تزامناً مع فشل
الجلسة
الثانية عشرة لانتخاب الرئيس في
لبنان، تصاعدت النقاشات الإقليمية والدولية حول فرض
عقوبات جديدة على القيادات السياسية، وخصوصاً الأطراف الدولية المشاركة في الخلية
الخماسية التي اجتمعت في باريس مطلع شباط/ فبراير الماضي، وأبرز تلك النقاشات تُرجمت
بتهديدات أمريكية وأوروبية بفرض مزيد من العقوبات على المسؤولين هناك، وهو ما دفع
إلى إعادة قراءة للموقف الخارجية ربطاً بالتلويح الحاصل بالعقوبات.
والأكيد أنها ليست
المرة الاولى التي يتداول فيها اللبنانيون مجموعة العقوبات المتوقعة الشخصيات
المحتملة، بعد المسلسل الذي انطلق منذ سنوات عدة وطاول عدداً كبيراً منهم، من
مواقع مختلفة، بطريقة تجاوزت فيها الإدارة الأمريكية برامجها الخاصة في مواجهة ما
تسمّيه الهيئات والشخصيات والكيانات الارهابية، وصولاً الى استخدام القوانين
الخاصة بالمخالفات المالية التي تم إدراجها تحت شعار مكافحة الفساد المالي،
والحؤول دون استغلال النفوذ لغايات شخصية أو العمل لمصلحة جهات وكيانات ومنظّمات إرهابية
والمقصود هنا هو حزب الله.
وبمعزل عن
الأسباب والظروف التي انتهت إلى فرض عقوبات على عدد من المسؤولين اللبنانيين، من
وزراء ونواب ومسؤولين واقتصاديين، فإن بعضاً من التهديدات بُني على قواعد جديدة لم
تكن مطروحة سابقاً. فبعدما استندت العقوبات السابقة على قوانين أمريكية ومنها
قانونا قيصر وماغنستكي، وأخرى تعتمدها وزارة الخزانة الأمريكية يمكن إدراجها تحت
عناوين مخالفة لما قالت به مواثيق ومعاهدات واتفاقيات دولية عند فرضها على كيانات
ومؤسسات ومنظمات داخلية وأخرى عابرة للقارات.
لذا فلا يمكن
تجاهل أنّ بعضها استند إلى معايير سياسية وربما قانونية ودستورية، تتجاوز القوانين
الداخلية المعمول بها في بعض الأقطار. ومنها ما قيل إنّها ستفرض على من يعرقل
مسارات الانتقال الديمقراطي، عدا عن تمويل أطراف وجهات وكيانات خاضعة للعقوبات في
لبنان والمنطقة وصولاً إلى المتهمين بعرقلة عمل المحقق العدلي في انفجار المرفأ
طارق البيطار، وملفات أخرى كثيرة جرى اعتبارها على أنها من الخطوط الحمراء
لواشنطن.
دون أي مسار خارجي يبقى الواقع السياسي منطلقاً من توازنات المجلس النيابي والانقسامات القائمة، والتي لا تفتح المجال أمام خيار الذهاب إلى تسوية داخلية بناء على التقاء القوى المتخاصمة، نظراً لأن كل طرف يعارض مرشح الطرف الآخر، للحصول على ضمانات لا يوفرها إلا المرشح الذي يتبناه كل طرف
كذلك وقبل الدخول
في مرحلة تطبيق هذا السيناريو المحتمل، لا بد من المرور بجملة مؤشرات خطيرة؛ أبرزها
تنامي الصيغ التقسيمية والفيدرالية وفتح المجال لمروجي هذه الصيغ لطرح هذا السياق
مع خطاب لأحزاب مسيحية يدعو لإعادة النظر بشكل النظام والتركيبة السياسية. وهذا
الخطاب معطوف على نقاشات مفتوحة حول ضرورة إدخال تعديل على صيغة النظام دستور
الطائف، وهذا المسار لا يجري تطبيقه إلا بعد حصول حالة صراعية ميدانية وعسكرية على
غرار أحداث 7 أيار 2008 أو حتى ما يشبه الحرب الأهلية، والذي بات حزب الله يمهد
لها عبر استفزاز المسيحيين والسنة.
وتراهن أطراف
لبنانية أخرى على اجترار حلول تسوية داخلية انطلاقاً من مسار التسويات الإقليمية
والدولية القائمة، وبأنها ستنعكس على الساحة الداخلية لاحقاً. وهذا لا بد من ترقب
احتمالاته بعد اللقاء الفرنسي السعودي، والسعودي الإيراني، والاتصالات القطرية الحاصلة.
