لم يكد يمر أسبوع
على سريان حالة من الاستبشار النسبي بين صفوف 300 ألف صيدلي نتيجة حكم برفض إلغاء اجتماع
جمعيتهم العمومية؛ حتى فوجئوا بحكم جديد استصدره الحارس القضائي ليلة الاجتماع
المرتقب لجمعيتهم التي كان جدول أعمالها قاصرا على بحث التحرك ضد قرار فرض الحراسة
على نقابتهم.
لم يستغرق
استصدار هذا الحكم سوى 72 ساعة، هي الفارق بين تقديم الحارس القضائي طعنا على قرار
انعقاد الجمعية وبين صدور الحكم في بلد يعاني المتقاضون في ساحات محاكمها من البطء
في إجراءات التقاضي.
يأتي هذا الحكم
ليرسخ في الأذهان المقولة الشهيرة "الحكم بعد المكالمة"، ويأتي أيضا
كبيان عملي على أسباب الترتيب المتدني لمصر في المؤشر الدولي للعدالة وإنفاذ القانون،
إذ أنه يؤكد على مصادرة الحق في الاجتماع المنصوص عليه في الدساتير المتعاقبة، بعدما
كشف قرار فرض الحراسة عدم احترام السلطات لنصوص ما تقره من دساتير، حيث ينص دستور
السلطة الحالية على عدم فرض الحراسة على النقابات المهنية.
يأتي هذا الحكم ليرسخ في الأذهان المقولة الشهيرة "الحكم بعد المكالمة"، ويأتي أيضا كبيان عملي على أسباب الترتيب المتدني لمصر في المؤشر الدولي للعدالة وإنفاذ القانون، إذ أنه يؤكد على مصادرة الحق في الاجتماع المنصوص عليه في الدساتير المتعاقبة، بعدما كشف قرار فرض الحراسة عدم احترام السلطات لنصوص ما تقره من دساتير
ولتكتمل الصورة
نتذكر معا أنه قد تم عقب استيفاء الداعين لعقد الجمعية العمومية الإجراءات اللازمة
لصحتها؛ تم احتجاز المتحدث الإعلامي باسم نقابة الصيادلة بعدما أعلن تأييده لجهود
زملاء آخرين في سعيهم لعقد الجمعية العمومية، وهو الإجراء الذي تسبب في حالة من
التعاطف مع الرجل مصحوبة بالتحفز لحضور الجمعية، خاصة في ظل عوامل عدة تتسبب في
احتقان وغضب الشارع الصيدلي.
إلا أن نفوذ
المسئول الأمني أو الجهة التي ينتسب إليها مكنته من استصدار الحكم بإلغاء الجمعية
العمومية. يذكرنا الحكم الصادر ببديهيات ربما لم ينتبه لها 300 الف صيدلي، منها:
- إن طريق نيل الحريات طويل وشاق ويتطلب
المثابرة والتضحيات.
- أن التمتع
بالحريات النقابية فرع من أصل؛ ألا وهو التمتع بالحريات السياسية، فلا حريات
نقابية في ظل مناخ عام مصادر للحريات.
- أن قرار فرض
الحراسة وكذلك إلغاءها قرار سياسي بالأساس، فلا يكفي التحرك في ساحات القضاء من
أجل الغائه.
وأمر آخر ربما
يغيب أيضا عن الأذهان أنه في كل تجمع هناك أصحاب مصلحة يستفيدون من مثل هذه
الأوضاع، فالقانون يمنح الحارس القضائي نسبة من الأموال الني يديرها، ومعاليه
بالطبع قام بتعيين لجنة معاونة له من الصيادلة.
ولكن ربما يخفى
أيضا على البعض أن المؤسسات السيادية المسئولة إدارة النقابات، وهي أيضا في ذات
الوقت قادرة على التأثير على استصدار الأحكام وفق مصلحتها ويا ليتها وفق مصلحة تلك
المؤسسات، لأن كل هذا ربما يكون سببه الرئيسي مصالح مالية نتيجة انتفاع أشخاص ما
في تلك المؤسسات من خلال قدرتهم على تمكين الحارس القضائي ومعاونيه من الاستمرار
في الجلوس على مقعد نقيب الصيادلة.
وما أذكره هنا
عاينّاه في زمن مبارك حين كانت نقابة المهندسين تحت الحراسة، وكشفت الأحداث وقتها
أن هناك راتبا شهريا يخرج من أموال المهندسين عن طريق الحارس القضائي ليذهب لضابط
أمن الدولة المسئول وقتها عن متابعة منظمات المجتمع المدني.
حدثت هذه الواقعة في ذات اليوم الذي طالب السيسي وسائل الإعلام ألا تتحدث عن الأكل وأسعاره، فمنطقي حين يُمنع الحديث عن أسعار اللحمة واختفاء الفراخ أن يصادر الحق في الاجتماع وحرية العمل النقابي
فتحالف الاستبداد
والفساد تحالف لا ينفك في كل عصر وظرف؛ فحيث وجد الاستبداد ظهر معه الفساد.
وقد حدثت هذه
الواقعة في ذات اليوم الذي طالب السيسي وسائل الإعلام ألا تتحدث عن الأكل وأسعاره،
فمنطقي حين يُمنع الحديث عن أسعار اللحمة واختفاء الفراخ أن يصادر الحق في الاجتماع
وحرية العمل النقابي.
فهل ينخرط
الصيادلة في المعركة الأصيلة، معركة الحريات العامة، بدلا من الاكتفاء بمعركتهم
الفرعية وفقط؟
لقد بات أكثر ما
يعبر عن حال الصيادلة اليوم كلمات أحمد فؤاد نجم التي غناها سعيد صالح:
ممنوع من السفر
ممنوع من الغنا
ممنوع من الكلام
ممنوع من
الاشتياق
ممنوع من
الاستياء
ممنوع من
الابتسام
وكل يوم في حبك
تزيد الممنوعات
أتمنى أن يكون ما
جرى على الساحة الصيدلانية درس مفيد يفتح الأنظار على المشهد الكلي فقد كتبت علينا
"الصيادلة" المعركة "معركة الحريات" وهي كره لنا.