البهرة طائفة تنتسب للمذهب الشيعي، ولها تاريخ يتعلق بنشأتها
وأفكارها، وليس لها كتب ومصادر تعرف الناس بمذهبها التفصيلي، أو أصول اعتقادها،
وليس من اليسير الوصول إليه كباحث، أو من يريد التعامل معهم من حيث الحكم على تفاصيلهم العقدية والفقهية.
يعرف تاريخهم من حيث النشأة، ومن حيث مواضع تمركزهم في الهند بما
يمثل كثافة وجودهم، ومنذ سنوات بدأ نشاطهم في
مصر يزداد، وإن بدا كنشاط تجاري، منذ
الستينيات من القرن الماضي، ثم دخلوا مرة أخرى وبدأ اسمهم يطرح على الساحة، عندما
طلبوا من الرئيس السادات أن يقوموا بتجديد مسجد الحاكم بأمر الله، وهو ما تم
بالفعل.
ثم تواجدوا أيضا بشكل سياحي في مصر في عهد مبارك، وكنا نراهم ونحن
طلبة في الأزهر، حيث كانت كليتنا (كلية الدعوة الإسلامية) في الجامع الأزهر، على
نظام الدراسة القديم، يجلس الدكتور على كرسي الشرح، ونجلس نحن الطلبة على سجاد
المسجد، فكنا نرى بحكم أن المسجد مزار سياحي أيضا، كنا نرى أشخاصا من باكستان
والهند بلباسهم الهندي المعروف، يزورون الجامع الأزهر، وتزداد زيارتهم لمسجد
الإمام الحسين.
وزاد تواجدهم في هذه الآونة تجاريا، ولما جاءت ثورة يناير حتى
الانقلاب، لم يكن لهم بروز قوي بل حدث ما
يشبه التخفي قليلا وقتها، ثم عادوا للظهور مرة أخرى، في إبريل سنة 2014م، ليظهر
زعيمهم مع السيسي مقدما تبرعا منهم لصندوق تحيا مصر، قيمته عشرة ملايين جنيه، وهو
ما أصبح عادة كل فترة يتبرعون بالمبلغ للصندوق، مع مقابلة من السيسي لهم، وحرص من
الإعلام على إبراز هذا التبرع.
ثم دخلوا على مساحة تجديد مساجد أخرى لآل البيت، فساهموا في تجديد
مسجد الإمام الحسين، والسيدة نفيسية، وغيرها من المساجد المتعلقة بآل البيت، وموقف
السلطة في مصر مفهوم من حيث قبول تبرعهم، أو تجديدهم لبعض المساجد، فمثل هذه
العلاقات في ظل السلطة الموجودة لم يعد يستغربه أحد، أو يسأل عما وراءه.
لكن اللافت للنظر هنا هو صمت جهتين دينيتين، كانت لهما مواقف سابقة
من البهرة، والشيعة بوجه عام، الجهة الأولى، هي دار الإفتاء المصرية، والتي أصدرت
فتوى في الثامن عشر من فبراير سنة 2014م، أي قبل تبرعهم للسيسي بشهرين، وكانت فتوى
الإفتاء واضحة وشديدة ضد البهرة.
كانت فتواهم تقضي بأنهم فرقة منحرفة، لا يحل للمسلم أن يأكل طعامهم،
ولا أن يتزوج منهم، ولكن الفتوى بعد أن كانت على موقع الإفتاء، ولها رقم، تم حذفها
تماما، ولم يعد لها وجود في أرشيف الدار، ولا الموقع، ولا يستبعد في ظل الهيمنة
الأمنية والعسكرية على كل مفاصل الحياة في مصر، من حدوث ذلك، فتسييس القضايا
الدينية موجود على مدار التاريخ، ولكن التدخل بشأن فتوى تتعلق بفرقة أو طائفة، هذا
هو الجديد، لأن السؤال لم يكن متعلقا بالبهرة بشكل عام، بل متعلق بسؤال عن الزواج،
ولذا كانت الإجابة وإن كانت خاصة بالزواج، لكنها كاشفة عن موقف الإفتاء من الطائفة.
