يشهد
الشارع السياسي
المصري هذه الأيام حراكا غير عادي يستبق
انتخابات الرئاسة المحتملة
نهاية العام الجاري، إلى جانب تدشين لتيارات "ليبرالية" و"شعبية"،
وعودة بعض الأنشطة الحزبية بعد اختفائها نحو 10 سنوات، منذ فرض رئيس النظام المصري
عبدالفتاح
السيسي قيودا على المجال العام.
وفي
نيسان/ أبريل 2022 سمح السيسي، بعد سنوات من غلق المجال العام وتجميد عمل الأحزاب والجمعيات
الأهلية ومطاردة السياسيين والمعارضين والحقوقيين وسجن العشرات من أعضاء وقيادات الأحزاب،
بإطلاق "حوار وطني"، شاركت فيه "الحركة المدنية" التي تضم نحو
21 حزبا ليبراليا ويساريا.
"تيار
عكاشة"
والسبت،
أعلن الإعلامي المصري المثير للجدل توفيق عكاشة عن توجهه لتأسيس ما دعاه بـ"التيار
الشعبي المصري الحر"، مؤكدا أنه يخاطب فئات الشعب بغرض الإصلاح.
وهو
ما قابله متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالقول إنها تعليمات (سامسونغ) أو أوامر
الأجهزة الأمنية المصرية التي دأبت على استخدام عكاشة، لسنوات منذ ثورة كانون الثاني/
يناير 2011، وحتى انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، وما بعده.
"التيار
الحر"
إعلان
عكاشة، صاحب الدور الشهير في دعم السيسي، في الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي،
والحشد الشعبوي لدعم أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013، يأتي بعد أيام من إعلان شخصيات مصرية
ليبرالية تمثل بعض الأحزاب المصرية ما دعوه بـ"التيار السياسي الحر".
وهو
ما اعتبره عكاشة "عملا ممتازا وندعمه بقوة"، لكنه عاب على ذلك التيار عدم وجود
شخصيات شعبوية به، وأن تياره الشعبي سيخاطب الشعب المصري وسيستقطب شخصيات شعبية.
وفي
24 حزيران/ يونيو الماضي، دشنت مجموعة أحزاب تابعة للحركة المدنية الديمقراطية المحسوبة
على معسكر "30 يونيو"، "التيار السياسي الحر"، وهي "تيار المحافظين"،
و"الإصلاح والتنمية"، و"الدستور"، و"التحالف الشعبي"،
و"المصري الديمقراطي"، و"الكرامة"، و"مصر الحرية"، إلى
جانب شخصيات عامة وسياسيين.
وتشير
تقارير صحفية إلى أن ذلك التيار يناقش الدفع بمرشح في الانتخابات الرئاسية، ومن بين
خياراته رئيس حزب "المحافظين" أكمل قرطام، ورئيس حزب "الدستور"
جميلة إسماعيل، أو دعم مرشح من خارج التيار وفق شروط لم يتم الإعلان عنها.
كما
أن تدشين "التيار الليبرالي الحر"، الذي جاء مستبعدا في تشكيله وشخصياته
وكتله الأحزاب الناصرية واليسارية وفق تصريح رئيس حزب "مصر الحرية" كامل
سحاب، يدفع تيار اليسار للعمل بجبهة منفردة، تزيد من عدد التيارات السياسية التي تهدف إلى زيادة تواجدها وحراكها السياسي في البلاد.
اظهار أخبار متعلقة
انتخابات
الرئاسة
وفي
18 حزيران/ يونيو الماضي، أعلن رئيس حزب "الوفد" عبد السند يمامة الترشح لانتخابات
رئاسة الجمهورية المقبلة، وهو الإعلان الذي تبعه بثلاثة أيام إعلان عضو الهيئة العليا
بالحزب فؤاد بدراوي نيته الترشح أيضا.
وأعلن
حزب "المحافظين"، الذي تأسس عام 2006، على لسان متحدثه الرسمي أحمد حنتيش،
عن تلقي المجلس التنفيذي للحزب رغبات من أعضائه بمختلف المحافظات لترشح رئيس الحزب
أكمل قرطام للانتخابات الرئاسية.
حراك
طنطاوي
كذلك
يواصل السياسي المصري والبرلماني السابق أحمد طنطاوي جولاته بمسقط رأسه في قلين بمحافظة
كفر الشيخ (شمال الدلتا) واستعداداته لانتخابات الرئاسة بمقره حملته بالقاهرة، وذلك
منذ إعلانه في أيار/ مايو الماضي عودته لمصر من لبنان، وعزمه الترشح للانتخابات.
