رب السيف والقلم
لا أظن أن عربياً مر بالمرحلة الثانوية لم يدرس في الأدب العربي "مدرسة النهضة" أو "مدرسة الإحياء" لرائدها محمود سامي البارودي، فقد كان البارودي صانع نهضة ومجددا في مجال الشعر العربي في زمانه، وتأثر بمدرسته أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران وإسماعيل صبري، وغيرهم من أكابر الشعراء العرب. لكن البارودي لم يكن شاعراً فحلاً وحسب، بل كان قائداً عسكرياً له تاريخ حافل، وسياسيا تنصب له المناصب حتى تولى رئاسة الوزراء في
مصر.
وكانت للبارودي مواقف مشرفة في خدمة أمته وسلطانها، كما كانت له مواقف لا تقل بل قد تزيد في خدمة وطنه، أكد فيها على رجولته وشهامته، منطلقاً من مبادئه التي استقاها من حفظه القرآن الكريم، وتعلمه النحو والصرف والفقه والتاريخ.. دراسة شكلت وجدانه وثقلها حبه للشعر، الذي حمل كثيراً من معاني الصفاء والنقاء بعيداً عن خبث الماكرين ومكائد الخادعين. وأكدت نشأته في أسرة مرموقة، أو ما يطلق عليهم في مصر "أولاد أكابر"، تلك الخصال، وثبتت روح النبل في الطفل والفتى ثم الشاب محمود سامي البارودي، وهو ما انعكس على مواقفه أمام الإنجليز والفرنسيين إبان تدخلهم السافر في شؤون بلاده وفرضهم وزيرين مراقبين على الحكومة المصرية.
ولما كان الرجل محبوباً شعبياً فقد تنقل في المناصب في عهد الخديوي إسماعيل ثم توفيق؛ الذي عينه وزيراً للمعارف والأوقاف ثم الحربية بعد حركة الجيش بقيادة أحمد عرابي، التي طالبت بعزل وزير الحربية حينها رفقي باشا، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، وقدم استقالته لما لم يستطع تحقيق أحلام الضباط والجنود في ظل تعنت رياض باشا رئيس الوزراء حينها، ليعود بعد ذلك رئيساً للوزارة ويصبح أول رئيس وزراء في تاريخ مصر؛ لم يعينه الخديوي بل انتخبه مجلس النواب، ومن أجل ذلك أطلق على وزارته اسم وزارة الثورة أو الوزارة الوطنية.
الحرب الروسية الأوكرانية غيرت حسابات بايدن وإدارته ودفعتهما لمراجعة سياستها في المنطقة وخاصة تجاه المملكة خدمة لمصالحها، ومن هنا علينا التساؤل: كيف يمكن فهم موقف بايدن وإدارته، تجاه واحدة من المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها الحزب الديمقراطي؟
زيارة بايدن للسعودية
منذ أيام وتحديداً في الثاني من الشهر الجاري أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، أن الرئيس الأمريكي أكد على موقفه من السعودية، حين وصفها بـ"المنبوذة" وأنها "ستدفع الثمن"، حيث ردت على سؤال حول تصريحات الرئيس السابقة ضد السعودية، فأكدت أن كلام الرئيس "لا يزال قائما"، ليباغت الصحفي المتحدثة باسم البيت الأبيض بسؤال حول زيارة الرئيس للرياض، لترد بأنها لا تعلم أن زيارة ما للرياض جدولت، رغم أن العالم كله يعلم، ليضطر الرئيس لاحقاً لأن يؤكد بنفسه أن زيارته للرياض ليست فقط من أجل لتر الديزل الذي وصل لأسعار جنونية في أمريكا، بل أيضا من أجل أمن الكيان المحتل.
الحرب الروسية الأوكرانية غيرت حسابات بايدن وإدارته ودفعتهما لمراجعة سياستهما في المنطقة وخاصة تجاه المملكة خدمة لمصالحها، ومن هنا علينا التساؤل: كيف يمكن فهم موقف بايدن وإدارته، تجاه واحدة من
المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها الحزب الديمقراطي؟
وكيف سيواجه بايدن ناخبيه بعد أن خالف المبادئ ونكث العهد بمحاسبة السعودية كما ادعى؟ وهل تأكد أن السعودية أقوى من أمريكا التي وعد بايدن بأن تكون أقوى في عهده، وأن يعيد لها هيبتها التي أضاعها من وصفه هو بـ"المهرج" بعد أن وصفه الأخير بـ"جو النائم"؟ هل استيقظ جو لحقائق أن الناخب الأمريكي يهمه أن يظل محرك سيارته دائرا، وأن تظل فواتير الكهرباء في معدلاتها الطبيعية، وأن يكبح جماح التضخم بعد أن فشل ميكانيزم رفع سعر الفائدة؟
الربيع العربي.. ثورات الحالمين
إحدى عشرة سنة مرت على ربيع الشعوب العربية وحلمها بالتحرر وامتلاك زمام أمورها، بعد أن نصب الاحتلال أنظمة تحكمها بالوكالة.. سبعون سنة أو يزيد والشعوب العربية محتلة وتجدد العهد لمن احتلها كرهاً بذرائع عدة كلها مبنية على القهر في النهاية، ولما سقطت الأنظمة في تونس ومصر واليمن وليبيا والسودان والجزائر وكادت في سوريا أو هكذا شُبّه للشعوب، حلموا (المحتلون) بأن يصنعوا على أعينهم المدينة الفاضلة، لا سيما أن الثورات قامت بالأساس على مبادئ أخلاقية لإزاحة الطغم الفاسدة التي نشرت الرذيلة بمعناها الأشمل، للسيطرة على الشعوب عن طريق وصمه، ومن ثم يصبح الحاكم والمحكوم سواء.
