انعكست الحرب الأوكرانية على منطقة جنوب آسيا كما انعكست على غيرها من مناطق عالمية، ولعل تأثير الحرب على
الهند جيوسياسياً هو بشكل ربما لم تعهده شبه القارة الهندية، ممثلة بباكستان والهند، وبالأخص الأخيرة التي بات عليها اليوم الاختيار بين الطرفين الغربي بقيادة أمريكا، والطرف الروسي، الأمر الذي يُذكر العالم بمبدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش عشية هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، إما معنا أو علينا.
وليس من السهل على الهند الاختيار بين المعسكرين في ظل ظروف عسكرية وجيوسياسية شديدة التعقيد بالنسبة لها، مرتبطة بمصالح عسكرية وسياسية وتحالفات شديدة التعقيد.
فالهند تشكل ركناً ركيناً في تحالفين باتا متناقضين بشكل فاضح وسافر اليوم، وهما مجموعة "البريكس" التي تقودها
روسيا وتضم الصين والبرازيل وجنوب أفريقيا، ومنظمة "كواد" التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتضم أستراليا واليابان وبريطانيا من أجل مواجهة المنافس الرئيسي الغربي في بحر الصين الجنوبي، ممثلا بالصين، لا سيما مع تصاعد التوتر والاحتكاك الأخير في تايوان ومناطق ذات حساسية بين الطرفين.
الهند تشكل ركناً ركيناً في تحالفين باتا متناقضين بشكل فاضح وسافر اليوم، وهما مجموعة "البريكس" التي تقودها روسيا وتضم الصين والبرازيل وجنوب أفريقيا، ومنظمة "كواد" التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتضم أستراليا واليابان وبريطانيا من أجل مواجهة المنافس الرئيسي الغربي في بحر الصين الجنوبي، ممثلا بالصين
ولا يخفى على المتتبع بأن الغرب يسعى لاستمالة الهند منذ مطلع الثمانينيات أيام حكم أنديرا غاندي وتحديداً عام 1983، يوم أغراها الغرب بإنشاء مشروع مشترك لتطوير مقاتلات أمريكية، تبع هذا عرض فرنسي من نفس المستوى، كذلك أيام نجلها راجيف غاندي الذي خلفها في السلطة عام 1984 بعد اغتيالها على أيدي حراسها من السيخ. لكن رغم كل التحديات التي تواجه السياسة الهندية فيما يتعلق بتحالفاتها، فإنها نجحت طوال تلك الفترة في السير على الحبلين الروسي والغربي، فبقيت معتمدة بشكل كبير عسكرياً على السلاح الروسي، وتقنياً على أمريكا والغرب، وكذلك على بعض الأسلحة النوعية الغربية، وبالتوازي ظلت علاقاتها قوية مع أمريكا والغرب، وظل اللوبي الهندي يتبوأ درجة اللوبي الثاني في أمريكا بعد اللوبي الإسرائيلي.
لا يشك أحدٌ اليوم أن الحرب الأوكرانية تشكل نقطة اختبار حقيقي للهند، وقد تكون باهظة التكاليف، مما ينعكس سلباً على الأمن القومي الهندي، إن هي مالت على أحد الجانبين. أما الغرب اليوم فقد زاد من إغراءاته لها عبر دعوتها لشراكات عسكرية في أنظمة القتال الجوي للدرونز، وكذلك في مشاريع مشتركة لطائرات الاستطلاع، ترافق هذا مع رصد مراكز الدراسات الاستراتيجية لتراجع في شراء الهند للأسلحة الروسية خلال الفترة الواقعة بين 2016-2021 بنسبة بلغت 70 في المائة. في المقابل، زاد الطرح الغربي من شهية وزير الدفاع الهندي راجناث سنغ، حين طرح بلاده كمكان طبيعي لتصنيع المعدات الغربية، لكنه يصطدم مع مشروع مشترك للهند مع روسيا في تصنيع طائرات سوخوي 30، بالإضافة إلى ارتطامه بخشية حقيقية تتملك الشركات الغربية من تسريب الشركات الهندية المعلومات التقنية الغربية، مما يعكس مدى أزمة الثقة بين الطرفين، وهو ما يحدُّ بشكل كبير من عقد مثل هذه الشراكات.
