوية التي لا علاقة لها بعقلية السلطة والمسؤولية".
أما عن الرؤية الجديدة للقضاء، فقال الحمامي إنه "يجب المحافظة على استقلالية القضاء لكن ندعم العدالة من خلال التأكيد على أن القضاء هو وظيفة ومن خلال تكريس ضرورة التنسيق بين السلطة التنفيذية والنيابة العمومية، دون المساس باستقلالية القاضي عندما يصدر حكمه".
وعن الهياكل اللامركزية، كشف عماد الحمامي أنه "تم الحفاظ على استقلالية هذه الهياكل، مع التنصيص على أن الانتخاب قاعدي من المواطنين بشكل عام".
واستدرك بالقول إن "الرؤية الجديدة تشدد على ضرورة أن تكون هناك واقعية من ناحية أنه في تونس لا يوجد كل الميزانيات التي تلزم بسلطة محلية مستقلة عن السلطة المركزية، لذلك قلنا إنه يجب ضمان وحدة الدولة من خلال تصور هياكل محلية حيث يكون هناك تنسيق بين السلطات اللامركزية واللامحورية ما يحولها إلى وحدة تنموية تخدم مصلحة المواطنين".
وتأتي هذه الخطوات في مسار إعداد الدستور الجديد عقب عقد كل من اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية واللجنة الاستشارية القانونية، (لجان وردت في المرسوم عدد 30) اجتماعها الأخير السبت الماضي خصص للتداول في ما أفضت إليه الاجتماعات الدورية التي عقدتها اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية منذ 4 حزيران/ يونيو والنظر في الصياغة الأولية الصادرة عنها.
وسينشر مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية موضوع الاستفتاء بأمر رئاسي في أجل أقصاه يوم 30 حزيران/ يونيو الجاري، وفق ما نصّت عليه الأحكام الاستثنائية المتعلقة باستفتاء 25 تموز/ يوليو 2022 الواردة في المرسوم عدد 32 لسنة 2022.
وبحسب خارطة الطريق التي كشف عنها الرئيس التونسي نهاية العام الماضي، فإن من المنتظر أن تكتب اللجنة المكلفة بمشروع دستور جديد بناء على المقترحات المجمعة من الاستشارة الإلكترونية، التي لم يشارك فيها سوى 7 بالمئة من المعنيين بالحق الانتخابي، قبل أن يقع عرض المشروع على استفتاء شعبي في 25 تموز/ يوليو المقبل.
وبعد ذلك، سيدعو سعيّد التونسيين للمشاركة في انتخابات تشريعية، دون رئاسية، سابقة لأوانها بناء على النظامين السياسي والانتخابي الجديدين، في ذكرى اندلاع الثورة التونسية الموافقة لـ17 كانون الأول/ ديسمبر 2022.