هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشفت مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "أكسس ناو" العالمية، مروة فتافتة، أن معارضين عربا مقيمين في بريطانيا قرروا تقديم دعاوى قضائية منفصلة ضد البحرين والسعودية والإمارات بشأن استهدافهم واختراق هواتفهم وحساباتهم الشخصية.
وقالت فتافتة، وفقا لتقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، وترجمته "عربي21": "في العادة تكون الدول كيانات محصنة من الدعاوى القضائية بسبب قانون حصانة الدول عام 1978 وتم تمريره قبل ظهور برامج التجسس الإلكترونية". لكنها أوضحت أن محامي المعارض السعودي غانم المصارير الدوسري (شركة لي دي) يرى أن ما تعرض له موكله هو استثناء للقانون. وستكون حالته أول قرار لمحكمة بشأن برنامج تجسس ودولة أجنبية. وربما يمثل سابقة لمعارضين تعرضوا مثله لهجمات. وربما يكون مثالا للمحامين وخبراء الرقابة حول العالم.
وأوضحت فتافتة، أن خوف المعارضين العرب من برنامج التجسس تضاعف بسبب موقف الحكومة البريطانية الصامت على الهجمات ضدهم أو عدم متابعة قوات حفظ النظام لها. فما الذي يمنع من استهدافهم مرة أخرى بعدما كشف أن مقر الحكومة البريطانية ووزارة الخارجية كانا من بين أهداف التجسس، ومن الإمارات على الأرجح.
وسرد التقرير قصة المعارض السعودي غانم المصارير الدوسري (41 عاما) المعروف بقناته على يوتيوب وبرنامجه "غانم شو" حيث حظيت برامجه الناقدة للعائلة المالكة بمشاهدات تصل إلى 300 مليون شخص، وكتبت عنه الصحف البريطانية بما فيها مجلة إيكونوميست، كما أنه ظهر في برامج تلفزيونية. وقد تعرض هاتفه للاختراق بشكل دعاه لكي يتصل مع "ستيزن لاب" فوجد أن هاتفه قد اخترق وأن صوره وحواراته واتصالاته باتت مرتبطة بسبب بيغاسوس مع خادم إنترنت سعودي.
وأشار التقرير إلى أن الدوسري تعرض لعملية ضرب وهو يسير قرب متجر هارودز في نايتسبريج، وسط لندن بالإضافة إلى اتصال الشرطة به بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي وتحذيره من أن حياته عرضة للخطر.
ونقل التقرير عن الدوسري قوله: "لم أعد قادرا على مواصلة برنامجي ولم أستطع عمل أي شيء".
وأضاف أن يوتيوب أغلق قناته مرتين بناء على طلب من هيئة الإذاعة السعودية وتلقى تهديدات بالقتل ومكالمات. وهو في حماية الشرطة ويخشى الآن من التحرك حتى إلى وسط لندن، وكل هذا "أثر علي وحياتي العملية والحياة الشخصية وكل شيء بسبب ذلك الاختراق" و"حتى أكون صريحا، فقد قضى على شهيتي لعمل أي شيء".
ولفت التقرير إلى أوراق بيغاسوس التي كشفت خلال العام الماضي عن تعرض صحافيين وساسة وناشطين في القارة الأوروبية لهجمات من برنامج التجسس. وكشفت الأوراق عن 50,000 هاتف مرشحة للاختراق أو تعتبر مهمة للرقابة في المستقبل. لكن التسريب الذي يشير إلى برنامج تجسس واحد لا يكشف عن عمليات الاختراق وأثرها على حياة الذين استهدفوا.
ومن بين هؤلاء معارضون عرب انتقلوا منذ عدة عقود إلى بريطانيا هربا من حكوماتهم القمعية معتقدين أنهم يستطيعون الحديث بحرية، ولكنهم يتساءلون الآن عن ما إذا كان بلدهم بالتبني آمنا كما اعتقدوا في البداية أو ارادوا الاعتقاد.
ومثل الدوسري، فإن معظم المعارضين الذي تحدثوا لـ"ميدل إيست آي" لم يكن لديهم شك بأن بريطانيا محصنة من الفشل، فقد نجا أحدهم من حريق في بيته، ووجد آخر سكينا خارج نافذة مطبخه، وفي نفس اليوم وصلت إليه رسالة برموز إيموجي على شكل سكين وكلمة "قريبا"، وفقا للموقع.
