يتذكر المسؤولون
اللبنانيون
جان إيف لودريان كوزير للخارجية في حكومة ماكرون الأولى؛ من خلال مواقفه وتصريحاته
بإطلاق تحذيرٍ غير مسبوق من احتمال مواجهة لبنان "خطر الزوال"، وذلك عقب
انفجار مرفأ بيروت، حينها أعلن لودريان عن إطلاق باريس لخارطة طريق معطوفة على
تهديد مبطن للفريق الحاكم في لبنان بقوله حينها إن "المجتمع الدولي لن يوقّع
شيكاً على بياض، إذا لم تطبّق المنظومة السياسية للإصلاحات.
ومنذ إعلان
الزوال المحتمل، فقد ساهمت باريس بتشكيل حكومة نجيب ميقاتي ودعمها للحصول على شرعية
عربية منتظرة لم تتحقق إلا بعد أن تحوّلت إلى حكومة تصريف أعمال مع نهاية ولاية
ميشال عون في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. زار ماكرون لبنان مرتين خلال أقل من
شهر في 2020، ولحقه مستشاره باتريك دوريل ومدير مخابراته برنار ايمييه ومعهم خليّة
الأزمة اللبنانية في باريس، وصُدموا من حجم التعقيدات والزواريب اللبنانية.
وضَغَط لودريان
مع مسؤولين أوروبيين قبل سنتين لفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين ولم يفلحوا، إلى أن
وجدت فرنسا نفسها حاضنة، بشكل مستتر، لترشيح سليمان فرنجية وسط شبه مراقبة أمريكية-
سعودية، مُستدرجةً خصومة كبيرة مع القوى المسيحية؛ لن تنتهي إلا بتراجع ماكرون عن
تغطية وصول رئيس تيار المردة إلى قصر بعبدا.
ما هو مهمّ في هذه الجولة هو استكشاف المناخ الجديد لخلفية مهمّة المبعوث الرئاسي الفرنسي، لا سيما بعد التعديلات التي شهدها الفريق المعاون لماكرون تجاه مقاربته للملف اللبناني، أيضاً بعد القمة الفرنسية- السعودية بين ابن سلمان وماكرون، وخصوصاً بعد الجلسة التي حملت الرقم 12 في مسار جلسات المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد، والاستنتاجات التي خرجت بها باريس والعواصم المهتّمة
لذا فلا أحد
ينتظر نتائج حاسمة لجولات الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان، والعنوان العريض
لزيارته هو القيام بأوسع حركة استكشافية لفهم مواقف ودوافع القوى السياسية والبرلمانية،
قبل أن يعمد إلى وضع خلاصته في تقرير سيرفعه إلى الرئيس الفرنسي والخلية
الديبلوماسية في قصر الإليزيه ومن ثم وضع أطراف المجموعة الخماسية في أجوائها.
لكن ما هو مهمّ
في هذه الجولة هو استكشاف المناخ الجديد لخلفية مهمّة المبعوث الرئاسي الفرنسي، لا
سيما بعد التعديلات التي شهدها الفريق المعاون لماكرون تجاه مقاربته للملف
اللبناني، أيضاً بعد القمة الفرنسية- السعودية بين ابن سلمان وماكرون، وخصوصاً بعد
الجلسة التي حملت الرقم 12 في مسار جلسات المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد،
والاستنتاجات التي خرجت بها باريس والعواصم المهتّمة. ومهمة لودريان يجب ألّا تتعدى
نهاية الصيف الجاري، بحيث أنه يجب أن تكون الصورة قد أصبحت واضحة من كافة زواياها
عند انتهاء هذه المهلة الزمنية التي تمّ تحديدها.
لذا وبعد ثلاثة
أيام على مهمة لودريان وقبل ساعات قليلة على نهايتها، فإن كثيرا من المعلومات التي
تسرّبت من لقاءاته المتعددة توحي أن المهمة غير واضحة المعالم حتى اللحظة من دون
الكشف المبكر عن المراحل التي تليها، والتي سيبقى تنفيذها على عاتق خلية الإليزيه
بالتنسيق مع الأطراف الأربعة الأخرى التي تشكل لقاء باريس الخماسي، وذلك بعدما
جَدّدت القمة الفرنسية- السعودية التكليف المُعطى للرئيس الفرنسي منذ اللحظة الأولى
للتفاهم، باقتراح خارطة الطريق التي يمكن أن تحفظ الحد الأدنى من التماسك المطلوب
بين أطرافها تأسيساً على بعض المعطيات التي شكلت الحد الأدنى من القواسم المشتركة
التي جَمعتهم في السادس من شباط/ فبراير الماضي بمبادرة فرنسية، من أجل مساعدة
لبنان على تجاوز مجموعة
الأزمات التي يعانيها وتحديداً الملف الرئاسي المعقد.