وفي
المقابل، ومع تصاعد الحراك السياسي بمصر يغيب بشكل لافت أي حضور لأي شخصية سياسية تنتمي
لتيار الإسلام السياسي في الحراك البادي أو لأي حزب إسلامي سواء كان تابعا لجماعة الإخوان
المسلمين (الحرية والعدالة) أو الدعوة السلفية (النور) وهما اللذان شكلا برلمان ما بعد
ثورة يناير 2011.
"تيار
الاستقلال"
حديث
عكاشة وتدشين "التيار السياسي الحر"، وإقبال المرشحين على انتخابات الرئاسة،
يتواكب مع حراك سياسي واسع في الشارع المصري على غير العادة طوال 10 سنوات مضت من حكم
السيسي لمصر، يسبق جميعه انتخابات الرئاسة المحتملة نهاية العام.
وظهر
بقوة "تيار الاستقلال" في نقابات المهندسين والصحفيين والأطباء وغيرهما،
إذ فاز أعضاء التيار بانتخابات نقابة الصحفيين المصريين بقيادة الصحفي خالد البلشي
متفوقا على مرشحي الدولة في آذار/ مارس الماضي.
ونجح "تيار الاستقلال" في استعادة ثقة المهندسين بقيادة النقيب طارق النبراوي
في مواجهة أعضاء النقابة من حزب "مستقبل وطن"، الذارع السياسية للنظام والذين
فشلوا في سحب الثقة من النقيب، في 30 أيار/ مايو الماضي.
ويستعد
"تيار الاستقلال" لمواجهة نقابية جديدة مع "تيار المستقبل"، الممثل
للنظام بالانتخابات المقررة 13 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، بنقابة الأطباء، حيث أعلن
الأمين العام السابق للنقابة إيهاب الطاهر -من تيار الاستقلال- الترشح لمنصب النقيب.
"عربي21"
طرحت سؤالها حول حقيقة ما يجري في مصر من حراك سياسي وتدشين تيارات سياسية جديدة، وعن
أسباب سماح النظام بها رغم غلق المجال العام وتقييد العمل السياسي والحزبي والمجتمعي
لنحو 10 سنوات، واحتمالات أن يكون حراكا حقيقيا له أساس قوي ومستمر.
"صناعة
السلطة"
الكاتبة
الصحفية والناشطة المصرية مي عزام، أجابت قائلة: "كل هذا الحراك الذي يحدث هو
داخل دائرة مغلقة وكأننا نمشي في جزمة عم أيوب"، لافتة إلى المشهد الشهير بمسرحية
"الجوكر"، للممثل المصري محمد صبحي، حين كان يرد على من يطالبونه بالسير سريعا
بقوله: "أمشي في الجزمة الأول".
وفي
حديثها لـ"عربي21"، أضافت: "لكن يبدو لغير المتأمل والمنتبه أن ما يجري
الآن بمصر حركة، والحركة الحقيقية هي ما عرفها الرئيس الـ16 لأمريكا أبراهام لنكولن (1809- 1865): أسير ببطء لكن إلى الأمام دائما".
وأكدت
عزام، "هذه هي الحركة ذات التوجه الصحيح، ببطء لكن إلى الأمام دائما"، مستدركة
بقولها: "لكن ما نشهده الآن في مصر حركة، وليس حراكا، داخل دوائر صنعتها السلطة
أو ساهمت في تصنيعها".
وفي
رؤيتها لأسباب سماح النظام الآن بهذه الحركة التي كانت ممنوعة مدة 10 سنوات، قالت إنها
"الشيء لزوم الشيء، وهي لزوم انتخابات الرئاسة المحتملة في 2024، والتي تختلف
فيها الأجواء الداخلية والخارجية عن انتخابات 2018".
وحول
مدى اعتبارها تلك الحركة ظاهرة صحية حتى ولو كان النظام هو من سمح بها ومستفيد منها،
أكدت الناشطة المصرية أن "الظواهر الإيجابية تُقاس بالنتائج وليس بالظاهرة في
حد ذاتها، فلننتظر ونرى".
وعن
مدى استفادة المعارضة من هذه الحراك رغم أن كل تيار يعمل منفردا ولا يريد التعاون مع
الآخر ويرى نفسه الأفضل، قالت عزام: "هذا وضع طبيعي في حالات عدم النضج السياسي
ووضوح الأهداف وجلاء البصيرة".
وحول
رؤيتها لمدى استفادة النظام من هذا الحراك والظهور أمام العالم الذي ينتقد ملف الحريات
في مصر بأن هناك حراكا وفتحا للمجال العام، أكدت أن "العالم مشغول عنا"،
متسائلة: "هل تعتقد أن هناك من يتابع المسار الديمقراطي في مصر وهو يخطط لمستقبل
المفاوضات مع روسيا والمنافسة الشرسة مع الصين".
