نوه مدير دراسات الديمقراطية والحوكمة في جامعة جورجتاون المفكر
الأمريكي دانيال برومبارغ في حديث مع
"عربي21" بـ"ثراء التجارب
التعددية والديمقراطية" التي عرفتها
تونس والدول العربية بعد الانتفاضات
الاجتماعية وثورات 2011 رغم تعثر مسار الانتقال الديمقراطي وتراكم الأخطاء ومؤشرات
الإخفاق السياسي والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية..
وأقر المفكر الأمريكي بأن "أطرافا محلية وإقليمية ودولية ساهمت
في إجهاض مسار الانتقال الديمقراطي السلمي عربيا وما سمي بـ"الاستثناء
التونسي" من بينها بعض "صناع القرار في المنطقة" الذين عملوا على
"إجهاض الجهود الجدية لبناء نموذج للتوافق السياسي والاشتراك في الحكم والاحتكام
إلى الدستور والقوانين الديمقراطية "بمشاركة شخصيات وأحزاب إسلامية من بينها
قيادات حزب النهضة التونسي بزعامة راشد الغنوشي ورفاقه الذين تحاورت مع بعضهم
مرارا في واشنطن وفي المنطقة خلال العشرية الماضية ".
حوارات مع قيادات من النهضة؟
وكشف برومبارغ أن الغنوشي ورفاقه سمعوا خلال حواراتهم في واشنطن مع
شخصيات أمريكية ودولية قبل نحو 10 أعوام انتقادات لما وصفه البعض بـ"المرونة
المبالغ فيها" و"الاجتهاد المبالغ فيه" إلى درجة أن بعضهم سألهم:
"ماذا تبقى من ثوابت الإسلام بعد كل اجتهاداتكم وتبريركم "للتوافق مع
الآخر"، عند صياغة دستور 2014؟
ونوه الخبير الأمريكي بفصول كثيرة في ذلك الدستور قائلا: "كان
دستورا أنجز بفضل جهود واضحة شاركت فيها تيارات سياسية علمانية وليبيرالية حداثية
وأخرى محافظة وطنية عروبية إسلامية أو معتدلة.".
تونس تحتاج مسار انتقال ديمقراطي جديد"
وأفاد دانيال برومبارغ بأن الجامعيين والخبراء والحقوقيين في الولايات
المتحدة والغرب وفي العالم أجمع تابعوا باهتمام "تجارب المصالحة والتوافق
داخل البرلمان والحكومة والعمل المشترك بين ممثلي أحزاب وتيارات ونقابات مختلفة
المرجعيات في تونس ما بعد انتخابات 2011".
واعتبر أن المسار الذي سارت فيه النخب السياسية والاجتماعية
والاقتصادية التونسية العلمانية والإسلامية والوطنية المعتدلة يمكن أن يكون "نموذجا"
رغم تعثره، لأن هذا المسار مهد لبلورة بوادر "عقد سياسي وعقد اجتماعي
توافقي" ليس فيه تغول لأي حزب ولا لأي طرف مهما كان حجمه الانتخابي ومهما كان
عدد الأصوات التي فاز بها في صناديق الاقتراع.. وكانت تلك خطوة انتقالية ضرورية
لبناء "المشترك" ورفض إقصاء الأحزاب والأطراف السياسية التي لم تفز في
الانتخابات بمقاعد كثيرة ..
نيلسون مانديلا عربي
لكن هل يمكن اليوم الحديث عن "مسار ديمقراطي تعددي" أو عن
"انتقال ديمقراطي سلمي" بعد إجهاض التجارب الانتخابية والتعددية سياسيا
في أغلب بلدان "الثورات العربية" بدءا من المنعرجات العسكرية والأمنية
التي عرفتها مصر وليبيا واليمن وسوريا منذ 2013 وصولا إلى "قرارات 25 تموز/
يوليو 2021" في تونس التي اعتبرتها المعارضة "انقلابا على الدستور وعلى
شرعية انتخابات 2019؟".
