النقابات هي منظمات مجتمع مدني غير حكومية NGOs، تهدف لرعاية مصالح أعضائها، والعمل النقابي
تكليف من الأعضاء لمن تم اختيارهم، وليس تشريفا وليس نوعا من الوجاهة المجتمعية؛
وبالتالي فمن الواجب على من يترشح أن تكون عند الرغبة الحقيقة في السعي نحو مصالح
زملائه، ويمتلك آليات القدرة، والطاقة على العمل الدؤوب المستمر لتذليل العقبات
وتحقيق الأهداف في جميع المجالات الطبية والمهنية والسياسية والمجتمعية.
وقد وفق الله الدكتور على إبراهيم باشا بإنشاء
نقابة الأطباء عام
1940، ليصبح أول نقيب لها؛ وكان رحمه الله طبيبا نابغا تلقى تعليمه الجامعي كاملا
بالمجان نظرا لتفوقه، رغم أنه كان من أسرة ريفية بسيطة وتوفى والده وهو طفل صغير،
ولهذا كان احساسه بالفقراء دافعا هاما لتكوين نقابة للأطباء ترعى مصالح اعضائها
بنفس قدر رعاية المرضى بأمانة وإخلاص.
صحوة نقابية شهدتها النقابات المهنية في بداية الثمانينيات بدخول
التيار الإسلامي وتحالفاته لأول مرة:
وظلت النقابة كامنة لا يشعر بها أحد، ولا تقدم أية خدمات نقابية أو
مهنية أو طبية لصالح الأطباء بصورة عامة، وأذكر أنه عند تخرجي من كلية الطب عام
1976 كان النقيب هو د. حمدي السيد في دورته الأولى، ثم فاز في دورة ثانية من عام
1980، وطوال تلك الفترة الطويلة لم أكن أسمع أي شيء، ولم أشعر بأي دور فعال لنقابة
الأطباء..
في عام 1984 كان انتخاب د. ممدوح جبر نقيبا لدورة أولى، ودخل النقابة
العامة والنقابات الفرعية وقتها عدد قليل من الأطباء يمثلون تيار الإسلام الحركي،
من أبناء الصحوة الإسلامية في الجامعات ومن شيوخ الأطباء، وبدأت روح جديدة تسرى في
جسد النقابة العريقة. وبدأنا نردد قسم الطبيب للمرة الأولى في صيغته المنطقية
المرتكزة على مرجعية دينية، بعيدا عن "قسم أبقراط الوثني"، وبالصيغة التي
أقرها المؤتمر الطبي الإسلامي العالمي بالكويت عام 1980، وبدأت الحياة تدب،
والنشاط يتزايد، وزاد عدد أعضاء تيار الإسلام الحركي بمجالس النقابة العامة
والنقابات الفرعية بالمحافظات في الدورات
التالية؛ تحت قناعة تامة بالمشاركة مع جميع الزملاء دون مغالبة ودون استحواذ أو
إقصاء لأحد، وظل د. ممدوح جبر وزير الصحة السابق نقيبا على مدى دورتين، وقال وقتها
بأنه "يعمل وسط فريق نقابي أكثر نشاطا وأفضل كفاءة وحيوية من أعضاء الوزارة
التي شارك فيها من قبل".!
وجاءت
انتخابات عام 1992، حيث شملت
القائمة الانتخابية المهنية التشاركية للإخوان التوافق مع د. حمدي السيد عضو مجلس
الشعب وقتها على الترشح لمنصب النقيب تحت شعار "الإسلام هو الحل"، وفاز
د. حمدي السيد للمرة الثالثة بمنصب نقيب الأطباء ، وبرز اسمه وسط فريق العمل
النقابي ؛ الذي سبق وأن شهد له د. ممدوح جبر بالكفاءة والفعالية، على مدار السنوات
الثماني السابقة ، وبرغم التضييق الأمني وتعدد المحاكمات العسكرية وحبس
الأطباء، كان تيار الإسلام الحركي ممثلا
في الإخوان يشغل نسبة واضحة من مجالس النقابات بالمشاركة مع الزملاء من جميع
التيارات الأخرى.
وبنهاية عام 1992، كانت السمة البارزة هي التواجد الواضح لتيار
الإسلام الحركي في النقابات المهنية، ولكن الصدمة الكبرى لنظام حسنى مبارك كانت في
فوز التيار بمقاعد نقابة المحامين؛ والتي كان النظام يعتبرها معقلا أخيرا لنفوذه
في النقابات المهنية، وفورا تم إصدار القانون رقم 100 لسنة 1993، وتوقفت
الانتخابات النقابية المهنية بعده تماما.
بعد ثورة 25 يناير 2011، بدأت انفراجه جديدة في العمل النقابي
المهني؛ وعادت الانتخابات نقابة الأطباء في أكتوبر 2011 بعد توقف امتد لعقدين من
الزمان. وبعدها أتى الانقلاب العسكري في يوليو2013، وشهد غياب الأطباء من مرشحي
الاخوان عن حضور انتخابات أكتوبر 2013 بسبب المطاردات الأمنية وما تبعها من ضحايا
ومعتقلين ومشردين ومهاجرين.
دور الأطباء في فرض إرادتهم واختيار من يمثلهم بكفاءة؛ أصبح هو واجب الوقت، لأن نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة كانت 6 بالمئة فقط، لهذا فمن الواجب على جميع الأطباء مراجعة أسماء المرشحين بدقة، والاهتمام بالحشد الانتخابي في شهر اكتوبر القادم، واختيار الأكثر كفاءة وقدرة على العمل النقابي في مجالاته المتنوعة حسب قانون انشاء نقابات المهن الطبية رقم 45 لسنة 1969 وتعديلاته.
