بعد وفاة الأستاذ إبراهيم منير القائم بأعمال مرشد الإخوان، اجتمع
عدد من قيادات الإخوان في الخارج، حيث إنه لم يعد هناك وجود حقيقي لإخوان الداخل،
يمكن أن يعول عليه أحد، ولا أن يثق أحد في إمكانية قيام الداخل بأي نشاط تنظيمي،
يمكن أن يعبر تعبيرا حقيقيا عن قرارات الجماعة، نظرا للظروف الأمنية والسياسية
الخانقة التي تعيشها
مصر، فاجتمع الإخوان لاختيار
قيادة جديدة تخلف إبراهيم منير.
ومما لا يخفى على راصد دقيق للإخوان، ما تعيشه الجماعة من انقسامات،
لكن ظلت الغالبية الكبرى في اتجاه الجماعة المعروف والمعترف به سواء من التنظيمات
الدولية أو كيان الإخوان بوجه عام، هو من كان يقوده إبراهيم منير، وبموته لاحت
فرصة للطرف المواجه له على قلة عدده، وعدم اعتراف معظم الأقطار به، وهو الدكتور
محمود حسين، حيث إنه كان آخر عضو مكتب إرشاد خارج السجن، ولكنه بعد خلافه مع منير
والجماعة تم فصله، وفصل من انضم معه من بعض القيادات.
هذا النزاع فرض على الإخوان، أن تبحث عن قيادة تخلف منير، تكون ذات
ثقل يواجه ثقل محمود حسين، واهتدوا إلى اختيار الدكتور صلاح عبد الحق، ولكن منعهم
من الإعلان عنه من قبل، ظروف تخص عبد الحق نفسه، وظروف تتعلق بالجماعة، وظروف
إعلامية أخرى تتعلق بعدم مناسبة الوقت للإعلان، فبعد اختياره كان تنظيم كأس العالم
واتجاه الأنظار لذلك، ثم أحداث أخرى، ولكن مع اقتراب الإعلان عن اختياره قائما
بأعمال المرشد، تم نشر الخبر في موقع
"عربي21"، يوم الإثنين الماضي.
ورغم تسرب الخبر، ووصوله لمخبرين صحفيين، وإعلاميين يتبعون السلطة في
مصر، عن طريق بعض أفراد يحسبون على المعارضة في تركيا، وهم ليسوا منها، بل تحولوا
لأعين وجواسيس عليها بأجر وبدون أجر، وفي كثير من الأحايين لعدم وجود معلومات
لديهم، يقومون بفبركة أخبار لا أساس لها، بل تدل على السذاجة التامة لعدم ارتكازها
على أي أساس ولو قليل من الصحة، فرغم تسرب الخبر، لم تعلن الجماعة رسميا حتى الآن،
رغم أنه أصبح أمرا واقعا.
أما عن أسباب اختيار عبد الحق، رغم كبر سنه، لكن هناك أسبابا أخرى هي
التي رجحت كفته للاختيار، فالظرف التنظيمي يحتاج لشخصية بقدره وحجمه وتاريخه،
لإبطال حجج فريق محمود حسين، حيث إن عبد الحق ليس من الشخصيات التي كانت طرفا في
الخلاف ولا الانشقاقات التي حدثت منذ 2015 حتى الآن، وهو من تنظيم 1965م، مع
الأستاذ سيد قطب رحمه الله، وهو ما يعطيه زخما تاريخيا ليس لدى محمود حسين، وهو مسؤول
عن جهاز التربية العالمي للإخوان لمدة 15 عاما في التنظيم الدولي، هذا من حيث
الثقل التاريخي، وثقله الدعوي من حيث إدراكه لتاريخ الجماعة، وأدبياتها، والتعبير
عنها، فهو مشهود له بذلك، من طرف محمود حسين قبل الآخرين.
