هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أن يقول زعيم الإنفصاليين المدعومين من موسكو في دونيتسك دينيس بوشيلين صراحة إن الهجمات الأوكرانية المضادة الناجحة كانت سببا في تسريع وتيرة الاستفتاء، فهذا يعني أن روسيا انتقلت عمليا من مرحلة الهجوم إلى مرحلة الدفاع، بعد سبعة أشهر من غزوها لأوكرانيا.
غير أن مرحلة الدفاع هذه، وإن بدت في الظاهر تعبيرا عن هزيمة عسكرية روسية في أوكرانيا، فإنها بالمعايير الاستراتيجية أكثر خطورة صعوبة على أوكرانيا مما هي على روسيا.
تداعيات الخسائر العسكرية الروسية
ضم المناطق التي يجري فيها الاستفتاء (لوجانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا وتمثل نحو 15 بالمئة من الأراضي الأوكرانية)، من شأنه أن يغير قواعد اللعبة العسكرية، وهو ما ألمح إليه ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، حين قال إن الاستفتاءات ستغير مسار التاريخ الروسي وتتيح للكرملين المزيد من الاختيارات للدفاع عما قال إنه سيصبح أرضا روسية، لأن التعدي على الأراضي الروسية جريمة تتيح استخدام جميع قوات الدفاع عن النفس.
وتسمح العقيدة النووية الروسية باستخدام الأسلحة النووية إذا استُخدمت ضدها أسلحة دمار شامل أو واجهت الدولة الروسية تهديدا وجوديا باستخدام أسلحة تقليدية.
تشير الهزائم العسكرية الروسية الأخيرة، إلى قناعة بدأت تترسخ لدى قادة الكرملين، بأن الجيش الروسي غير قادر على حسم المعركة بشكل نهائي في ظل ضعف القدرة العسكرية الروسية الميدانية أولا، وفي ظل الدعم الغربي الكبير لأوكرانيا ثانيا، وفي ظل التراص العسكري والمدني الأوكراني ثالثا.
بلغة الميدان، تعني هذه المعطيات أن روسيا انتقلت من مرحلة توسيع هجومها العسكري من أجل السيطرة على مناطق داخل أوكرانيا قد وضعها الكرملين مسبقا هدف له، إلى مرحلة الاحتفاظ على ما تم إنجازه.
وبين هذا وذاك، تتغير موازين الصراع العسكري بين الجيشين الروسي والأوكراني.
تسمح العقيدة النووية الروسية باستخدام الأسلحة النووية إذا استُخدمت ضدها أسلحة دمار شامل أو واجهت الدولة الروسية تهديدا وجوديا باستخدام أسلحة تقليدية.
استمرار الحرب في جزء منها، داخل أراض أصبحت روسية نتيجة استفتاء تراه موسكو والانفصاليين إنه شرعي، سيسمح لروسيا برفع وتيرة استخدام أسلحتها ليس فقط في وجه القوات الأوكرانية المقاتلة، بل أيضا ضد المنشآت الحيوية في البلاد من اجل شل الحياة الاقتصادية بشكل كبير.
إن استدعاء الجيش الروسي للاحتياط من جهة، وتشديد العقوبات على مجموعة من الجرائم، مثل الفرار من الخدمة العسكرية والإضرار بالممتلكات العسكرية والعصيان إذا ارتُكبت خلال التعبئة العسكرية أو الأوضاع القتالية من جهة ثانية، يؤكد أمرين: الأول حالة الاستياء الشعبي الروسي من المغامرة العسكرية للكرملين، حيث ثمة خوف من الحكومة بحدوث شغب احتجاجي داخل روسيا، والثاني، تغيير موسكو لمقاربتها العسكرية في أوكرانيا.
بدا ذلك واضحا في خطاب بوتين الذي يمكن تلخيصه في ثلاث مستويات، سياسي، عسكري، استراتيجي: تمثل المستوى السياسي في حالة الاستفتاء، في حين تمثل المستوى العسكري في إعلان التعبئة، أما المستوى الاستراتيجي فتمثل في التهديد باستخدام السلاح النووي.
وليس المقصود بالنووي في الحالة الروسية، القنابل الكبيرة التي أجري تجارب عليها منذ عقود في المحيط الهادي، والتي تكون أكثر قوة من قنبلتي هيروشيما وناكازاكي، بل المقصود بالنووي هو قنابل من العيار الصغير القادرة على تدمير مكان محدد بالكامل، مثل ميناء، سدود، منشآت كبيرة.
ووفقا لخبراء عديدون، إن استخدام السلاح النووي تكتيكيا بهذا المعنى هو جزء أصيل من العقيدة العسكرية الروسية.
ماذا بعد؟
تقهقر الجيش الروسي في منطقة خاركيف منذ العاشر من سبتمبر الحالي، ومواصلة القوات الأوكرانية استعادة أراض احتلها الروس في الشرق والجنوب، يؤكد وجود خلل استراتيجي ليس في البنية العسكرية الروسية فحسب، بل أيضا في منظومة التخطيط العسكري.
بوتين اليوم في مأزق كبير، إن على مستوى ساحة الصراع داخل أوكرانيا، أو على مستوى العلاقة مع الغرب، أو على المستوى المحلي الروسي بشقيه السياسي والاقتصادي.
طبيعة الصدع الجيواستراتيجي والمصالح الاستراتيجية المتباينة في روسيا والغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، كشف أن روسيا ستبقى العدو الأول للغرب، ويجب إعادتها إلى وضع يشبه الوضع الذي ساد في تسعينيات القرن الماضي عقب سقوط الاتحادي السوفييتي.
ولذلك، فإن الاستفتاء على المناطق الأربعة قد يكون بداية النهاية والمخرج الأسلم لروسيا من المستنقع الأوكراني، فسيطرتها التامة على هذه المناطق التي ستصبح أرضا تابعة لها، يشكل عتبة نهائية لإنهاء الحرب، وهكذا تخرج روسيا منتصرة من هذه الحرب، وطي صفحة أوكرانيا، وهو ما سيحاول بوتين وأجندته الإعلامية الترويج له في الأوساط الشعبية الروسية، بعدما هبطت شعبيته بشكل كبير خلال الأشهر الماضي.
غير أن ما يهم من كل هذه الحرب، يتجاوز الساحة الجغرافية الأوكرانية، فطبيعة الصدع الجيواستراتيجي والمصالح الاستراتيجية المتباينة في روسيا والغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، كشف أن روسيا ستبقى العدو الأول للغرب، ويجب إعادتها إلى وضع يشبه الوضع الذي ساد في تسعينيات القرن الماضي عقب سقوط الاتحادي السوفييتي.