الأكاديمي الأمريكي الذي يستعد لإصدار كتاب عن تونس وتجربتها
الديمقراطية وفي الانتقال السياسي عقب على سؤالنا قائلا: عشرية ما بعد ثورة يناير
2011 شهدت غلطات كثيرة من بينها عدم بروز زعماء ونشطاء شجعان في حجم الزعيم الجنوب أفريقي الذي قاد مسار مصالحة وطنية وانتقال ديمقراطي واقعي ضمن مشاركة كل الأطراف
دون إقصاء بما فيهات تلك التي كانت في صدارة المشهد السياسي قبل سقوط الحكم
العنصري ونجاح حركة "المؤتمر الوطني".. لذلك فإنه لا بد من بروز "نيلسون
مانديلا جديد" في تونس وفي أغلب دول المنطقة..
بعض تجارب " المصالحة السابقة " كانت مجرد " وقف اطلاق النار"
وفي تونس وفي عدد من الدول العربية وقع الخلط بين "المسار
الانتقالي الديمقراطي" و"التوافق الواضح حسب عقد سياسي" و"الحوار
الوطني الشامل والصريح" من جهة والقرارات الظرفية التي كانت أقرب إلى "وقف إطلاق النار بين خصوم الأمس" من جهة ثانية..
واستنتج المفكر الأمريكي أن تونس ونخب دول المنطقة التي تؤمن
بالتعددية والديمقراطية والإصلاح تحتاج إلى مرحلة من التفكير والنقد الذاتي
والتأسيس لمسار انتقال ديمقراطي جديد.. وقد تحتاج تونس وبعض الدول "مسارا
انتقاليا ثانيا وثالثا"...
"إقصاء الإسلاميين غير ممكن"
وبعد تعاقب الانقلابات عربيا منذ القرن الماضي على نتائج صناديق
الاقتراع عندما يكون الفائز حزبا له مرجعيات إسلامية هل يمكن الحديث عن سيناريو
المضي في المسار الديمقراطي الانتخابي دون البدء بإقصاء "كل الأحزاب الدينية"
ومن يسمون "بالإسلاميين" أو قوى "الإسلام السياسي" ومنهم من شارك في العملية الانتخابية؟
ردا على هذا السؤال قال المفكر الأمريكي إن "التجربة أثبتت أن
سياسيين في إسرائيل وفي الدول الديمقراطية الغربية الحليفة لها وفي المنطقة حاولوا
تجاهل نتائج انتخابات 2006 في فلسطين عندما فازت بالأغلبية قائمات قريبة من حركة
المقاومة الإسلامية حماس.. كما أنهم رفضوا في القرن الماضي وبعد ثورات 2011 الانتخابات
التي كان الفائزون فيها محسوبين على "الاتجاه الإسلامي" أو ما يسمى بـ"أحزاب
الإسلام السياسي"..
"لعبة المصالح" تفسرثنائية مواقف الغرب من الديمقراطية
لكنه استطرد قائلا: "رغم ذلك أعتقد أنه لا يمكن إقصاء ملايين
الناخبين من أنصار التيارات المحافظة والأحزاب الدينية والمترشحين من أنصار "الاتجاه
الإسلامي" مهما كانت اختلافاتنا الفكرية والسياسية معهم.. وقد أثبتت التجارب
فشل الحلول الأمنية في معالجة الظواهر الثقافية والسياسية وفي تجاهل ميولات قسم من
الرأي العام ومناصرته لسياسيين يسميهم غيرهم بـ"المحافظين".. كما أنه لا
يمكن لأي انتقال ديمقراطي أن ينجح إذا لم يقترن بحوارات صريحة سياسية واجتماعية
وثقافية وسياسية دون إقصاء".
ودعا المفكر الأمريكي كل الفاعلين السياسيين إلى تقييم تجربة العشرية
الماضية دستوريا وقانونيا وسياسيا والعمل على إنجاز "مسار انتقال ديمقراطي ناجع جديد ".. بعد تدارك "الأخطاء
السابقة" ومن بينها الخلط بين "المصالحة الوطنية" و"قرارات
التهدئة العابرة بين الفرقاء" ضمن منطق "وقف إطلاق النار في الحروب"..
مع التسليم بعقم سياسات الإقصاء لكل الأطراف بما في ذلك للتيارات الليبيرالية أو
لمرشحي التيار الإسلامي والقوى المحافظة..