بينما يصر
النظام
المصري على إعلان رفضه توطين سكان قطاع
غزة في شمال سيناء، ويحشد وسائل
إعلامه الرسمية، ودفع الجماهير للتظاهر في الشوارع والميادين، الجمعة الماضية، للتأكيد على الأمر، تتكشف تباعا سيناريوهات مقلقة عن ذلك التوطين، مقابل حل أزمات
البلد العربي الذي يعاني اقتصاده الانهيار والديون وقرب الإفلاس.
ومنذ 7 تشرين
الأول/ أكتوبر الجاري، وإطلاق المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى"
التي أوجعت الاحتلال وأصابته بالشلل، وتسببت له في خسائر فادحة، يسعى قادته بدعم
أمريكي وغربي لخيار توطين فلسطينيي غزة في سيناء المصرية، لإفساح المجال لترسانته
العسكرية لإبادة المقاومة.
وعلى مدار نحو 19
يوما، يقوم جيش الاحتلال بقصف قطاع غزة، في محاولة منه لتهجير نحو 1.1 مليون
فلسطيني، وسط أحاديث عن مُخطط كامل لتهجير حوالي 2.3 مليون فلسطيني من القطاع إلى
سيناء.
"تسكين في أكتوبر والعاشر"
أحدث سيناريوهات
التوطين، كشف عنها المدير والباحث في معهد "مسجاف" للأمن القومي
الاستراتيجية الصهيونية، أمير وايتمان، تحت مسمى "برنامج لإعادة التوطين
والتأهيل النهائي في مصر لكافة السكان"، مؤكدا أنه سيناريو "يتوافق مع
المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل، ومصر، وأمريكا، والسعودية".
وبحسب الوثيقة
التي تكشف تفاصيل الخطة، ووصل "عربي21" نسخة منها، فإنه في عام 2017، تم
رصد 10 ملايين وحدة سكنية شاغرة بمصر، بمدينتي السادس من أكتوبر، والعاشر من
رمضان، الصناعيتين، تملكها الحكومة والقطاع الخاص، بجانب أراضي بناء كافية لإسكان
6 ملايين نسمة.
ولفتت إلى أن
تلك المساكن الفارغة تكفي لسكان غزة البالغين من 1.4 إلى 2.2 مليون نسمة، مبينة
أنه يمكن أن تحول
إسرائيل لمصر من 5 إلى 8 مليارات دولار مقابل تمويل المشروع،
ملمحة لإمكانية مضاعفة هذه المبالغ، أو جعلها 3 أو 4 أضعاف.
ووفق الخطة المُشار
إليها، يمكن كذلك "استثمار بضعة مليارات من الدولارات (20 أو 30 مليار دولار)
لحل هذه المشكلة الصعبة"، متطرقة إلى احتمالات زيادة الدعم الخليجي، وكذلك
الأمريكي والأوروبي لمصر، من أجل حل أزمات الديون وتفاقم أزمة الجنيه مقابل
العملات الصعبة.
وتوقعت أنه
"يمكن التوصل لهذه الصفقة بين مصر وإسرائيل بغضون أيام قليلة بعد بدء تدفق
المهاجرين من غزة إلى مصر عبر معبر رفح".
"خطط مماثلة"
وعبر فضائية
"14" العبرية، كشف سفير الاحتلال السابق في الأمم المتحدة، داني دانون، عما أسماه العرض السخي الذي قدمته أمريكا للسيسي، من أجل صفقة إجلاء الفلسطينيين
لسيناء، مقابل 20 مليار دولار.
ورغم أن المسؤول
الإسرائيلي أشار إلى رفض السيسي لذلك العرض، لكنه أضاف أنه "ربما تتغير
الأمور، لأن السيسي يعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة".
تلك الخطط
انتقلت إلى دعوات معلنة وصريحة من قادة الاحتلال، حيث دعا كبير المتحدثين
العسكريين الإسرائيليين، ريتشارد هيشت، الفلسطينيين للفرار من الغارات الجوية إلى
سيناء، بحسب وكالة "رويترز".
وكشفت تقارير
صحفية غربية عن توافق الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين
نتنياهو، على إجلاء فلسطيني غزة إلى سيناء، بل ذهبت الصحافة الأمريكية للقول إن
"الإدارة الأمريكية تدرس الخطوة وطرق تنفيذها مع دول أخرى".
