شكّل إسقاط أنقرة للطائرة الروسية على الحدود مع
سوريا
أواخر 2015، ثم سقوط مدينة حلب بعدها بعام من أيدي المعارضة السورية؛ علامة فارقة
في السياسة التركية تجاه سوريا، إذْ كان لاعتذار أنقرة العلني من موسكو لإسقاط
الطائرة ثمن كبير دفعته، حيث بدأت علاقاتها بعدها تقترب أكثر فأكثر تجاه المحور
الأوراسي، لتبتعد شيئاً فشيئاً عن المحور الأطلسي الأوروبي، لا سيما بعد أن أُعلن
عن دور بعض دوله في المحاولة الانقلابية الفاشلة على الرئيس رجب طيب
أردوغان، قبيل
سقوط مدينة حلب الاستراتيجية، وهي المدينة الثانية في سوريا.
كل هذا شكل نقطة انعطاف وتحول كبير في الموقف التركي
الذي بدا أن سياسته لم تعد إسقاط نظام بشار الكيماوي بقدر ما غدت أمناً قومياً
تركياً، ينحصر في حماية الحدود التركية مع سوريا من مليشيات قسد الكردية. وعلى هذا
الأساس تم ترسيخ العقيدة العسكرية القتالية الجديدة للجيش الوطني السوري الحر،
والمكون من فصائل ثورية عدة، وذلك من حيث يشعر أو لا يشعر قادته وجنوده.
اليوم تتسارع خطوات الإعلان عن التطبيع بين الرئيس
التركي وبشار الكيماوي الذي اكتسب أخيراً لقباً جديداً هو ملك المخدرات، نظراً
لتجارته بالمخدرات، والكبتاغون تحديداً، بحيث أغرق الأسواق العربية والغربية بها،
مما يدرّ عليه كما تتحدث الصحف الغربية نحو 25 مليار دولار سنوياً. وبعد اللقاء
الأخير الذي حصل في موسكو على مستوى وزراء دفاع
تركيا والنظام السوري مع الروسي،
بالإضافة إلى رؤساء مخابرات الدول المعنية، ثمة تحرك باتجاه لقاء على مستوى وزراء
الخارجية، ويرجح أن يحصل ذلك في موسكو.
الإشارة المهمة في هذا السياق هي دخول الإمارات على الخط، بحيث ستكون الإمارات إما الضلع الرباعي، أو البلد المستضيف للقمم المقبلة، وهو أمر لم يكن متخيلاً في الأشهر الماضية ولربما حتى في الأسابيع القليلة السابقة
لكن الإشارة المهمة في هذا السياق هي دخول الإمارات
على الخط، بحيث ستكون الإمارات إما الضلع الرباعي، أو البلد المستضيف للقمم
المقبلة، وهو أمر لم يكن متخيلاً في الأشهر الماضية ولربما حتى في الأسابيع
القليلة السابقة، في ظل عدائية السياسة الإماراتية للحليف التركي الوثيق وهو قطر.
سؤال المليون الذي يبحث كل السوريين عن جوابه، هو
لماذا التحرك التركي في هذه الظروف بالذات، بينما النظام السوري في أسوأ حالاته
الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وعلاقاته الدولية، فضلاً عن تراجعات كبيرة في
صفوف حليفيه الروسي بانشغاله في أوكرانيا بحيث يتعرض لزلازل عسكرية رهيبة وتراجعات
دولية وإقليمية فضلاً عن سوريا، والإيراني المنشغل بالثورة والانتفاضة التي
يواجهها والتي تتحول إلى عسكرية وتهدد النظام برمته. وفوق هذا ردّ الفعل الشعبي
السوري في المناطق المحررة التي خرجت بمظاهرات عارمة للأسبوع الثاني على التوالي
منددة بالتطبيع ورافضة له، وترفض معه أي مصالحة مع العصابة
الأسدية، الأمر الذي قد
تهدد شعبية أردوغان في المناطق المحررة، وهي الرصيد الأساسي للرئيس التركي إن كان
في سوريا أو خارجها.
