هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أظهر مشروع قانون المالية لسنة 2023 في الجزائر اعتزام السلطات رفع ميزانية الجيش من 9.3 مليار دولار إلى 22 مليار دولار خلال العام المقبل، وذلك في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد منذ الاستقلال عام 1962.
ومن المنتظر أن يُقرّ البرلمان الجزائري موازنة البلاد بشكل رسمي في 1 كانون الثاني/ يناير 2023، وذلك بعدما تمت المصادقة عليها، مؤخرا، من قِبل الرئيس عبد المجيد تبون ومجلس الوزراء.
من جهته، قال الباحث السياسي الجزائري، حسين جيدل، إن "مضاعفة الميزانية بهذا الحجم الكبير للغاية لم تحدث في تاريخ الجزائر. هم يحاولون تبرير ذلك بخطورة الوضع الإقليمي والدولي، لكن هذه مغالطة كبيرة، فمضاعفة الميزانية بهذا الشكل توهم بوجود خطر حقيقي داهم يستدعي مواجهة عسكرية على الأرض، بينما لا يوجد في الأفق ما يدعو إلى مثل هذا الاحتمال".
وأشار جيدل إلى أن "الخطر الداهم يتمثل في هشاشة الجبهة الداخلية، وانتشار الفساد، وانهيار الاقتصاد، واشتداد القمع، وغياب الحريات، وافتقاد الوطن للحكم الراشد النابع من الإرادة السيدة للشعب؛ فليس للجزائر عدو يُهددها سوى هذا النظام العسكري، الذي أثبت لأكثر من 60 سنة عجزه، وأبان عن فساده وفشله، واستحالة إيجاد تصور يليق بتاريخ الجزائر وتضحيات الجزائريين".
وأضاف، في حديث مع "عربي21"، أن "رفع هذه الميزانية يمليها الخوف الذي يسكن جنرالات الجزائر من انفلات الأمور داخليا إذا ازدادت الأوضاع الإقليمية والدولية ترديا، خصوصا أن الشعب الجزائري مُهيأ للعودة إلى الثورة في أي وقت؛ بسبب الفقر والقمع وانسداد الأفق، وهو ما يدفع الآلاف من المواطنين إلى المغامرة بحياتهم وهم يحاولون اجتياز البحر بحثا عن بصيص أمل في حد أدنى من الحرية والطمأنينة".
وتابع: "لعل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة الآن هي إرهاصات لموجة ثانية مرتقبة من ثورات الشعوب، وهي سبب ثانِ يزيد من هلع جنرالات الجزائر، ويدفعهم إلى الزيادة في عسكرة الحياة بزيادة الميزانية، ومحاولة إقحام الجنود أبناء الشعب في قمع أيّ انتفاضة أو تململ في المستقبل. إنه نظام عسكري بامتياز، لا يعرف ولا يعترف بالحلول السياسية".
وأكد جيدل أن "النظام الجزائري يخشى مواجهة التداعيات المحلية والإقليمية والدولية، وليس له من حل للبقاء أو الدفاع عن نفسه إلا بعسكرة كلية للحياة العامة، وقد بدأ ذلك منذ فترة، واعتاد الناس على ظهور العسكريين بزيهم في كل مناسبة، ومن دون مناسبة، ليثبتوا أن الجزائر دولة عسكرية بامتياز، وأنها ليست دولة مدنية إطلاقا".
ولفت إلى أن "جزءا كبيرا من هذه الميزانية العسكرية الكبيرة ستذهب إلى روسيا، لأن الجزائر تشتري أكثر من 95% من سلاحها من موسكو، وسيكون ذلك دعما آخر لروسيا التي اختار الجنرالات أن يكونوا حلفاءها، بينما تقتضي مصالح الأمة الجزائرية أن ندافع عن مصالحنا التي فرضتها الجغرافيا والعلاقات الاقتصادية، والانتماء إلى فضاء حيوي هو حوض المتوسط الذي ليس للروس فيه أي انتماء".
وأوضح الناشط الجزائري، أن "مواقف النظام الحاكم توحي بأنه اختار أن يكون في المحور الروسي الصيني في مواجهة المحور الأمريكي الأوروبي، وهذا خطأ استراتيجي قاتل ستدفع الجزائر ثمنه كثيرا فيما بعد"، على حد قوله.
اقرأ أيضا: قيادة الجيش الجزائري تدعم مبادرة الرئيس تبون "لم الشمل"
واختتم حديثه بالقول إن "الأمن ليس عتادا عسكريا نكدسه، بل هو العمل على توفير مقومات الحياة ابتداءً من الغذاء والماء، وهذه المعركة هي الحرب الحقيقية التي تؤرق الدول العظمى التي قررت أن تجعل منها أساس أمنها الحقيقي، خصوصا أن ما ينتظر العالم من تقلبات مناخية، واضطرابات جيوسياسية، ونزوح بشري لم تشهده البشرية من قبل، لن يواجه إلا بمشاركة الجميع، وجعلهم مسؤولين أكبر في التفكير والتسيير والمشاركة، وليس بتحويل الأوطان إلى ثكنات يديرها عسكر فاسدون فاشلون".