وتم إغلاق حساب شخصين مع أفراد عائلتهما في بنك بعدما صنفت الإمارات منظمات في بريطانيا إرهابية.
لكن الاختراق ترك أثره الخاص على المعارضين الذين وجدوا أن حياتهم الشخصية مخترقة على الفضاء الافتراضي وبدون شهود. وهي صدمة قوية وغير مرئية كما تقول مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "أكسس ناو" المهتمة بالدفاع عن الحقوق الرقمية للمستخدمين المعرضين للخطر من كافة أنحاء العالم.
وتناول التقرير كذلك قضية أنس التكريتي (53 عاما) نجل معارض عراقي بارز ضد البعض وقضى طفولته وشبابه في الإمارات. وعاد إلى بريطانيا حيث بدأ بالنشاط ضد الحرب والدعوة للديمقراطية في الشرق الأوسط وأنشأ مؤسسة لنشر الحوار بين الإسلام والغرب وساعد على تحرير رهائن.
وعلم التكريتي في الصيف الماضي أن هاتفه الآيفون قد اخترقته الإمارات ببرنامج بيغاسوس. وقبل أحداث الصيف الماضي كان هاتفه ملازما له مستعدا للرد على أية مكالمة، أما الآن فهو لا يعرف إن كان يريده قريبا منه، ونفس الشعور لدى أصحابه الذين يتمازحون بينهم بأن هاتف أنس قريب منهم.
وهناك أيضا مدير مسجد فينزبري بارك في شمال لندن، محمد كزبر (56 عاما). فقد وصل إلى بريطانيا عام 1990 من لبنان الذي دمرته الحرب وهو واحد من الأشخاص الذين لعبوا دورا في تحويل مسجد فينزبري بارك بعد سيطرة المتشدد أبو حمزة المصري عليه. واكتشف في تموز/ يوليو أن هاتفه على القائمة المسربة، وقد استهدف على الأرجح من الإمارات.
وقام سيتزن لاب بفحص هاتفه وأكد أنه اخترق من بيغاسوس. وهو ليس متأكدا من سبب استهداف هاتفه، فقط لأنه انتقد سجل الإمارات في مجال حقوق الإنسان. ومثل التكريتي جمد حسابه المصرفي بعد وضع الرابطة الإسلامية البريطانية على قائمة الإرهاب في الإمارات والتي شغل هو والتكريتي مناصب قيادية فيها.
ويقول المحققون إن هاتف التكريتي عندما اخترق حدث في وقت كان يعمل على مفاوضات تتعلق بأربع رهائن، ولا علاقة للإمارات بها. وواحدة من الحالات تحرير امرأة وصلت المفاوضات فيها لمراحلها الأخيرة. لكن الاتصالات توقفت قبل التوصل لصفقة وتحرير الرهينة.
وتقول مونيكا سوبيكي، المشاركة في شركة المحاماة بيدمان والتي تمثل كلا من التكريتي وكزبر: "لو تم استخدامه ضدك مرة فما الذي يضمن عدم استخدامه ضدك الآن؟"، و"هذا بالفعل ما يخلق سجنا دائريا، والعالم كسجن لا يوجد فيه مكان آمن من الذين يحاولون اضطهادك، فحتى لو انتقلت إلى مكان يعتبر آمنا وديمقراطية مستقلة فأنت تشعر بأن الملاحقة مستمرة".
وقال المعارض السعودي يحيى العسيري: "بصراحة لا أشعر بالراحة في هذا البلد". وكان يتحدث من مكتب القسط، المنظمة الحقوقية التي أنشأها في عام 2014 بعد تركه حياته المزدوجة في السعودية، فعلى السطح كان ضابطا في سلاح الجو مسؤولا عن شراء الأسلحة وفي السر كان يستخدم الإنترنت باسم "أبو فارس" لنشر الوعي حول الفقر والبطالة والقمع.
وفي عام 2014 كان يدرس مرحلة الماجستير بجامعة كينغستون بلندن عندما سمع من صديق له أن الأمن السعودي يبحث عنه. وعندها اكتشف العسيري أنه لا يستطيع العودة للوطن. ومنذ ثمانية أعوام وهو يقوم بنقد السياسات في المملكة من خلال القسط وكذا الموقع "ديوان لندن" المخصص لنشر العدالة والحرية في العالم العربي ويعمل سكرتيرا عاما لحزب التجمع الوطني، وهو حزب المعارضة السعودي الوحيد الذي يديره معارضون في المنفى. وتعرضت عائلته بسبب عمله للتهديد وعثر على السكين خارج نافذة مطبخه وتم تحطيم سيارته. وهو في وضع لا يحسد عليه، حيث اكتشف الباحثون في سيتزن لاب أن هاتفه اخترق مرتين.