وفي عام 2020،
أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الجدل بإعلانه عن "صفقة
القرن"، والتي تشمل توطين أهالي غزة بشمال سيناء، مقابل دعم مالي لنظام
عبدالفتاح السيسي في مصر.
وأعلن وزير
الاتصالات السابق من حزب الليكود أيوب قرا، في شباط/ فبراير 2017، أن لقاء ترامب
ونتنياهو، بواشنطن يدشن خطة لإقامة دولة فلسطينية بغزة وسيناء.
اظهار أخبار متعلقة
وفي تشرين
الثاني/ نوفمبر 2017، دعت وزيرة شؤون المساواة الاجتماعية الإسرائيلية السابقة،
جيلا غامليل، لإقامة دولة فلسطينية بديلة بسيناء.
"تناقض مصري"
موقف السيسي،
المُعلن جاء رافضا فكرة نزوح الفلسطينيين إلى مصر، لكنه كشف عن قبول فكرة نزوح
الفلسطينيين للتخلص من المقاومة، ولكن بتوطينهم بصحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة.
المثير أن الرفض
المصري لما يُثار عن توطين فلسطيني غزة في سيناء، يقابله رفض تام من السلطات
المصرية لإعادة توطين أهالي سيناء قرب حدود غزة.
بل إن الجيش
المصري الذي قام بتهجير سكان المناطق الحدودية مع غزة منذ العام 2014، أطلق الرصاص
الحي لتفريق تجمع سلمي للمُهجرين المطالبين بالعودة غرب مدينة رفح، مساء الاثنين.
هذا الاعتداء
والمنع المثير للجدل اعتبره الكاتب الصحفي المعارض أحمد حسن الشرقاوي، يوضح
قصة التوطين، في إشارة إلى أن النظام يمنع تسكين أهل سيناء بالمنطقة لأجل سيناريو
توطين أهالي غزة بها.
اظهار أخبار متعلقة
كما أنه من
المثير للتساؤلات أيضا، أن الجيش المصري يقوم بحشد جنوده بمحيط معبر رفح المنفذ
الرئيسي لسكان غزة، في خطوة توحي بمنع أية نزوح على الأراضي المصرية.
لكنه وفي
المقابل، فإن السلطات نصبت خياما واتخذت تدابير أمنية بالمنطقة العازلة البالغ
طولها 14 كيلومترا بجوار معبر رفح، وفق تأكيد موقع "مدى مصر"، ما جعل
البعض يرى أن تلك الاستعدادات تشير للموقف الحقيقي للسلطات المصرية، بقبول التوطين.
وهو الخيار الذي
يرفضه الفلسطينيون بشكل قاطع، حيث قال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"
إسماعيل هنية، إنه "لن تكون هناك هجرة من غزة لمصر".
ولكن يبدو أن
الإغراءات المالية قد تدفع نظام السيسي، للقبول بالعرض، ووفق مراقبين فإنه فقط
يساوم على حجم الصفقة.
وتحدث موقع
" مدى مصر" عن تعرض مصر لضغوط من دول غربية لقبول سيناريو التوطين مقابل
حوافز اقتصادية، مشيرا لوجود ميل داخل بعض دوائر صناعة القرار المصري لقبول الأمر.
هل يقبل
المصريون؟
وتظل سيناء على
مدار التاريخ مطمعا لغزاة مصر من الشرق، لكن ما يثير مخاوف المصريين أن سيناريو
التوطين مقابل الدعم المالي بدأ التمهيد له إعلاميا.
وزعم الكاتب
عماد الدين أديب، الأحد الماضي، أن "الإخوان (جماعة الإخوان المسلمين) كانوا
ممكن يقبلوا بصفقة القرن مع إسرائيل مقابل الدعم المالي بالموافقة على اتساع مساحة
غزة في سيناء".
وإثر عملية
"الرصاص المصبوب" عام 2008، والحرب التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة،
اقتحم نحو 35 ألف فلسطيني معبر رفح، ودخلوا الأراضي المصرية، لكن نظام الرئيس
الأسبق حسني مبارك، مارس قبضته الأمنية وأعادهم بالقوة وأغلق معبر رفح.