وما نقل عن هياكل المعارضة السورية من رفض وتفهم
وتبرير للموقف التركي لم يقنع الشارع الثوري السوري، لا سيما وأن هياكل المعارضة
ليس لها ذلك التأثير على الشارع الثوري، بعد أن فقدت مصداقيتها في مناسبات عدة،
خصوصاً وأنها لم تتفاعل مع الأحداث كما ظهر في الاستدارة التركية، إلاّ بعد أن
خرجت المظاهرات إلى الشوارع.
ثمة من يعتقد أن تركيا ترى في حالة الضعف الذي تنتاب
النظام السوري وحليفيه فرصة ذهبية لها من أجل تثبيت قواعد اشتباك في صالحها، وذلك
بمنطقة آمنة تصل إلى 30 كم تحفظ أمنها القومي من اختراق مليشيات قسد. ولكن هذا
الأمر ربما يحصل على مستوى الدول، وإن كان سجل النظام السوري حافلا بالغدر منذ
المؤسس حافظ الأسد، ولكن المشكلة الأساسية التي ستواجهها السياسة التركية حقيقة
وواقعاً هي الموقف الثوري السوري، الذي ليس من السهولة إقناعه بالتطبيع مع عصابة
فعلت فيه كل ما هو معلوم ومجهول، وقد يكون المجهول في مسالخه وسجونه أكبر بكثير
مما عُلم.
تركيا ترى في حالة الضعف الذي تنتاب النظام السوري وحليفيه فرصة ذهبية لها من أجل تثبيت قواعد اشتباك في صالحها، وذلك بمنطقة آمنة تصل إلى 30 كم تحفظ أمنها القومي من اختراق مليشيات قسد. ولكن هذا الأمر ربما يحصل على مستوى الدول، وإن كان سجل النظام السوري حافلا بالغدر منذ المؤسس حافظ الأسد، ولكن المشكلة الأساسية التي ستواجهها السياسة التركية حقيقة وواقعاً هي الموقف الثوري السوري
معلوم أن المناطق الثورية في الشمال المحرر تنقسم إلى
قسمين، قسم خاضع للسيطرة التركية، ولإن كانت القواعد الشعبية عبرت من خلال مظاهرات
ضخمة ترفض المصالحة والتطبيع، لكن القوى الفصائلية إما صامتة أو كان صوتها خافتاً،
بينما القوى السياسية الممثلة في الائتلاف والحكومة المؤقتة فقد كانت أقرب للموقف
التركي.. وقسم آخر مناطق إدلب حيث تخضع لسلطة هيئة تحرير الشام، والتي تسعى إلى
توسيع قاعدتها من خلال التعاون مع حركة أحرار الشام ذات الشعبية في الشمال المحرر،
بالإضافة إلى جيش الأحرار، وغيره من الفصائل الأصغر. وهذه المنطقة عبّر قائدها أبو
محمد الجولاني عن رفضه للتطبيع، والذي وصفه بأنه "انحراف عن مسار الثورة".
وهذا الأمر يعني أن رفضاً واضحاً من قبل هيئة تحرير
الشام، والجولاني لهذه السياسة الجديدة، وإن كان بعض المراقبين يرون أن الرفض سبق
التصريحات، من خلال تنفيذ عمليات عسكرية للهيئة والأحرار وغيرهما ضد مليشيات
النظام السوري خلال الأسابيع الماضية، وهي الاستراتيجية في حال تصاعدها قد تقلب
طاولة التطبيع رأساً على عقب، وإن كان غالبية الخبراء لا يعولون كثيراً على هذا
المسار؛ إن كان من ناحية الخبرة الأردنية التي فشلت في التطبيع والثقة بالنظام
السوري، والأمر الآخر أن الثورة السورية وسوريا بشكل عام أكبر من اثنين أو ثلاثة
ليحلوّ مشكلتها.