وانطلاقاً من هذا
السياق فإن لودريان واستناداً إلى خبرته الطويلة في السياسة الدولية، وخصوصاً في ملفات
الشرق الأوسط سيعمد إلى وضع أكثر من تصور لخارطة الطريق المحتملة. وهذه أول إشارة
واضحة إلى أنه لم يأت وهو يحمل صيغة واحدة سيعمل على تطبيقها، وهو ما كان حاصلاً
خلال المرحلة الماضية عبر تبني فرنجية دون سواه، لا بل على العكس، فإن خريطة
الطريق ستكون مبنية على الاستنتاجات التي سيخرج بها من مهمته، والأهم أنّها ستكون
وفق صيغ وتصورات عدة.
كذلك بات واضحاً
بشكل واضح المعالم أن الثنائي الشيعي يعتبر ترشيح سليمان فرنجية يرتبط بخلفيات
استراتيجية، من الصعب التخلي عنها. وثمة من ينقل عن حزب الله عبارة تقول إن على
الأطراف كافة التحضر لمرحلة فراغ طويل قد يمتد لسنوات طالما لم تقتنع الأطراف
بفرنجية، وهذا الموقف وصل إلى باريس والدوحة. وعندما طرح لودريان على الثنائي
الشيعي تساؤلات عن موقف المسيحيين، كان الجواب بأن العمل مستمر للتفاهم مع التيار
الوطني الحر وجبران باسيل، وهذا المسار يكرس فكرة الفراغ الطويل والممتد.
لا بد من التعايش مع الفراغ الطويل، بانتظار نضوج التسوية الكبرى التي تنتظر تفاهمات واشنطن وطهران في الملف النووي وملفات أخرى. في المقابل فإن التعويل على قطر التي باتت تتولى دوراً أساسياً في الملف اللبناني، وهي تتحرّك بالتنسيق مع السعودية، وقدرتها بالإمساك بأطراف التأثير في لبنان، أضف إلى ذلك، خصوصاً، الاهتمام الفرنسي- القطري المشترك بالغاز اللبناني
لذا فإن لودريان
الذي بقي مستمعاً لشروحات القوى السياسية شدد على أنه سيعود قريباً لإجراء الاتفاق
مع الأطراف على طاولة حوار برعاية إقليمية ودولية، كذلك فقد كان لودريان متوتراً
من النقاشات التي تنطوي على انتقادات للأداء الفرنسي في لبنان، وتحديداً ما عبر
عنه النائب إبراهيم منيمنة خلال لقائه بالموفد المخضرم، عبر توجيه كلام قاس للضيف حول
تبني باريس لمرشح لا يتطابق مع مخرجات لقاء باريس الخماسي، على اعتبار ان فرنجية
هو أحد أعمدة النظام المسؤول عن الانهيار الكبير والإفلاس المالي والسياسي. وهذا
المسار بحسب النائب التغييري يعكس ضياعاً فرنسياً وغياب للرؤى الإصلاحية التي حاضَر
بها ماكرون لسنوات أمام المسؤولين اللبنانيين، باعتبار أن باريس ترجمت كلامها
عكسياً بإعادة تعويم الطقم السياسي بدعم فرنجية وقبلها بتسويق نجيب ميقاتي على أنه
رجل المرحلة.
في إطار متصل، يسعى
القطريون والسعوديون للوصول إلى صيغ مشتركة مع إيران بهدف الوصول إلى نقطة تلاقٍ
تمنع فرض الفراغ مقابل فرنجية، مع الانتباه الشديد إلى أن الجميع ينتظر حقيقة
الموقف على اعتبار أن الإدارة الأمريكية لا تزال على موقفها برفض وصول حليف للأسد
وحزب الله، فيما موقف السفيرة الأمريكية بالعودة إلى بيان نيويورك الثلاثي واجتماع
باريس الخماسي، معطوفة على اتصالات فيكتوريا نولاند بنبيه بري ولقاءات باربارا ليف
مع اطراف المعارضة عبر تشجيعهم على التلاقي مع باسيل رئاسياً، فضلاً عن طرح مسألة
العقوبات والتلويح بهذا الأمر لحلفاء الحزب.
وعليه، لا بد من
التعايش مع الفراغ الطويل، بانتظار نضوج التسوية الكبرى التي تنتظر تفاهمات واشنطن
وطهران في الملف النووي وملفات أخرى. في المقابل فإن التعويل على قطر التي باتت
تتولى دوراً أساسياً في الملف اللبناني، وهي تتحرّك بالتنسيق مع السعودية، وقدرتها
بالإمساك بأطراف التأثير في لبنان، أضف إلى ذلك، خصوصاً، الاهتمام الفرنسي- القطري
المشترك بالغاز اللبناني، وهي شراكة تفتح الأبواب أمام الشراكة السياسية، لا سيما
مع اهتمامات بطول الشاطئ اللبناني وصولاً إلى مرفأ طرابلس.