وفي العام 2017،
كشف مبارك عن عرض تلقاه من نتنياهو عام 2010، لتوطين الفلسطينيين بسيناء، مشيرا
لرفضه الأمر.
لكن تبقى
المخاوف من نظام السيسي الذي فقد فيه كثير من المصريين الثقة، وهو ما أشار إليه منسق
حركة "مصريون حول العالم من أجل الديمقراطية" بأمريكا محمد إسماعيل،
مؤكدا أن أحداث عديدة جرت في مصر تمهيدا للتوطين أو صفقة القرن، ولم تقع صدفة، وأن
وجود السيسي على رأس السلطة ليس صدفة.
وأشار إسماعيل إلى
أزمة "التفريط في نهر النيل، واتفاقية مبادئ النيل 2015، حتي تكون المياه
لمصر بشرط وصولها سيناء، ووصول المياه داخل إسرائيل، واستقبال سكان غزة ضمن صفقة
القرن".
ولفت إلى وقائع
"
تهجير أهل سيناء دون رجعة، حتى تتمكن إسرائيل من قذف غزة وأهل غزة، ومصر
تفتح المعابر دون رجعة، وتتحقق أهم خطوات صفقة القرن حتي ينتهي حلم حق العودة
للشعب الفلسطيني".
وحول مدى
معقولية تنفيذ هذه السيناريوهات على الأرض، تحدثت "عربي21"، مع مراقبين
مصريين وفلسطينيين، وطرحت عليهم السؤال: "هل تعتقدون أن الأوضاع التي تعيشها
مصر والأزمات المتتابعة والمتفاقمة تشير لاحتمالات تصنيع تلك الأزمات بعناية طيلة
سنوات ماضية حتى يأتي الحل من الجانب الإسرائيلي مقابل التوطين؟
"نفيه إثبات"
السياسي
والإعلامي المصري المعارض الدكتور حمزة زوبع، يرى أن "الرفض الظاهر لتوطين
الفلسطينيين جيد إذا كنّا إزاء نظام طبيعي يحترم شعبه، ولم يقم بتهجير أهالينا في
رفح المصرية".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، استدرك بقوله: "لكن النظام الحالي غير جدير بالثقة،
ويجعلنا نتحسس رؤوسنا مع كل مصيبة وأزمة وكارثة، ومع كل تصريح بالنفي، لأن عهدنا
به أن نفيه إثبات".
وأكد زوبع أن
"النظام يعاني ولا يجد مخرجا، ولن يجد، حتى لو باع كل مقدرات الأوطان، لأنه
يشبه المقامر المخمور الذي يصر على أنه سيكسب وهو لا يدري أن الخمر ذهب بعقله،
والقمار ذهب بماله، إن جاز أن يكون ماله".
ولفت إلى وجود
"مصلحة صهيونية من توطين الفلسطينيين في مصر، ولكن مصر كدولة وشعب لا مصلحة
لها في ذلك؛ بل الضرر كل الضرر"، موضحا أن "نقل الفلسطينيين يعني أن
السلطة باعت القضية من أجل حفنة دولارات، وسوف يذكر التاريخ اسم مصر مقرونا بذلك،
وهذا عار وأي عار".
اظهار أخبار متعلقة
ويعتقد
زوبع، أن "الفكرة المطروحة سيتم تقديمها على أنها بيع شقق مملوكة للجيش
إلى مستثمرين عرب، وبالتالي لا يبدو الأمر وكأنه إعادة توطين، ويمكن تمرير ذلك عبر
حملة إعلامية ضخمة تتحدث عن الأمر كما لو كان إنجازا أو شيء من هذا القبيل".
وأكد أن
"قبول الجنرال (السيسي) مسألة وقت؛ فهو يريد ويرغب خدمة الصهاينة قبل أن يكون
في ذلك مردود مالي ضخم والجمع بينهما بالنسبة له خير، وهو لا يخشى العواقب ولا
يهمه الشعب بل لا يرى الشعب نصب عينيه".
وختم الإعلامي
المصري بالقول إن "مصر تمر بأسوأ إفرازات انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، وللأسف
تدفع فواتير ضخمة لهذا الانقلاب".
