أطلق النظام
الجزائري
اسم فلسطين والوحدة العربية على القمة التي استضافها خلال اليومين الماضيين، في تحايل
وتذاكٍ موصوفين منه لتحقيق إنجازات وهمية ودعائية للاستقواء على شعبه في الداخل بحجة
أنه يقوم بواجبه القومي، رغم أنه يتحكم بالسلطة رغماً عن إرادة الجزائريين كونه يمثل استنساخاً أو تحديثاً للنظام العسكري
المستبد الذي حكم منذ الاستقلال وانتفضوا ضده قبل سنوات قليلة.
لتكريس فكرة قمة
فلسطين
استضاف النظام منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي الحوار الوطني الفلسطيني الذي خرج
بوثيقة جديدة أسموها "
إعلان الجزائر للمصالحة الوطنية"، لتضاف إلى وثائق
وإعلانات مماثلة صدرت عن حوارات سابقة تنقلت خلال عقدين
تقريباً، ما بين عواصم وحواضر العالم العربي والإسلامي المختلفة، من الخرطوم
وصنعاء جنوباً إلى دمشق وبيروت وإسطنبول شمالاً، ومن مكة والدوحة شرقاً إلى القاهرة
والجزائر غرباً.
حوار الجزائر هذا
تأخر عن موعده سنة تقريباً بعدما أعلن الرئيس عبد المجيد تبون أواخر العام الماضي
عن استضافة ندوة جامعة للفصائل الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام والمصالحة، لكن أمام
خلافات وعراقيل فلسطينية وتحفّظ عربي تجاه دخول الجزائر على خط
المصالحة اكتفت هذه
الأخيرة باستقبال وفود الفصائل خلال العام الجاري كل على حدة وبشكل متفرق، وبعدما
تيقنت من عمق الهوّة في الرؤى والمواقف بين الفصائل، جمعت بالإكراه رئيس السلطة الفلسطينية
وحركة فتح محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في صورة جماعية قسرية
وعابسة أثناء مشاركتهما في احتفالات العيد الوطني للبلاد أوائل تموز/ يوليو الماضي،
ثم دعت إلى الندوة الجامعة من أجل الخروج بصورة مماثلة في الشكل والمضمون.
لتكريس فكرة قمة فلسطين استضاف النظام منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي الحوار الوطني الفلسطيني الذي خرج بوثيقة جديدة أسموها "إعلان الجزائر للمصالحة الوطنية"، لتضاف إلى وثائق وإعلانات مماثلة صدرت عن حوارات سابقة تنقلت خلال عقدين تقريباً، ما بين عواصم وحواضر العالم العربي والإسلامي المختلفة
لا بد من التذكير
بدوافع وخلفيات الجهود الفلسطينية لنظام عبد المجيد تبون، والمتعلقة باكتساب شرعية
داخلية وتبييض صفحته أمام الشعب الجزائري العاشق لفلسطين والداعم بقوة لقضيتها، والذي
يعتبرها قضية داخلية لا خارجية. وذلك بعدما تحايل النظام على مطالب الحراك الشعبي وأعاد
إنتاج نفس المنظومة البوليسية التي حكمت البلاد منذ الاستقلال، ولكن بقناع وإطار ديمقراطي
شكلي بعيداً عن الجوهر المدني والدستوري والمؤسساتي الشفاف والنزيه الذي طالب به الشعب
المنتفض.
أما البعد الآخر لجهود
النظام الفلسطينية فيتمثل بالسعي لاكتساب شرعية خارجية عربية بمواجهة جاره المغرب المطبع
مع إسرائيل، والذي وصلت العلاقات معه إلى حد القطيعة بحيث يصوّر نظام تبون نفسه كداعم
لفلسطين وقضيتها مقابل جاره، وإظهار ذلك كسبب مركزي للخلاف بينهما بعيداً عن الأسباب
الرئيسة وحتى التاريخية الأخرى.
حراك نظام تبون الفلسطيني
ارتبط مباشرة كذلك بالقمة العربية، ومع اقتناعه باستحالة خروجها بنتائج جدية
وكبيرة لأسباب ذاتية وموضوعية -سنعرضها لاحقاً- أراد الحصول علي إنجاز فلسطيني ما
وتغطيته عربياً، وتصوير ذلك كنجاح فئوي وسياسي له وللقمة نفسها أيضاً.