وقال: "الحقيقة المؤلمة هي أن هناك أعدادا كبيرة من دعاة حقوق الإنسان والمعارضين استهدفوا خلال هذه الفترة، ناس أعتبرهم وطنيين ويعملون من أجل أوطانهم". وفي رسالة قبل تقديم الدعوى أرسلها محامو العسيري إلى سفير السعودية في لندن الأمير خالد بن بندر بن سلطان آل سعود، قالوا فيها إن البيانات التي استخلصت من هاتف موكله المخترق "لا يقل عن كونه كارثيا" لموكلهم واتصالاته في المملكة. ومن بينهم لجين الهذلول الناشطة التي اعتقلت عام 2018 وورد في لائحة الاتهامات لها اتصالاتها مع "المرتد العسيري".
ويقول العسيري إنه من الصعب معرفة ما إن كانت المعلومات من هاتفه المخترق لعبت دورا في قضية الهذلول وحالات أخرى. وقال: "من المؤلم معرفة أن العمل الذي نقوم به عرضة للتجسس والأهم من كل هذا هو أن السلطات لا تحاول بالضرورة الكشف عن أسرارنا" بل "ومنع أي شخص يتحدث ضدهم أو يتحداهم".
وقال التقرير، إن الناشط البحريني سعيد الشهابي (67 عاما) اعتقد أنه وجد طريقة لتجنب الاختراق، وهو داعية للديمقراطية وناشط معروف بالمعارضة في البحرين وعضو مجلس أمناء مؤسسة الأبرار في بريطانيا. وعندما اتصلت الصحافية مع المؤسسة نفى المتحدث إليها وجود الشهابي ورفض حمل رسالة له. وبعد لقائها معه قال إنه لا يحمل هاتفا كإجراء احترازي و"أعرف أنني مستهدف من حكومتنا لأنني معارض منذ زمن طويل". ويتناسب عدم حمله الهاتف مع طريقته التقليدية فهو أما أن يشارك في تجمعات احتجاجية أمام السفارة السعودية أو أمام 10 دوانينغ ستريت محتجا على دعم الحكومة البريطانية لحكومة البحرين.
وقال الشهابي إن الحكومة حاولت توريطه، ففي أثناء القمع ضد المعارضة تلقى رسالة من زميل معارض طلب منه ترتيب عملية تدريب عسكري، مع أن هذا لا يتناسب مع المعارضة التي يتبناها، ولكنه اكتشف لاحقا أن الزميل يتحدث إليه من السجن و"يريدون توريطي بها" و"الرقابة موجودة دائما".
وفي تسريب عام 2014 كشف أن جهاز كمبيوتر الشهابي اخترق ببرمجة فينسباي ومن خلال بريده الإلكتروني، واستطاعت السلطات السيطرة على جهاز الكمبيوتر والكاميرا فيه والميكرفون للاستماع لما يقوله. ولكنه لام نفسه "هل أنت ساذج، يا سعيد؟" و"كيف تسمح لأعدائك باختراقك بسهولة؟".. و"ليست سهلة وتم دفع ثمنها وهي عملية مكلفة ولكنهم نجحوا فيها".
وأضاف الشهابي أن عملية الاختراق أثرت عليه كثيرا لأنها جاءت بعد فرار عائلته بأعجوبة من حريق بالبيت عام 2009. وجاء بعد تعرض معارضين بحرينيين لهجوم بزقاق قرب محطة يوستن في لندن. وبحسب الأدلة التي قدمها الشهابي وعدد من البحرينيين للجنة الشؤون الخارجية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 فإنه تم تحذيرهم من "هجوم قريب". وبعد الهجوم تلقى المعارضان رسالة حذرت من اقترابهما من السفارة البحرينية وإلا سيكون العقاب أقسى.
ومن الواضح أن هذه الهجمات كانت بغرض إسكاتهم كما يقول الشهابي "وعندما حدث هذا الاختراق، فإنك تتساءل في ضوء التجارب هذه، ماذا بعد؟".