جميع
السيناريوهات "متفجّرة"
من جانبه، قال الباحث
الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية صلاح الدين العواودة، إن "الواقع الذي يعرفه
الجميع لا يحتاج إلى تنبؤ ولا تحليل سياسي؛ فهو مبني على آثار الحرب العالمية
الأولى (1914- 1918) من قبل الغرب الاستعماري، والذي كان إحدى إفرازاته الدولة
القطرية العربية مثل مصر وسوريا والأردن وغيرها بجانب فلسطين التي أُعطيت لليهود
لإقامة ما يسمى بإسرائيل".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أكد أن "كله مشروع استعماري واحد، والنظام العربي نتاج
اتفاقية (سايكس بيكو)، والحكومات العربية وظيفتها إخضاع المنطقة لصالح الغرب،
وبالتالي لا فرق بين مَن يعاني بشمال سوريا وجنوب اليمن وأقصى المغرب العربي
والعراق وفلسطين؛ فأزمة الجميع الاستعمار والحكومات الموالية".
اظهار أخبار متعلقة
الباحث بمركز
"رؤية للتنمية السياسية" بإسطنبول، أضاف: "بالتالي، الغرب يحرّك
الحجارة على رقعة الشطرنج بالشرق الأوسط ويدير مصالحه بهذا الشكل فيغير نظام ويسقط
هذا ويرفع هذا، ويجري انتخابات لا تعجبه النتيجة فيعيدها أو ينقلب عليها أو يأتي
بجنرال ينقلب عليها، ولا يعجبه سلوك جنرال فيغيره، ولا يعجبه بلد فيقسمه، ويخلق
الفتن، ويتحكم بالمنطقة وليس غزة أو فلسطين فقط".
ولفت إلى أنه
"من الطبيعي جدا أن يطرح الجنرال غيورا إيلاند صفقة القرن منذ 2010، واليوم
تُطرح من قِبل كتاب وباحثين وصارت فكرة متداولة بالأوساط الصهيونية منذ نشأة
الكيان عام 1948، بفكرة الوطن البديل للفلسطينيين بالأردن أو سيناء".
ويرى العواودة،
أنه "إذا لم يستيقظ الجميع سنعاني كلنا، وتباع غزة مقابل بعض المليارات
للسيسي، ليبقى يفسد مصر ويدمرها"، موضحا أنه "لو قيل له بترحيل سكان غزة
مقابل سداد ديون مصر، عندها لن يقول ضحينا بغزة ولكن سيقول مصر أهم وأكبر من غزة".
ويعتقد أن
"المشكلة هنا أيضا أن هذه الأموال لن تذهب لشعب مصر ولن تستفيد منها البلاد
كما قضايا أخرى بيعت في مصر في النهاية ستُنهب الأموال بيد الفاسدين الذين
يرسلونها لبنوك أوروبا وأمريكا بالتالي الأموال تبقى لإسرائيل والغرب".
وأشار العواودة
إلى أنهم "يحاولون إنجاح سيناريو التوطين، والنظام المصري صنيعتهم لن يستطيع
قول لا، ولكن الاتفاق كالعادة هو الرفض العلني في الإعلام"، مبينا أن
"أهل غزة ولو ماتوا لن يقبلوا بهذا العرض".
واستدرك:
"ولكن الإجماع الأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني على دعم الاحتلال،
مقابل الصمت والخزي العربي يجعل كل السيناريوهات واردة، وكما تم تهجير الشعب
العربي من فلسطين عام 1948، ممكن أن يُهجر اليوم، خاصة أنه إذا لم يُهجر أهل غزة
فسيقتلون".
ويرى العواودة
أن "هذا السيناريو الأرجح، إلا أن يحدث انفجار وينتج نتائج تغير نتائج الحرب
العالمية الأولى في المنطقة"، معتقدا أن "هذه بذور الحرب العالمية
الثالثة"، ملمحا لوجود "دراسات أمريكية عن سيناريو حرب دينية بسبب القدس
ستنفجر بفلسطين وتؤدي لحرب ثالثة".
وختم بالقول:
"ولذلك، هم يحاربون غزة النواة التي لا تقبل بالسكوت ولا الخنوع"، مؤكدا
أن "السيناريوهات كلها متفجّرة؛ فلن يمر التوطين في سيناء بهدوء، ولن يمر
ترحيل أهل غزة بهدوء، ولن يمر أي سيناريو إلا بتفجير وقتل ودمار".