"أجندة خراب"
وفي
تعليقه، قال الكاتب والمحلل السياسي مجدي الحداد لـ"عربي21" إن "السيسي
منذ انقلابه لم يضيع وقته، ويقوم بتنفيذ أجندة خراب وهدم وتجريف مصر، التي لم يستثن
منها قواها الناعمة، وبات ذلك جليا للجميع".
وأضاف:
"من أول تسلمه للسلطة رسميا في 2014، يسعى لتأميم الإعلام الرسمي والخاص، من صحافة
وإذاعة وتليفزيون، والسيطرة على ما يُعرف بـ(إعلام السامسونغ)، وهو ما تلاه السيطرة
على الإنتاج الدرامي والسينمائي".
وألمح
إلى دور بعض الإعلاميين "الوظيفي من قبل الأجهزة الأمنية"، موضحا أن
"توفيق عكاشة، كان مختصا بمخاطبة الدهماء والبسطاء ولذا فهو لا يتحرك من رأسه
رغم إبعاده أو استبعاده، وتُحركه الأجهزة الاستخباراتية والأمنية كغيره من أزلام النظام".
الحداد،
يعتقد أن "الكارثة هنا في التسمية ذاتها، والتي أُملي على عكاشة بتدشينها، وهي
التيار الشعبي الحر"، ملمحا إلى أن "تلك التسمية تذكرنا بـ(التيار الوطني
الحر)، أو (التيار العوني)، نسبة للرئيس اللبناني الأسبق ميشيل عون، والذي كان متهما
بتهم فساد عام 1991 ولجأ لفرنسا مدة 15 عاما، ترأس بعدها لبنان".
وعن
تدشين "التيار السياسي الحر"، أشار الحداد إلى مقال للأكاديمي الدكتور يحيى
القزاز، أكد فيه أن هذا التيار تجمع لرجال أعمال يبحثون عن مكاسبهم على حساب معاناة
واستقلال الشعب، ويرون أن مشكلة مصر اقتصادية بينما هي سياسية بحتة، ما يعني عدم تضررهم
ضمنيا من حكم، وسياسات السيسي.
اظهار أخبار متعلقة
"نظرية
الدومينو"
واعترف
الحداد بوجود حراك في مصر، ولكنه وفق رأيه، "حراك على استحياء لا يرقى لحجم التحديات
الوجودية التي يجابها الشعب والدولة معا، ولكن يُحسب له أنه في جانب منه بعيد عن أيدي
الأجهزة الأمنية، وخاصة ما حدث في نقابتي المهندسين والصحفيين".
وأعرب
عن أمله في "تطبيق نظرية (الدومينو)، لتشمل كل النقابات والتجمعات الشعبية والأهلية
ليكون بذلك بمثابة حراك شعبي حقيقي سلمي لتغيير هذا النظام وإبعاد السيسي عن حكم مصر".
ويرى
أنه "بالنظر لتوفيق عكاشة، وإلى حد ما أحمد الطنطاوي، سنُداهم بنوع آخر من الحراك
السلطوي الغرض منه امتصاص غضب الناس من استمرار حكم السيسي، وتدعيم، أو دعم استمراره".
وأكد
أن "المعيار هنا هو مدى تحقق وتحقيق مطالبنا ومطالب كافة الناشطين إذا صدقت النوايا
في انتخابات حرة نزيهة وشفافة، كالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي،
وكل من اعتقل ظلما، وعدم ترشح السيسي بالانتخابات القادمة".
وقال
الكاتب المصري، إنه "وللتأكيد على (عدمية) الحراك المدعوم من الأجهزة الأمنية
بشأن السماح لعكاشة بالحديث عن إنشاء تيار خاص به، أو برجال الأعمال، تحت مسمى الشعبي
الحر، والوطني الحر، فهو استبدل فقط الوطني بالشعبي".
وأشار
إلى أنه "مع اقتراب (معمعة) الانتخابات الرئاسية، فلا بد أن يكون لكل حزب برنامج،
له بنود رئيسية سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وأن يكون لديه مرشح رئاسي، وبرنامج ينافس
به".
وأكد
أن "شمول برنامج تيار عكاشة، أو عدم شموله لتلك البرامج يوضح لنا، الجهة التي
وراء عكاشة ويكشف ما إذا كان (الحراك العكاشي) مدفوع، أو غير مدفوع من النظام".
وختم
حديثه متسائلا: "ثم لماذا يغلق المجال العام أمامنا، وأمام كل النشطاء ويُفتح
فجأة لعكاشة؟".