مع تزايد الاعتماد
الإسرائيلي على
التكنولوجيا
التقنية في العمل الأمني والاستخباري، تزداد الانتقادات الداخلية على هذا الاعتماد
الحصري، مع إهمال العنصر البشري من
الجواسيس والعملاء والمصادر، ما يزيد من
الدعوات الإسرائيلية الداخلية بضرورة العمل بصيغة المزج بينهما لتحصيل المزيد من
المعلومات التي يتم جمعها بالوسائل التكنولوجية حينا، والمعلومات القائمة على
عوامل الجمع البشرية حينا آخر.
وتتصاعد هذه الانتقادات الإسرائيلية مع الكشف
بين وقت وآخر عن أهداف للمقاومة الفلسطينية وعلى الحدود اللبنانية، من خلال
الأدوات التقنية والتكنولوجية فقط، ودون توفر إنذار بشري بوجود مثل هذه الأهداف أو
المواقع الحساسة والخطيرة، والتي لولا هذه الوسائل التقنية فإنها كانت لتشكل خطرا
داهما على دولة الاحتلال.
المحامي ديفيد هوداك خبير الشؤون الأمنية ذكر
في صحيفة معاريف أن "الأحداث تعود إلى بداية العام 2019، حين أنهى جيش الاحتلال
الإسرائيلي عملية "درع الشمال" على الحدود اللبنانية الشمالية، وتم
العثور حينها على ستة أنفاق عابرة للحدود حفرها حزب الله، وقد تم تصميم الأنفاق
لإدخال مقاتلي الحزب إلى داخل فلسطين المحتلة على حين غرة من أجل مهاجمة، أو
الاستيلاء على مستوطنات في شمال الجليل".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن
"أحد الأنفاق الخطيرة التي تم اكتشافها بالطرق التقنية يبلغ طوله نحو
كيلومتر، وعمقه نحو 80 مترا، ويصل ارتفاعه إلى مترين، وعرضه متران، واستغرقت عملية
حفر الأنفاق ما بين 12 و16 سنة دون أن يتمكن الجهاز الأمني الإسرائيلي بكافة
أذرعه من اكتشافها، وهذا إغفال مقلق، ويشير إلى ضعف أساسي من جانب أجهزة
الاستخبارات الإسرائيلية، ولنا أن نتخيل حجم الضرر إذا تم استهداف المستوطنات
الشمالية، ومهاجمتها من قبل قوات حزب الله كخطوة افتتاحية للحرب على الحدود
الشمالية".
وأشار إلى أنه "كان هناك إدراك لدى قيادة جيش
الاحتلال بإمكانية حفر الأنفاق على الحدود الشمالية، ولكن دون وضع يدها على
معلومات دقيقة محددة، ما يدفع إلى طرح السؤال الذي يجب طرحه وهو ما الذي يجعل الجيش
المتأثر بوسائل تكنولوجية مختلفة يفشل في اكتشاف مشروع النفق في وقت مبكر، والجواب
يكمن في ما يمكن تسميته "إغراء الثقة في المعلومات" التي يتم الحصول عليها
من الوسائل التكنولوجية الذكية، فقط، دون المصادر البشرية، لأن مشكلة وسائل الذكاء
التكنولوجي أن العدو يدرك أيضًا وجودها، ونتيجة لذلك فإنه يمكنه الحفاظ على صمت
اتصالاته بمنع التنصت، أو إعطاء تفسيرات مضللة".
وبات واضحا أن الانتقاد الإسرائيلي للاعتماد
الحصري فقط في العمل الأمني على الوسائل التكنولوجية، وإهمال المصادر البشرية، يستدعي الاستعانة، بنظر الاحتلال، بأيام التجسس البشري القديمة، قدم أيام الحرب،
ومحاولة التذكير بأهمية عمل الجواسيس الذين كتب في أهميتهم حكيم الحرب الصيني
القديم صن تسو، 500 قبل الميلاد، في كتابه عن "حكمة الحرب"، ولا تزال
بعض كلماته ذات صلة حتى اليوم، حين خصص فصلاً عن أهمية استخدام جواسيس بشريين بغرض
الحصول على معلومات عن العدو، وخداعه.
أكثر من ذلك، فإن حزب الله وحركة حماس ربما لا
يتطرقون لعمليات حفر الأنفاق بشبكات الاتصالات، بل إنهما ينجحان في تمويه عملياتهما،
وبالتالي فقد نجحا في التعمية على أنظمة الاستخبارات التكنولوجية الإسرائيلية، ما
يطرح تساؤلات عن مكان ضباط المخابرات الإسرائيلية بأذرعهم المختلفة، وهل كانوا
نائمين، وهل طغت وفرة تكنولوجيا الاستخبارات على الفهم الأساسي لأهمية التجسس
البشري، ودمجها في التكنولوجيا، ما كشف عن هذا الخطأ والثغرة لأمنية التي ستكلف
خسائر بشرية إسرائيلية باهظة؟