هنا لا بد من الإشارة
إلى أن الخطة "أ" للنظام الجزائري كانت تعويم نظام بشار الأسد وشرعنته
عربياً وإعادته الى الجامعة من بوابة القمة، وترويج وتضخيم قصة ترتيب البيت العربي
واعتبار ذلك بمثابة إنجاز ونجاح للنظام والقمة نفسها.
لكن بعد تعثر وفشل
مساعي إعادة نظام الأسد ودعوته للمشاركة في القمة نتيجة أسباب عدة؛ منها رفض أنظمة
عربية مركزية بعدما تراجعت عن مواقفها السابقة كما في الحالتين المصرية والأردنية،
إضافة إلى الموقف الأمريكي المتشدد والمهدد بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على المطبعين
مع نظام الأسد، لجأ أو للدقة عاد نظام تبون إلى الخطة "ب" المتمثلة بحوارات
المصالحة الفلسطينية، وضغط على الفصائل لعقد الندوة الجامعة، حتى مع قناعته
باستحالة التوفيق بينها في ظل تعمق الانقسام وتجذّره. ورغم الصورة العابسة والقسرية
لعباس وهنية، بحث النظام الجزائري عن صورة أخرى ولكن باسمة هذه المرة ولو بدون
مضمون، لحفظ ماء وجهه وتبييض صفحته وتسويق الإنجاز المزعوم للقمة.
بعد تعثر وفشل مساعي إعادة نظام الأسد ودعوته للمشاركة في القمة نتيجة أسباب عدة؛ منها رفض أنظمة عربية مركزية بعدما تراجعت عن مواقفها السابقة كما في الحالتين المصرية والأردنية، إضافة إلى الموقف الأمريكي المتشدد والمهدد بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على المطبعين مع نظام الأسد، لجأ أو للدقة عاد نظام تبون إلى الخطة "ب" المتمثلة بحوارات المصالحة الفلسطينية
وعليه يمكن
الاستنتاج أن الحوار الفلسطيني الجامع التأم لإرضاء النظام
الجزائري، كما لحصد شرعية سياسية بالنسبة لحماس ودعم مالي لفتح والسلطة، وسعادة
لمجرد التواجد في الصورة بالنسبة لبقية الفصائل الهامشية والصغرى، وبينها فصائل
كرتونية تابعة لمخابرات نظام الأسد ولا تملك حضورا جديا في الشارع الفلسطيني سواء
في الداخل أو حتى الخارج، وأرادت فقط الشعور بأهميتها وحضورها ولو وهمياً وصورياً،
كون الحوار والجدال والخلاف هو أساساً بين فتح وحماس والتسويات اللغوية في الإعلان
الختامي كانت نتاج حل وسط بينهما أيضاً.
لذلك كله بدا
الحوار الفلسطيني أقرب إلى المهرجان مع العدد الكبير للفصائل المشاركة (14)، وأظهر
كالعادة التناقضات الهائلة بين فتح وحماس وسعى وبأي طريقة للخروج بتوافق ما لحفظ
ماء وجه نظام تبون. ومن هنا جاء الإعلان الختامي ضبابياً عاماً فضفاضاً دون أجندة
واضحة وجدول زمني ومحدد، مع دعوة إنشائية وبلاغية معتادة للمصالحة وإنهاء الانقسام.
وعموماً يمكن
الحديث عن ثلاث ثغرات وعيوب بنيوية أساسية في الإعلان المكتوب على عجل ودون توافق
جدي، وتتمثل بالدعوة إلى انتخابات المجلس الوطني بأقرب الآجال، والانتخابات الرئاسية
والتشريعية بأسرع وقت مع وضع سقف سنة ولكن دون آليات محددة وواضحة. أما بند حكومة
الوحدة الوطنية فكاد أن يفجّر الحوار برمته، إثر إصرار رئيس السلطة محمود عباس على
قصة الشرعية الدولية، ورفضه بنداً معقولاً جداً تضمن احترام المواثيق والقرارات
الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ما يعني عدم امتلاكه الإرادة والنية للمصالحة،
خاصة مع إرسال وريثه حسين الشيخ إلى واشنطن في نفس الفترة، للتفاوض حول مواصلة التنسيق
الأمني والتهدئة مع إسرائيل، وقبول الدعم الاقتصادي والمالي لبقاء السلطة حتى دون أفق
سياسي جدي ملموس يتعلق بحل الدولتين والشرعية الدولية التي يتمسك بها عباس.
