الدولة حاجة مجتمع وأمة:
الدولة إدارة
شؤون الشعب.. الشعب كان عائلة من أُسر، ثم قبيلة ثم مدينة، ثم اقتضت
المصالح أن
تتوسع الدولة إلى مدن لتتكامل بعضها مع بعض في الإنتاج والأعمال، فكانت دولة إمبراطورية
تصب إليها موارد من الأطراف لسد حاجتها، فتأطرت متطلبات جديدة للشرعية، كبرلمانات
بشكل مجلس أعيان يعطي الشرعية لعظيم أو قيصر، وإن لم تكُ فبنقاء الدم والحق الإلهي.
والسردية أن تتنازل الشعوب عن حرياتها وتعتاد الأجيال وتنسى أنها تنازلات، إلى أن أتى
الإسلام بمبدأ البيعة المنطلق من مفهوم الشورى.
والبيعة عقد بين
الحاكم والمحكوم، وله حدود رأيناها في تكرار البيعة لرسول الله ﷺ مع تغير الظرف،
والحال، ليس هنالك بيعة مطلقة؛ إذ لا بد أن يعود الحاكم للشعب في أخذ ما يسد الموقف
من شرعية. ومثال ذلك ما حدث في معارك بدر وأُحد والخندق والعقبة وغيرها، من يراجع
السيرة بتمعن يدركها، وانتقلت إلى الراشدين، إلى أن تحولت إلى الملكية في العهود
التالية.
البيعة عقد بين الحاكم والمحكوم، وله حدود رأيناها في تكرار البيعة لرسول الله ﷺ مع تغير الظرف، والحال، ليس هنالك بيعة مطلقة؛ إذ لا بد أن يعود الحاكم للشعب في أخذ ما يسد الموقف من شرعية.
وفي الغرب عندما
انقلبوا على الملوك، تحولت الدولة إلى الدولة القومية، ثم دولة الحداثة التي تمتلك
الإنسان برضاه، ووفق نمط الحياة الذي يطلبه الواقع والقانون. وهنا نرى أن الدولة
باتت حاجة واقعٍ، مع الحاجة الاجتماعية بتعاظم الحاجات وتفرع العلوم والمعاملات،
وتعدد الكيانات وتباين الرأي والفكرة، فلا بد من موجّه لكل هذه النغمات كي لا تكون
نشازا.
إن بناء
الأمة
مهم جدا لتكون الدولة، فلا تتبنى الدول بالمستعارات الاصطلاحية الرنانة كالفسيفساء
ودولة المكونات، فالمكونات التي لا تشكل أمة لا تستطيع بناء دولة، بل ستبقى كيانا
هلاميا يستعد للتشظي والهروب من ضغوطات القوة والنفوذ، ومن يتعامل مع واقع كهذا، لا
ينبغي أن يعمل بشروطه، وإنما بإقناع الكل بإصلاح شروط تفكك، وإن بدا الناس مجتمعين،
فمن يجتمع هم باحثون عن مصالح آنية لا تنتج مدنية ولا عمرانا، ولا ثباتا لدولة
الإنسان.
هنالك سرديات غير
هذه لحراك التأسيس للدولة بيد أنها بمعنى واحد في كل الأحوال، فالدولة دوما تحدّث
كما وضعنا من سردية، فهي بمحتوى الفكرة والحاجة المستجدة أوجدت الحداثة في أوروبا،
وكانت الدولة المسيطرة على كل أمر بمفهوم الوكيل المطلق، الذي أخذ بعض حقوق المجتمع
مباشرة وأخذ الأخرى لسيادة القانون، فكانت الأمور بيد السلطة والسلطة للدولة. لكننا
هنا سنتحدث عن بناء الدولة، عن ضمان الأمن والاستقرار والنظام، أو نمط الحياة
الهادئ ما أمكن، وعن قوة مفوضة بالقانون وتطبق القانون، فإما أن تنجح أو تتنحى
لغيرها في انتخابات، هي كالبيعة، لكن محددة بزمن، أما البيعة، فهي أمر محدد بالشروط
العقدية، التي لا بد عند تحديث العمل بها أن تحدد بحد أعلى للزمن كأحد أطرها، وتديره آلياتها.
بناء
الدول وبناء الأمم:
كيانات بُنيت بلا
تاريخ كالكيان الصهيوني، وكيانات وضعت في قالب
الديمقراطية ولم تراع بناء الأمة
كجنوب السودان المتكون من مجموعات قبلية زجت في نظام ليس له مقوماته، فأما الكيان
الصهيوني، فدعا إلى مشترك هو الدين، لكن الدين اليهودي شريعته لا تحدّث؛ فهي شريعة
دين وليست دولة، فكان عامل الترابط هو الإعلام والانطباعات الجاهزة المستخدمة
الدين كعصبية، وفي ذات الوقت الخوف من المحيط كأداة لتجمع غريزي ينفرط بالاستقرار
إن حصل.