لكن دون أي مسار
خارجي يبقى الواقع السياسي منطلقاً من توازنات المجلس النيابي والانقسامات القائمة،
والتي لا تفتح المجال أمام خيار الذهاب إلى تسوية داخلية بناء على التقاء القوى المتخاصمة،
نظراً لأن كل طرف يعارض مرشح الطرف الآخر، للحصول على ضمانات لا يوفرها إلا المرشح
الذي يتبناه كل طرف. وهذه ثابتة بالنسبة إلى حزب الله، الذي يقول إنه يتمسك بمرشحه
الذي لا يطعن المقاومة في الظهر، فيما ذهب بالتصعيد إلى وصف المرشح الآخر مرشح
التحدي المحسوب على إسرائيل وصندوق النقد.
وكان ظاهراً خلال
مرحلة ما قبل الجلسة أن حزب الله ارتكب أخطاء قاتلة في عملية التسويق لمرشحه، عبر
تغليب لغة التهويل والتهديد والتخوين والتلويح بأن الحزب يفضل الفراغ الطويل على
القبول بمرشح وسطي، والخطأ الأكثر إماتة هو تلوين فرنجية باللون المذهبي على
اعتبار من يؤيده فقط هو الثنائي الشيعي. في المقابل أخطأت المعارضة المؤيدة
لأزعور، بإظهار وجود حسابات ضمنية لها علاقة باستثمار شعبي لكل طرف من أطراف هذا
الفريق وتحديداً القوات. فالمبالغة والتلويح بأرقام غير واقعية أدّيا إلى نجاح
الفريق الآخر في استغلال هذه العثرات لاستقطاب أصوات.
وعليه فإن جلسة
14 حزيران/ يونيو حققت الغاية المنتظرة منها بالنسبة لواشنطن والدوحة والرياض،
لناحية تثبيت معادلة سياسية وبرلمانية قائمة على توازنات، قائمة على معرفة حزب
الله لحجمه الصلب والحقيقي والذي لا يتجاوز الـ50 نائباً، والقول للحزب أن المعادلة
التي أرساها منذ 2014 وحتى 2019 قد انتهت وأنه فقدَ حقه في تسمية المرشح الرئاسي
والحكومي، ما قد يؤثر مستقبلاً على نفوذه داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها المدنية والعسكرية
بعد تبدل موازين القوى، لكن من دون إغفال حق الحزب في وضع فيتو مرحلي على أسماء
قبل التفاهم معها.
جلسة 14 حزيران/ يونيو حققت الغاية المنتظرة منها بالنسبة لواشنطن والدوحة والرياض، لناحية تثبيت معادلة سياسية وبرلمانية قائمة على توازنات، قائمة على معرفة حزب الله لحجمه الصلب والحقيقي والذي لا يتجاوز الـ50 نائباً، والقول للحزب أن المعادلة التي أرساها منذ 2014 وحتى 2019 قد انتهت وأنه فقدَ حقه في تسمية المرشح الرئاسي والحكومي، ما قد يؤثر مستقبلاً على نفوذه داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها المدنية والعسكرية بعد تبدل موازين القوى
وثمة خسارات لحقت
بالحزب خلال الأسابيع الماضية، أهمها خسارته للمبادرة الفرنسية القائمة على
فرنجية- نواف سلّام، عبر تعديل باريس للمعادلة بعد الضغط الذي تعرض لها مسيحياً
وزيارة البطريرك الراعي كرّست هذا المسار، فيما شعر الفرنسيون بأيدٍ خفية للجانب
الأمريكي خلف التقاطع على أزعور، فيما الضربة القاضية كانت بتعيين ماكرون لوزير
خارجيته السابق جان إيف لودريان مبعوثاً خاصاً للبنان، ما يعني إزاحة تدريجية
لباتريك دوريل من إدارة الملف اللبناني. ودوريل المتحمس لفرنجية تدور حوله علامات
استفهام حول ارتباطه باللوبي المالي الذي يروج لمرشح حزب الله، الأمر الذي أحرج
باريس.
ولودريان الذي
سيزور لبنان الأربعاء القادم، سيفتتح أولى تحركاته في إطار مهمّته الجديدة،
بالإضافة إلى أنه سينقل معه الأجواء التي أنتجها الاجتماع الفرنسي- السعودي بين
ماكرون وابن سلمان، وزيارته ستكون في طابعها الغالب استكشافية، من خلال لقائه
بجميع الأفرقاء، سيعمل لودريان من بعدها على وضع تقريره المفصّل، وهو الخبير بأسرار
الحياة السياسية اللبنانية وبالخلفيات الحقيقية للأطراف السياسية فيها. والأرجح
انّ لودريان سيحمل معه طروحات أو أفكاراً تحاكي النتائج الفعلية للمعادلة النيابية
الجديدة التي أفرزتها الأربعاء تحضيراً للاجتماع الخماسي المقرر أول تموز/ يوليو
في الدوحة.
في النهاية ما
يمكن الخروج منه بعد جلسة الـ59-51 أن حزب الله قبل أو رفض؛ قد خسر مرشح المناورة،
وأنه بات أمام خيارات ضئيلة أحلاها مر، ومن بينها القبول بانتخاب مرشح تقبل به أغلبية
الأطراف، وتحديداً قائد الجيش جوزيف عون.