وكحل وسط لإنقاذ
الندوة الجامعة والحوار برمته من الفشل جرى التوافق على حذف البند تماماً، في تصرف
مناقض لعنوان لإعلان الجزائر نفسه، وطارحاً التساؤل حول كيفية وجدوى الحديث عن
مصالحة وطنية بدون حكومة وحدة سواء من سياسيين أو تكنوقراط تأخذ على عاتقها توحيد
المؤسسات وتهيئة الظروف أمام الانتخابات، ما يعني التحايل وعدم الجدية في كل ما
يقال عن إعادة ترتيب البيت الوطني وإنهاء الانقسام.
وبالعموم، بحث النظام
الجزائري عن إنجاز ما ولو دعائياً وشكلياً عبر الصورة قبل
القمة العربية التي أسماها
قمة فلسطين، في انفصام موصوف وحالة إنكار صارخة، كون الشيك الفلسطيني بدون رصيد والإعلان
الجديد قليل الدسم وإنشائي ولا يختلف عن الإعلانات والوثائق القديمة التي بقيت
حبراً على ورق.
كنا نتمنى فعلاً أن تكون القمة فلسطينية وعربية، ولكنها للأسف ليست كذلك بالمعنى الدقيق والجوهري للمسميات، كونها في الحقيقية ليست سوى قمة جامعة أنظمة الفلول القدامى والمستنسخين؛ التي أسقطتها الثورات الأصيلة أخلاقياً ومعنوياً، وهي أنظمة منهارة وفاشلة ومفلسة لا يمكنها التفرغ لفلسطين وقضيتها ناهيك على طعنها والتآمر عليها
عربياً، ومع
استحالة دعوة نظام بشار الأسد وتصوير ذلك كإنجاز للقمة ومع مقاطعة زعماء كثر بمن
فيهم الملك المغربي، سعى النظام الجزائري إلى اعتبار القمة نفسها عنواناً للوحدة العربية.
وهنا ثمة تذاكٍ وتحايل أيضاً مع الحديث عن حل ست أزمات عربية -ليبيا وسوريا
والعراق ولبنان واليمن والسودان- بينما تبدو الجزائر والدول العربية عاجزة أمامها ولا
حتى هي لاعب جدي وموثوق فيها.
في الحقيقة كنا
نتمنى فعلاً أن تكون القمة فلسطينية وعربية، ولكنها للأسف ليست كذلك بالمعنى
الدقيق والجوهري للمسميات، كونها في الحقيقية ليست سوى قمة جامعة أنظمة الفلول القدامى
والمستنسخين؛ التي أسقطتها الثورات الأصيلة أخلاقياً ومعنوياً، وهي أنظمة منهارة وفاشلة
ومفلسة لا يمكنها التفرغ لفلسطين وقضيتها ناهيك
على طعنها والتآمر عليها، كما نرى في الاتفاقيات الإبراهيمية ومسيرة التطبيع
المنبثقة عنها، إضافة إلى عجز تلك الأنظمة عن حل أزماتها الخانقة، والتحذير حتى من
انتقال وتمدد النموذج اللبناني- السيريلانكي إلى دول أخرى مثل تونس ومصر والأردن والسودان.
ولذلك كله لم يكن
مفاجئاً أن تأتي القمة شكلية ودعائية، استغلها نظام عبد المجيد تبون لتبييض صفحته وتكريس
شرعيته، بعدما قاطع الشعب الجزائري الانتخابات الرئاسية والتشريعية بأغلبية ساحقة وبنسبة
تقارب الثمانين في المائة. وفي ظل الواقع المحلي والعربي الراهن لم يكن مفاجئاً
أيضاً أن تخرج القمة
ببيان ختامي إنشائي فضفاض وعام شكلاً ومضموناً، يشبه بالضبط إعلان
الجزائر للمصالحة الفلسطينية الذي كان ولا يزال وسيظل حبراً على ورق.