يدخل
التونسيون العام الجديد
2023 بعدة رهانات هامة من شأنها أن تؤثر على مستقبل الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ أن قرّر الرئيس قيس سعيّد احتكار السلطات في 25 تموز/ يوليو 2021، فضلا عن الأزمة الاقتصادية التي زادت من حدتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
واختتم التونسيون العام الماضي بإجراء الانتخابات التشريعية التي دعا لها رئيس البلاد سعيّد، كآخر محطة من خارطة الطريق التي كشف عنها خلال نهاية عام 2021، بعد الإجراءات الاستثنائية التي تضمنت تجميد البرلمان ثم حلّه وإعفاء الحكومة وتشكيل أخرى، مع توليه إصدار القوانين بصيغة أوامر رئاسية.
وعرفت الانتخابات النيابية إقبالا ضعيفا على المشاركة التي بلغت نسبتها 11.22 في المائة، بحسب ما أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس بعد يومين من غلق صناديق الاقتراع، كأضعف حصيلة منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
الدور الثاني
وأمام ضعف الإقبال على المشاركة، فإنه ىسيتم اللجوء إلى الدور الثاني من الانتخابات البرلمانية لأول مرة في تاريخ البلاد، حيث سيتنافس 262 مترشحا على 131 مقعدا برلمانيا في بداية شهر شباط/ فبراير المقبل.
وسيجرى الدور الأول في 131 دائرة انتخابية، حيث يبلغ إجمالي عدد الناخبين المُسجلين للمشاركة في الدور الثاني أكثر من 7 ملايين ناخب بمن فيهم المُسجلون إراديا وآليا، وسط توقعات بتسجيل نسبة إقبال ضعيفة مرة أخرى بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وجرى الدور الأول من هذا الاستحقاق الانتخابي يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وقد فاز فيه بمقعد برلماني 23 مُرشحا فقط، 20 منهم في دوائر انتخابية بالداخل و3 بدوائر الخارج.
وأجمعت غالبية الأحزاب والمنظمات التونسية على أن هذه النسبة "ضعيفة" وتعكس عزوف الشعب التونسي عن الانتخابات، فيما تعالت الأصوات التي تُطالب بإلغاء الدور الثاني من الانتخابات التشريعية، والذهاب إلى حوار وطني شامل للخروج من الأزمة السياسية الراهنة.
ويرفض الرئيس التونسي مثل هذه الدعوات، وقد رد عليها بعد يومين من الاقتراع باتهام المعارضة باختلاق الأزمات، حيث قال: "لم تجد هذه المرة شيئا تُركز عليه سوى نسبة المشاركة في هذه الدورة الأولى للتشكيك في تمثيلية مجلس نواب الشعب القادم، في حين أن نسبة المشاركة لا تُقاس فقط بالدور الأول بل بالدورتين".
المجلس الوطني للجهات والأقاليم
وفي ذات السياق، من المتوقع أن يعرف العام 2023 الدعوة لانتخابات المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذين أقرهم سعيّد في الدستور الجديد بعد أن عبّر عنهم بـ"البناء القاعدي" خلال حملته الانتخابية الرئاسية عام 2019.
وينص الدستور الجديد على أنه يتكون المجلس الوطني للجهات والأقاليم من نواب منتخبين عن الجهات والأقاليم. وينتخب أعضاء كل مجلس جهوي ثلاثة أعضاء من بينهم لتمثيل جهتم بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
اقرأ أيضا: تعرف إلى أبرز ملامح "الجمهورية الجديدة" لقيس سعيّد
وينتخب الأعضاء المنتخبون في المجالس الجهوية في كل إقليم نائبا واحدا من بينهم يمثل هذا الإقليم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
تشكيل البرلمان ومستقبل الحكومة
وفي ظل المرور إلى الدور الثاني من الانتخابات التشريعية، سيتعيّن على التونسيين الانتظار إلى حدود شهر آذار/ مارس المقبل لتشكيل البرلمان الجديد وانتخاب رئيس جديد له.