ثمة قلق عربي وخليجي تحديداً من صعود نبرة التطرف والأصولية الأخيرة للحزب الحاكم، ونيله من النبي عليه السلام، مما تسبب في عاصفة قوية على السوشيال ميديا وقادت لاحتجاجات في الشارع ضد التطاول الهندي على ثوابت الإسلام، بل والمطالبة بطرد سفراء الهند من العالم الإسلامي
الموقف الهندي المتأرجح بين معسكر غربي يريد أن يواجه الصين، وبين معسكر شرقي يريدها أن تكون إلى جانبه في المواجهة مع الغرب، واقع جيوسياسي لم يشهده صانع القرار الهندي من قبل، مما يفرض عليها خيارات شديدة الخطورة، وذات انعكاسات وتداعيات قد تكون عميقة وبعيدة المدى.
على صعيد انعكاسات ذلك كله على العلاقات العربية، برزت الهند كمورد أساسي تاريخي للخليج على صعيد الحبوب واللحوم والأرز، وبلغ حجم التحويلات السنوية للعمالة الهندية 89 مليار دولار، وهو ما يشكل 65 في المائة من حجم تحويلاتها الأجنبية، أما حجم التبادل التجاري الهندي- الخليجي البيني فيصل إلى 154 مليار دولار. لكن ثمة قلق عربي وخليجي تحديداً من صعود
نبرة التطرف والأصولية الأخيرة للحزب الحاكم، ونيله من النبي عليه السلام، مما تسبب في عاصفة قوية على السوشيال ميديا وقادت لاحتجاجات في الشارع ضد التطاول الهندي على ثوابت الإسلام، بل والمطالبة بطرد سفراء الهند من العالم الإسلامي. على الصعيد الآخر تقوم الهند باستيراد النفط الروسي، رافضة
الالتزام بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، فانعكس الغضب الأمريكي عليها عبر إدانة الناطق باسم الخارجية الأمريكية للإساءة الهندية للنبي عليه السلام، وهو ما لم تفعله أمريكا في حالتي فرنسا والدنمارك من قبل حين أساءتا للنبي عليه السلام.
باكستان ستواجه هي الأخرى مأزقاً نتيجة هذه المواجهة، نظراً لكون سلاحها في مجمله أمريكي، واعتمادها الاقتصادي والنخبوي على الغرب، بالإضافة إلى علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع الصين
باكستان ستواجه هي الأخرى مأزقاً نتيجة هذه المواجهة، نظراً لكون سلاحها في مجمله أمريكي، واعتمادها الاقتصادي والنخبوي على الغرب، بالإضافة إلى علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع الصين، ولذا سارع قائد جيشها إلى السعودية وقطر لترتيب المعادلة، في ظل تغيرات دولية وإقليمية، وتعثر التوصل للاتفاق النووي.
تعوّل أمريكا والغرب بشكل عام في حال استمرار المواجهة مع روسيا وتمددها إلى الصين، أن تعتمد على باكستان في تحريك ورقة الإيغور المقيمين على أراضيها ضد الصين، وهو أمر مستبعد على باكستان القبول به، نظراً لعلاقاتها العميقة والمتشعبة مع الصين.
في النهاية تبقى الأطراف كلها أسيرة عدم الكشف عن نواياها الاستراتيجية، وبالتالي فنحن أمام غموض استراتيجي للأطراف كلها، ربما يعود ذلك لطبيعة المعركة، وتشعبها وانعكاسها الإقليمي والدولي، والعميق والبعيد المدى، وهو ما قد يعني تشكيل العالم لمائة عام أخرى.