وبعد ذلك بدأت معاول الهدم تطول النقابات المهنية مثل غيرها من
منظمات المجتمع المدني؛ وتم فرض الحراسة على بعضها وتحجيم نشاط البعض الآخر.
الواقع بعدها أثبت أن حراك الأطباء كان يسبق حركة مجلس النقابة
بخطوات كثيرة، كان أبرزها مشهد حشود 13 ألف طبيب في " جمعية الكرامة"
يوم 12 فبراير 2016 ؛ ردا على اعتداء أفراد من الشرطة على أطباء مستشفى المطرية
التعليمي بالقاهرة، ومع الأسف، فقد نجح مجلس النقابة وقتها في إهدار زخم تلك
الحشود، ولم يتم استثماره بصورة جيدة، مما تسبب في أن ينفض الأطباء من حول نقابتهم
، وبلغ عزوف الأطباء مداه في عدم قدرة مجلس النقابة على عقد الجمعية العمومية العادية
السنوية للعام الحالي 2023 ،رغم تأجيلها ثلاث مرات ، لعدم حضور بضع مئات من
الأطباء لاستكمال النصاب القانوني.
انتخابات نقابة الأطباء للعام الحالي 2023 تشهد صراعا سياسيا بدأ
مبكرا في نقابات أخرى:
بحسب سجلات النقابة العامة لأطباء
مصر، فإنّ عدد الأطباء المسجّلين
فيها، وعلى رأس العمل، بلغ حتى 20 مارس/آذار عام 2022 عدد 228 ألفاً و862 طبيباً،
وجميعهم لهم حق الترشح وحق التصويت الانتخابي، إضافة إلى باقي الأطباء فوق سن
التقاعد. ويقوم نظام انتخابات نقابة الأطباء على تجديد نصفي كل عامين لأعضاء مجلس
النقابة العامة والنقابات الفرعية بالمحافظات ً، بينما تجرى الانتخابات على منصب
النقيب كل أربعة أعوام. وقد انتهى موعد الترشح، وجارى اتخاذ الإجراءات القانونية
لإعلان أسماء المرشحين بصورة نهائية في بداية شهر أغسطس المقبل.
وهنا تأتى التوقعات بأن تتحول الانتخابات إلى ظاهرة سياسية، خاصة بعد
نجاح أعضاء نقابة الصحفيين في اختيار مرشحهم لمنصب النقيب وفوزه على مرشح
الحكومة ،و نجاح أعضاء نقابة المحامين في
التصدي لبعض القوانين الحكومية بقوة وحشد نقابي كبير ، ثم تدخل حزب "مستقبل وطن" التابع للسلطة ،
بفرض إجراءات سحب الثقة من نقيب المهندسين
والتي فشلت ، مما أدى إلى هجوم كوادر الحزب من المهندسين وغيرهم على مقر انعقاد الجمعية العمومية لنقابة المهندسين في عملية بلطجة أثارت المخاوف حول تكرارها في الجمعية
العمومية لانتخابات نقابة الأطباء بعد نحو شهرين .
قانون إنشاء نقابة الأطباء يؤكد على دورها السياسي والمهني
والاجتماعي للأعضاء والصحي المجتمعي للمواطنين:
دور الأطباء في فرض إرادتهم واختيار من يمثلهم بكفاءة؛ أصبح هو واجب
الوقت، لأن نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة كانت 6 بالمئة فقط، لهذا فمن
الواجب على جميع الأطباء مراجعة أسماء المرشحين بدقة، والاهتمام بالحشد الانتخابي
في شهر اكتوبر القادم، واختيار الأكثر كفاءة وقدرة على العمل النقابي في مجالاته
المتنوعة حسب قانون انشاء نقابات المهن الطبية رقم 45 لسنة 1969 وتعديلاته.
ومن الواجب على جميع المرشحين فورا سرعة اعلان برامجهم الانتخابية والتي يجب أن يتم
التركيز فيها على أهم المشاكل الصحية في مصر بداية من المطالبة الجادة بتطبيق مادة
18 من دستور 2014 بمعنى تلبية الاستحقاقات الدستورية ؛ بأن يبلغ الانفاق الحكومي
على الصحة نسبة لا تقل عن 9 بالمئة من إجمالي الناتج المحلى المستهدف للعام المالي
حسب متوسط النسب العالمية، والمطالبة بأن ينضم جميع الأطباء والأطقم الطبية، "الجيش
الأبيض"، ضحايا جائحة كورونا وأية مخاطر مهنية تحت مظلة القانون رقم 16 لسنة
2018 والخاص بضحايا العمليات من الجيش والشرطة، والسعي الجاد لسرعة إصدار قانون
المسؤولية الطبية ومنع حبس الأطباء في المشاكل المهنية دون تحقيق شامل ومعرفة
طبيعة ونوعية المشكلة ، وقيام نقابة الأطباء بدورها القانوني نحو المشاركة في وضع
السياسات الصحية ، والسعي نحو إطلاق سراح قضايا
الرأي من الأطباء المعتقلين
،وزيارتهم ورعاية أسرهم لحين خروجهم من السجون.
الخلاصة هي أن الالتزام بالواجب القانوني لمن يحمل مسؤولية التصدي
للعمل النقابي يعنى النظرة الكلية لجميع جوانب المهنة سياسيا واجتماعيا وفنيا
ومهنيا سعيا نحو نيل الأطباء لجميع حقوقهم المادية والمعنوية في بيئة آمنة وصالحة
للعمل، مما يحقق الأمن والسلامة لهم ولجميع المواطنين، ومن ناحية أخرى فإنه من
الواجب على كافة الأطباء التحلي بالإيجابية، والتصويت لاختيار الشخصيات الفاعلة
أصحاب النشاط الواضح وليس مجرد مناصب وشهرة إعلامية غير مهنية.