طالعتنا
مواقع التواصل الاجتماعي عن خلاف حاد، بين بطلة العرض
المسرحي المقدم على خشبة
المسرح القومي باسم الحفيد، مع أفراد من طاقم المسرحية، وتصاعد الخلاف حتى وصل إلى
شكوى للنائب العام.
وعلى
أية حال، دون الدخول في تفاصيل الخلاف، إلا أنني أشتمّ نفس الرائحة التي تعرّضت
لها شخصيا، في مسرحية "جواز على ورقة طلاق"، على مسرح السلام، وهي أيضا
نفس الرائحة التي فاحت في عرض مسرحي للينين الرملي وإخراج عصام السيد على المسرح
القومي، وكان من بطولة حسين فهمي.
ولعلي
أكاد أن أجزم بسوء الإدارة وضعفها وتقاعسها، مع عدم إعفاء المخرج من دوره المنوط
به، وهو متابعة عرضه المسرحي في أثناء عرضه الجماهيري، ولكن لننظم البيت من الداخل،
ونبدأ بسؤال يطرح نفسه على الحياة المسرحية الراهنة: لماذا يتكرر نفس السيناريو مع
اختلاف التفاصيل عند اعتلاء نجم أو نجمة من خارج هيئة المسرح.. أنه ليس بموظف في مسارح
الدولة.. ويوافق هذا النجم أو تلك النجمة على الوقوف على مسارح الدولة ولها ما لها
من تاريخ مجيد، وعلى رأسها المسرح القومي، مع الأخذ في الاعتبار رمزية ما يحصل
عليه من أجر قياسا بأجور القطاع الخاص للتلفزيون والسينما؟!
وبرغم
هذه التضحية، وهذا التنازل الذي يقدمه النجم أو النجمة، ولكنه ما إن يفتح الستار
لعرض المسرحية، حتى تبدأ رحلة عذاب ممنهجة ومنظمة، يعاني فيها النجم من انفلات نفر
من الممثلين عن النص المكتوب، متناسين أنهم يقفون على مسرح دولة، أي مدعوم من
الدولة كسلعة ثقافية.
وليس
مطلوبا من مسارح الدولة أن تنافس مسارح القطاع الخاص، بأبجدياتها ومفرداتها؛ لأن
فلسفة ودوافع وأسباب كل منهما مختلفة، والخلط بينهما يجرد مسرح الدولة من دوره
المنوط به. وهنا بيت القصيد، يبدأ النجم أو النجمة بلفت نظر المشتركين في العرض بالالتزام،
ويعدون ولكن لا ينفذون الوعد، فيرفع النجم شكواه إلى إدارة المسرح، ولكن لا جدوى،
فيصعدها إلى رئيس هيئة المسرح، ولكن لا مجيب.
هذا
مع تفاصيل كثيرة من عدم المهنية، تزيد الأمور توترا للنجم الذي يريد الحفاظ على
تاريخه
الفني من تلك الترهات، وهنا ينفجر الموقف ويبدأ النجم أو النجمة، الصدام
المباشر مع طاقم المسرحية، وتبدأ تدار مؤامرة بليل إعلاميا، تحركها أطراف عديدة،
الغرض منها تشويه النجم ونعته بالغرور وحب السيطرة، وما إلى ذلك. وهي محاولة
لتقليم أظافر النجم، ورسالة مفادها الرضا بالأمر الواقع.
وبالطبع، يصبح النجم في ليلة وضحاها حديث المدينة، والغالب عليه التوجه السلبي أكثر من
الإيجابي، وتنتهي تفاصيل هذه المأساة بنهايات مختلفة، إما بانسحاب النجم وغلق
المسرحية، أو المصالحة الودية والشكلية إلى حين انتهاء موسم العرض المسرحي، وإعلان
النجم عدم رغبته في استئناف العرض لانشغاله بأعمال أخرى.
هذا
المشهد العبثي يطرح أسئلة ملحّة، أطمح في الإجابة عليها لمن يهمه الأمر: هل الدولة
حقا تريد مسرحا حقيقيا؟! وإذا كانت الإجابة بنعم، فلماذا هذه الفوضى، سواء عن
عمد أو غير عمد في وظيفة وفلسفة كل مسرح؟ فالمسرح القومي على سبيل المثال منوط به تقديم
الكلاسيكيات من المسرح العالم أو المحلي، ومسرح السلام معني بتقديم كتاب المسرح
المحلي، ومسرح الطليعة، وهو امتداد لمسرح الجيب، معني بتقديم التجارب الطليعية
للمسرح في العالم. والمسرح الكوميدي معني بتقديم كوميديا الكلاسيكيات كموليير وأريستوفان، إلى آخره.
السؤال
الثاني: لماذا هذا التقاعس غير المبرر، الذي يصل إلى حد التواطؤ من المسؤولين
تجاه ما يسمون "المضحكين" الذين يعتدون على أي نص مسرحي ويحيلونه إلى
مسخ، تحت مرأى ومسمع من الجميع، بل ومباركتهم في أغلب الأحيان؟
لماذا
لا يتم احترام
النجوم الوافدين، سواء من التمثيل أو الإخراج، بل والعمل على شيطنتهم
وتشويههم، دون انتظار إجابات؟ ولكن النتائج بالطبع كارثية، فكان منها هجرة النجوم
والمخرجين للمسرح، لتقديم عروض مسرحية بلا روح، وتغلب عليها روح الهواية والارتجال
والمراهقة أكثر من الاحترافية والمهنية.
ضاعت
ملامح المسرح
المصري، في ظل إهمال عن عمد أو غير عمد، لريبورتوار المسرح المصري،
وهو يحوي مجد المسرح المصري، لكتّاب كبار؛ كسعد الدين وهبة، ونعمان عاشور، وألفريد
فرج، وميخائيل رومان، وغيرهم.
وأخيرا
وليس آخرا، سيادة وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني. أعلم أن المهمة صعبة، ولكنها
ليست بالمستحيلة، أرجو إعادة الحياة المسرحية النابضة إلى ما كانت عليه من جمال
ورقي ونبل.