فلما تطهرت الشعوب من بعض إثمها نالت بعض ما تريد، لكنها بقيت في النهاية أسيرة تلك الأحلام في مدينتها الفاضلة. وهنا أتحدث عن العامة في الغالب، وبعض من انخرطوا في
السياسة مرتدين عباءة العامة ومتلبسين فكرهم، وشاركهم في ذلك بعض السياسيين الواعين لمآلات الأمور، لكنهم جاروهم وروّجوا لما يريده العامة من أجل مكاسب، كانت لتتحقق لو صنعوا رأيا عاما واعيا، بدلاً من التسرع في جني الثمار.
لكن هؤلاء وهؤلاء ساهموا ومن خلال وسائل التواصل التي جعلت من كل ذي رأي واع أو غير واع أن يدلي بدلوه في السياسة.. والأمر بسيط، تطبيق على الهاتف وكاميرا وميكروفون، لبدء سيل من الأطروحات المبنية على الهوى، ولا ضير في ذلك، إن كان في إطار التعبير والتوجيه وابداء الرغبات، لكن الأزمة أن هذه الأداة (وسائل التواصل الاجتماعي) جعلت من أصحاب الكاميرات والتطبيقات يظنون في أنفسهم أنهم قادة رأي، ويحاولون فرض ما يحلمون به من غير قراءة حقيقية لواقع الحال وتداخلات الملفات والفاعلين فيها.
مدونة السلوك السياسي وقواعد الأخلاق العامة
تُعرف مدونة السلوك الوظيفي، بأنها "وثيقة تصدرها الجهة المسؤولة تتضمن مجموعة من القيم والمعايير والمبادئ تحدد ما هو مرغوب وما هو غير مرغوب فيه من السلوك في إطار بيئة العمل". فتشمل في الغالب مراعاة الأمانة والانضباط والكياسة مع المستفيدين من الخدمة، وعدم قبول الهدايا أو الرشوة.. الخ، وتجد تلك المدونات السلوكية في أغلب المهن كالمحاماة والطب والهندسة والإعلام وغيرها من المهن، حتى إن الشركات والمنظمات بدأت في ترسيخ هذه الفكرة المبادئية.
إن الحالمين ليس لهم مكان في السياسة، وكذلك الراغبين في تطبيق مبادئ لا تعرفها ساحات السياسة عليهم أن يعيدوا فكرتهم عن السياسة
لكن السياسة التي يتم تعريفها بالكثير من التعريفات تصب جلها في أن المصلحة هي الأساس في منطلقات العمل السياسي، لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون لها مدونة سلوك، اللهم إلا في حالات نادرة بين الأحزاب وبعد ثورات يتفاهم الجميع على مدونة سلوك لتمرر العملية السياسية خوفاً من انقلاب يدبره النظام المطاح به. فالسياسة في تعريفها الشامل لخصها رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشيرتشل، في واحدة من مأثوراته الإنسانية لا السياسية فقط، حيث قال: "لا عداء دائما، ولا صداقة دائمة، بل هي مصالح دائمة".
لذا فإن الحالمين ليس لهم مكان في السياسة، كما أن الراغبين في تطبيق مبادئ لا تعرفها ساحات السياسة عليهم أن يعيدوا فكرتهم عن السياسة. ولذلك الحالم أقول: إذا ما ارتفعت الأسعار وشحت السلع وانعدمت الخدمات، ألم تكن أول من سيتحرك لإسقاط النظام الذي دعوته لتطبيق مبادئك؟ إن الشعوب تمشي على بطونها، وإنها في ذلك لا ترحم وعلى القيادة السياسية أن ترضيها من خلال المتاح في المباح.
وحتى لا يفوتني عزيزي القارئ، فقد قضى محمود سامي البارودي باقي عمره في المنفى حالماً بالعودة إلى مصر، ولما ساءت حالته الصحية أنعم عليه النظام بالعودة للعلاج مع تعهد بعدم الخوض في السياسة، ففتح بيته للشعراء يتغنون بالليل والقمر معتزلاً السياسة، ولم تنفعه الجماهير التي أحبته على مبادئه..
العبرة.. لا تكن حَمَلاً وسط الذئاب.