لما جاءت ثورة يناير حتى الانقلاب، لم يكن لهم بروز قوي بل حدث ما يشبه التخفي قليلا وقتها، ثم عادوا للظهور مرة أخرى، في إبريل سنة 2014م، ليظهر زعيمهم مع السيسي مقدما تبرعا منهم لصندوق تحيا مصر، قيمته عشرة ملايين جنيه، وهو ما أصبح عادة كل فترة يتبرعون بالمبلغ للصندوق، مع مقابلة من السيسي لهم، وحرص من الإعلام على إبراز هذا التبرع.
الجهة الثانية، هي حزب النور، وهو الجماعة السلفية بقيادة الشيخ ياسر
برهامي، وهذا الفصيل كان وقت حكم الدكتور مرسي رحمه الله، متحفزا ومهاجما، لمجرد
الإعلان عن فتح باب السياحة الإيرانية لمصر، فهنا قامت قيادات النور، وقيادات أخرى
سلفية في مصر، بالرفض، والاستنكار، وأن هذا خط أحمر، لن نسمح به.
الآن يتم هذا الظهور المعلن للبهرة، بل والمقابلة مرات مع رأس
السلطة، بل منح زعيمهم أعلى وشاح مصري، وهو وشاح النيل، ويتم سحب فتوى من دار
الإفتاء متعلقة بهم، ولم نر لحزب النور، ولا لنوابه في البرلمان رفضا، أو تصريحا
أو شجبا لما حدث، من باب الاتساق مع المبدأ، والرأي الفقهي والعقدي لديهم، لكنه
كان يحدث فقط أيام مرسي، والآن كل شخص له مرجعه الأمني الذي لا يملك الفكاك منه،
ولا الخروج عنه قيد حرف.
بل صمت حزب النور وبرهامي وزملاؤه عن تجديد المساجد التي بها أضرحة،
ومواقفهم من قبل معروفة، بغض النظر عن الموقف الفقهي العام، فنحن نتحدث عن الموقف
الديني الخاص بحزب النور والجماعة السلفية، وهو موقف معروف ومحفوظ تاريخيا، بل
كانت تتمايز به الجماعة، حيث الهجوم على بالرأي الفقهي على الأضرحة.
كنت قد قابلت المرحوم الدكتور عصام العريان بعد ثورة يناير مباشرة،
وبداية تكوين حزب النور، فسألته عنهم، فقال لي: إنهم مدعومون من المجلس العسكري،
وكثير من قيادتهتم صناعتهم، وكان العريان دقيقا في مثل هذه الأمور، ولا يتعجل
بالاتهام، وهو ما أثبتته الأيام بالفعل، فكل قضية رفعوها ورفعوا شعارها باسم الدين
بعد ثورة يناير، وأيام حكم مرسي، انقلبوا لضدها تماما، وصمتوا عن كثير منها أيضا،
واكتشفنا أن جل القضايا التي كانت تثار كانت من باب المزايدة، والإفشال.
وإلا فما تفسير موقفهم، إن فهمنا أن موقف دار الإفتاء من البهرة،
وسحب فتواها عنهم، لأن الإفتاء جزء من السلطة كوظيفة، وإن لم يصح ذلك كرسالة، لكن
ماذا عن حزب ودعوة كان سر بقائها ووجودها هو الحفاظ على العقيدة، كما كانت ترفع
وتدعي؟!
أعتقد أن مثل هذه المواقف تستوجب مراجعة جادة منا كإسلاميين وفصائل ثوار
يناير، فإن مثل هذه الأصوات الزاعقة كانت أحد الأسباب المهمة في ضياع هذه التجربة،
وفي عودة العسكر للحكم بأبشع صوره.
[email protected]