وبحسب الفصل 71 من الدستور الذي أقرّه سعيّد عبر استفتاء شعبي، فإن مجلس نواب الشعب يعقد دورة عادية تبتدأ خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر من كل سنة، على أن تكون بداية الدورة الأولى من المدة النيابية لمجلس نواب الشعب في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات بدعوة من رئيس المجلس المنتهية مدته أو بدعوة من رئيس الجمهورية في حالة حل مجلس نواب الشعب.
وفي صورة تزامن بداية الدورة الأولى من المدة النيابية لمجلس نواب الشعب مع عطلته السنوية تفتتح دورة استثنائية لمدّة خمسة عشر يوما. كما يمكن أن يجتمع مجلس نواب الشعب أثناء عطلته في دورة استثنائية بطلب من رئيس الجمهورية أو من ثلث أعضائه للنظر في جدول أعمال محدد.
ويثير ملف رئاسة البرلمان المقبل جدلا في البلاد باعتبار ضعف التجربة السياسية لجزء مهم من أعضاء البرلمان الجديد، حيث يتوزع المترشحون لخوض الدور الثاني للانتخابات التشريعية بين 34 امرأة، و228 رجلا، من ضمنهم 170 من الموظفين في القطاعين العام والخاص، و50 من أصحاب الأعمال الحرة ورجال أعمال، و5 طلاب، و17 متقاعدا.
وعرفت الانتخابات ترشح عديد الوجوه التي كونت طاقما سياسيا لسعيّد منذ إعلان التدابير الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو 2021، ومن أبرزهم نقيب المحامين السابق إبراهيم بودربالة، الذي ضمن مقعدا في البرلمان.
ودعم نقيب المحامين السابق الرئيس سعيّد في مواجهته مع القضاء وشارك في اللجنة المسؤولة عن صياغة مسودة الدستور، التي لم يتم الإبقاء عليها، حيث أعرب قبل بدء الحملة الانتخابية، عن طموحه في أن يصبح رئيسًا للبرلمان المقبل.
من جهة أخرى، فإن من المنتظر أن يعرف البرلمان الجديد صعوبة بالغة في تشكيل الكتل النيابية على اعتبار أن الرئيس سعيّد أقرّ قانون انتخابي جديد يعتمد على الترشحات الفردية، عكس نظام القائمات السابق، ما قد يمثّل عقبة أمام تشكيل غالبية برلمانية من شأنها أن تمرر القوانين والمشاريع.
وسيطرح تشكيل البرلمان المقبل أسئلة محرجة بشأن مصير الحكومة الحالية التي تترأسها نجلاء بودن منذ تعيينها على رأس مجلس الوزراء من قبل سعيّد منذ 29 أيلول/ سبتمبر 2021، عقب شغور استمر شهرين بسبب إعفاء رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي في 25 تموز/ يوليو من العام ذاته في إطار الإجراءات الاستثنائية.
وطالبت الأحزاب الداعمة لقيس سعيّد قبل الانتخابات بتغيير الحكومة بعد تشكيل البرلمان جديد بسبب ضعف الأداء السياسي لنجلاء بودن وفشلها في حلحلة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ الإغلاق العام الذي عرفته تونس بسبب جائحة كورونا عام 2020.
صندوق النقد الدولي
وسيلعب مستقبل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي دورا مهما في تقرير مصير حكومة بودن، بعد أن تقرر الصندوق تأجيل اجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج القرض التونسي، الذي كان مقررا في 19 كانون الأول/ ديسمبر، بعد إعلان اتفاق بينهما في وقت سابق.
وجاء هذا القرار من أجل منح السلطات التونسية مزيدا من الوقت للانتهاء من إصلاحاتها، حيث تعتزم تونس إعادة تقديم ملف برنامج الإصلاح مرة أخرى عند استئناف اجتماعات صندوق النقد في كانون الأول/ يناير 2023، في الوقت الذي قد يؤجل فيه الصندوق اجتماعه بشأن تونس مرة أخرى إلى آذار/ مارس المقبل.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلن صندوق النقد الدولي عن توصله لاتفاق مع تونس، سيتم من خلاله منح قرض للبلاد بحوالي 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات.