كذلك دول فككت
وتشظى نسيجها كمجتمع، مثل الدول التي تعرضت للاحتلال أو قامت بها حروب داخلية
كالعراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها مما هو مهدد بها، هذه الدول بحاجة إلى بناء
نفسها كأمة؛ فما نراه من تشكيل لبقايا إدارة تاريخية أو سلطة لا يشكل حقيقة معنى
الدولة التي تحفظ الأمن والاستقرار وكرامة الإنسان، بما يعتقد أو التصالح مع كل
هذا ليكون مقبولا عند الجميع بالعقلية والنفسية، وليس مجاملة تخفي الاستنكار
والاحتقار.
إعادة
بناء الدولة: هو
مشروع مهم يحتاج لأناس يفكرون وإعلام حي فاهم ومدرب ومقتنع بعمله، وكلفة عالية
مادية ومعنوية لتعديل الشخصية في هذه البلاد؛ أي العقلية ومنظومة الجهاز المعرفي
والنفسية، وهذا يعني التعامل مع المختلف كأمر طبيعي، لا ينقص من كينونته شيئا ولا
يسمح بمس كرامته.
ما هي
احتياجات بناء الدولة؟
صراع الشرعيات هو
أهم ما يواجه إنشاء الدولة، فشرعية سابقة، وقوى تجد نفسها أنها أحق بالحكم وشرعية
قبلية وشعبية وثورية، وشرعية دينية أو مذهبية، وشرعية دولية تجد أنها تدافع عن
نفسها من خطر قيام دولة، وشرعية قوة خارجية تريد أن تبني الدولة على مزاجها ووفق
مصالحها، وشرعية أناس أتوا من خلال الحراك كأدوات، لكن أصبح لهم وجود وفق تخطيط الأحداث
وتشوهات المتضادات، فكيف سنخرج من هذه الشرعيات بشرعية الدولة؟ من المؤكد أن
الحاجة للكثير منها ما يلي:
* قيادة
على قدر عال من المسؤولية لا تبحث عن مصالح ضيقة أو خالية من الرؤية أو متشبعة بحب
السلطة، وترفض الآخر سواء كانت إسلامية أو علمانية أو أي تسمية أخرى، وإنما تثبط
التحديات لكي لا تنشغل بها أو تعتبرها همها الأول.
*
قيادات قادرة للتحدث بعضها مع بعض، والوصول إلى حالة من بناء الأمة وثقافتها بعيدا عن
منظومة تنمية التخلف والإقصاء وقادرة على التعاون لبناء الأمة، لا تختلف على
الأولويات أو العائدات.
النظم، ديمقراطية أو دكتاتورية أو وراثية، كلها نظم لها مساوئها ومحاسنها، الغرض هو كيف يحصل الاستقرار وبناء الدولة؛ فهي مسائل مدنية ليست أيديولوجيات، ولا يمكن تحويلها إلى أيديولوجيات، إنما بناء الدولة يحتاج إلى عقليات استشارية نظيفة، وليس إلى هياكل منقولة عن تجارب أخرى تحمل الفساد، وليست مهتمة ببناء الدولة وكذلك قوالب البرلمان والسلطة.
*
أن تكون هنالك رؤية وبرامج، لا تقارع الموجود أو المهزوم، وإنما تطرح نفسها وتنشئ
إنجازاتها.
*
ضرورة وقف الصراع، وجعل المعيار هو الإنجاز في طريق بناء الدولة وتراص المجتمع،
وليس البقاء في السلطة واستحصال النفوذ والمكاسب والمال، أو استخدام السلطة لفرض
الراي.
*
الدولة ستحتاج إلى قوة جيش وشرطة كبيرة تحمل رؤيتها، لكن ضمن خطة السلم والحرب
كالبناء والاستقرار والمصالح، وهذا يحتاج تربية ومنظومة تعليم خاصة.
النظم، ديمقراطية
أو دكتاتورية أو وراثية، كلها نظم لها مساوئها ومحاسنها، الغرض هو كيف يحصل
الاستقرار وبناء الدولة؛ فهي مسائل مدنية ليست أيديولوجيات، ولا يمكن تحويلها إلى
أيديولوجيات، إنما بناء الدولة يحتاج إلى عقليات استشارية نظيفة، وليس إلى هياكل
منقولة عن تجارب أخرى تحمل الفساد، وليست مهتمة ببناء الدولة وكذلك قوالب البرلمان
والسلطة، إلى لجان الإغاثة أو المؤسسات الدولية إلى كل ما هو في طريق بناء لن
يكتمل أبدا بغير بناء الأمة وثقافتها وترابط أفرادها، لا تذكر فيها مكونات
واختلافات، وإن كانت محترمة ضمنا؛ لأن ذكرها اعتراف بالتفكك وليس البناء.