صلاح عبد الحق ليس من الشخصيات التي كانت طرفا في الخلاف ولا الانشقاقات التي حدثت منذ 2015 حتى الآن، وهو من تنظيم 1965م، مع الأستاذ سيد قطب رحمه الله،
وأعتقد أن الحجة الأقوى التي سبقت كل ما ذكرته، هو اختيار الدكتور
محمد بديع مرشد الجماعة لصلاح عبد الحق من قبل، فقد كنت كتبت مقالا، وأذعت قصة
رسالة سربت من المرشد من السجن للإخوان في الخارج، وأنكرها محمود حسين أو أخفاها
للأسف وقتها، وكان مجملها: أن على الدكتور محمود حسين عدم اتخاذ أي قرار إلا بعد
العودة لثلاثة أشخاص هم مع حفظ الألقاب: صلاح عبد الحق، حلمي الجزار، مدحت عاصم،
وأن يقوموا بلم شمل الجماعة، ولم يخبر محمود حسين أحدا بالرسالة إلا من تسربت
إليهم بعيدا عنه، لأن مضمون الرسالة معناه: عدم رضا المرشد عن قراراته، ووضع لجنة
فوقه أو معه، هي رسالة واضحة، ولذا أخفيت.
فصلاح عبد الحق إذن شخصية مطروحة من قبل المرشد في سياق خلاف تنظيمي
وانشقاق معروف، وهو خلافات الإخوان سنة 2015 وما بعدها، وبقية الأسماء المذكورة
ليست محبة للقيام بهذا العبء، لعدة أسباب، لا يتسع المقام لذكرها.
صلاح عبد الحق شخصية غير محبة للإعلام، ولذا سنجد معظم صوره قديمة،
ولا يوجد له أي تصريح إعلامي، على خلاف شخصية إبراهيم منير الذي كان كثير الظهر
والتواصل مع الإعلام، وهذا بسبب طبيعة شخصية كل منهما، وطبيعة مهمامه قبل المنصب،
فمنير كان معظم وقته في أعمال لها علاقة بالكتابة، والإعلام الإخواني، بخلاف عبد
الحق الذي كان معظم عمله في التربية، وهو قسم جل القائمين عليه لا علاقة لهم
بالإعلام والظهور الإعلامي، وليس عن موقف ضد الإعلام، إنما طبيعة كل شخص.
وهو ما رأيناه في مسؤولين إخوان، فالأستاذ حسن البنا خلفه الأستاذ
حسن الهضيبي، الأول خطيب مفوه، ويتكلم في مواقف تعبيرية كثيرة ومختلفة ببراعة،
والآخر قاضي، كلامه قليل، يزن كلامه حرفا حرفا، والأستاذ محمد مهدي عاكف كان
متكلما، ومتحركا، واجتماعيا، ثم خلفه الدكتور محمد بديع، ظهوره الإعلامي قليل، وهي
ملكات وشخصيات مختلفة، لا يمكن أن نقيس واحدة على الأخرى، وكل ميسر لما خلق له،
كما قال صلى الله عليه وسلم.
بقيت مسألة، لا يمكن لأحد أن يتكهن بها، وهي: صلاح عبد الحق، ماذا هو
فاعل في جماعة الإخوان؟ وهو سؤال طبيعي، نابع من طبيعة المرحلة التي تمر بها
الجماعة، فالطرف الآخر محمود حسين ورفاقه، لا يزالوان على موقفهم، والتنظيم بمجموعه
الكبير رافض لهم، ومصر على إكمال الطريق تحت قيادة عبد الحق، هل ستشهد الأيام
توحيدا للصف الإخواني؟ وهذا الملف هو أهون الملفات التي على طاولة الإخوان الآن،
إذ إن هناك ملفات أخرى تتعلق بتطوير المناهج والأطر التنظيمية الإخوانية، فضلا عن
ملف علاقة الإخوان بالحلفاء السياسيين، والعلاقات الإقليمية والدولية.
وملفات أخرى، أعتقد هي الأكثر إلحاحا، مثل: كيفية تعاطي الجماعة مع
الأزمة السياسية المصرية، وفي القلب منها ملف المعتقلين السياسيين، والذي وصل لوضع
غاية في السوء، ويجب أن يُكتب له نهاية في أقرب وقت، وبخاصة أن هذا الملف لم يقترب
منه بما يحلحل وضعه، وهو أمر عسير بلا شك، وليس مرهونا فقط بتحرك الإخوان، لكن
الجهد فيه بلا شك مطلوب. كل هذه أسئلة مطروحة وفي الوقت ذاته إجابتها متروكة
للإخوان تحت قيادة قائم جديد بأعمال المرشد.
[email protected]