وأقرت الحكومة التونسية قانون الموازنة لعام 2023، والذي يعوّل على القرض الذي تسعى الحكومة التونسية إلى الحصول عليه من قبل صندوق النقد الدولي، رغم تعثر المفاوضات بسبب برنامج الإصلاحات الاقتصادية.
اقرأ أيضا: خبير: "موازنة تونس 2023" قانون جباية.. وهكذا سيتأثر المواطن
وتعمل الحكومة التونسية على تعبئة موارد اقتراض بقيمة 24.1 مليار دينار (7.71 مليار دولار) متأتية بنسبة 66.2 بالمئة من الاقتراض الخارجي دون تقديم أي توضيحات عن مصدر هذه القروض خاصة في ظل تأخر نظر صندوق النقد في ملف قرض تونس.
رفع الدعم
وتضمن قانون الموازنة الجديد بعض الإصلاحات الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها مع خبراء صندوق النقد الدولي بما في ذلك رفع الدعم، حيث تراجعت تكلفة الدعم بـ3.2 مليار دينار (مليار دولار) مع خوصصة بعض المؤسسات العمومية في ظل ارتفاع الموارد غير الجبائية بـ1.5 مليار دينار (0.48 مليار دولار).
وسيشمل رفع الدعم، جزءا من المواد الأساسية والمحروقات، ما سيتسبب في ارتفاع الأسعار التي شهدت قفزة غير مسبوقة خلال العام الماضي، في إطار التمهيد للاتفاق مع خبراء صندوق النقد الدولي.
وخلال العام الماضي، رفعت السلطات التونسية أسعار المحروقات خمس مرّات، في إطار خطة لخفض دعم الطاقة، استجابة لطلب المقرضين الدوليين من تونس.
وبلغ سعر البنزين، بعد آخر زيادة، 2.525 دينار (0.781 دولار) للتر، بعد أن كان بسعر 2.400 دينار، فيما يتوقع أن يصل 3.2 دينار (1 دولار) خلال العام الجاري.
وبررت وزارة الطاقة رفع أسعار المحروقات بـ"ما تشهده السوق العالمية للطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة التزود بالمواد البترولية منذ بداية السنة ليرتفع معدل السعر بالنسبة لخام برنت ومن المنتظر أن يبلغ مستوى الـ100.5 دولار للبرميل موفى سنة 2022".
وقالت في بيان نشرته أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إن رفع أسعار الوقود يأتي في إطار "السعي لتغطية مختلف حاجيات السوق المحلية من هذه المواد بصفة منتظمة وتفادي أي اضطرابات في التزويد".
الحوار الوطني
وفي ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعرفها البلاد، أعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أن الاتحاد بدأ التشاور مع منظمات وقوى من المجتمع المدني بهدف إطلاق حوار لإخراج البلاد من "الأزمة والمأزق".
وأكد الطبوبي أن "الاتحاد لم يطلق بعد مبادرة، ولكنه انطلق في التشاور وتبادل الأفكار مع عمادة المحامين (غير حكومية)، وسيواصل تشاوره مع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان (مستقلة) لإيجاد مبادرة لإخراج تونس من الأزمة والمأزق اللذين تردت فيهما".
اقرأ أيضا: المرايحي لـ"عربي21": اتحاد الشغل بتونس سيدعو لحوار وطني الشهر المقبل
ويأتي هذا "بالتوازي مع تحركات حثيثة لفروع الاتحاد وهياكله بمختلف جهات البلاد لتدارس الوضع العام بالبلاد لصياغة مبادرة لحوار هادف"، مفيدا بأن "مكونات الحوار والمشاركين غالبا ستتقاطع مبادئهم وأهدافهم مع الاتحاد العام للشغل وبعيدا عن التجاذبات السّياسية لإخراج البلاد إلى بر الأمان".
واعتبر أن الرئيس سعيّد لم يستمع إلا لصوته "رافضا أي رؤّى تشاركية للإصلاح"، ويصر على "المُضي منفردا في إدارته البلاد"، قائلا: "الرئيس وحكومته في طريقين مختلفين، فهو (سعيد) يتحدث ويعد بإصلاحات، وحكومته تقر إجراءات تزيد في معاناة التونسيات والتونسيين، وهذا لن يزيد الوضع إلا تأزما".