وأخيرا وبعد طول تحمل، خرج الصحفي المناضل
وائل الدحدوح من أرض
غزة الأبية للعلاج، وذلك عبر الأراضي المصرية أولا، ثم عبر
طائرة قطرية للسفر إلى الدوحة لإكمال علاجه، حيث أصيب من قبل، وقد استشهد زميله آنذاك،
وتحدث الدحدوح عن احتياج ذراعه لجراحة دقيقة للعلاج. وهذا الموقف الذي أسعد جميع
المتعاطفين مع الدحدوح وأهل غزة، يجعلنا نقف مع الخبر عدة وقفات.
فوائل الذي أصبح رمزا لصمود أهل غزة، ورمزا
لصمود الإعلامي صاحب الرسالة، والتي قال عنها بوضوح: إننا نعمل في ظل قصف مستمر،
وقتل لأهلنا، وظروف عسيرة، ونعمل بشكل مهني، أمامهم آلاف السنين حتى يصلوا لهذه
المهنية. مما حدا بنقابة الصحفيين المصرية لتكريمه، وتنظيم وقفة أمامها مطالبة
بفتح المعبر لعلاج أهل غزة.
خبر خروج وائل من غزة، حاول إعلام السلطة في
مصر، أن يجعله منة قامت به مصر، وكان الحديث على أنه سيتم علاجه في مصر، وأن مصر
تنجح في خروج الدحدوح من غزة، وقد أتى خروجه بعد أيام قليلة جدا، من اتهام محامي
الدفاع عن الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية لمصر بأن السبب في منع دخول
المساعدات لغزة هي مصر، وانبرى إعلام النظام لتبرئة النظام من التهمة، وهو بالفعل
بريء منها من جهة، لكنه مدان إدانة كبرى من جهة أخرى، وهي: التفريط في السيادة،
وافتقاد هذه السيادة على أرضه، لدرجة أن من يتحكم في المساعدات الكيان الصهيوني،
في معبر مصري
فلسطيني!
وخروج وائل هو ظرف يعود الفضل فيه أولا،
للقضية التي رفعتها جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية ضد الكيان، وفي ظل استعار
الاتهامات له بمنع المساعدات، ومنع علاج الجرحى، فهذا الظرف هو الذي فتح المجال
لخروجه، وإلا فالرجل مصاب منذ فترة ليست قصيرة، رغم إصراره على العمل في ظل هذه
الظروف.
كتب على المواطن الفلسطيني عموما، والغزاوي تحديدا، أن يعيش كل هذه المصائب والابتلاءات المادية والمعنوية؛ بلاء الفقد المادي والمعنوي، من بشر وحجر، وذكريات وتاريخ ووطن، بعد أن عاشوا مجزرة من أكبر مجازر القرن الحالي والماضي، في ظل تخاذل عربي وإسلامي غير مسبوق.
وإذا خرج وائل في ظرف كهذا، واحتياج النظام
المصري للقطة ترفع عنه الحرج، ورغم أن خروجه من غزة لمصر، كان مرحلة ترانزيت ليصل
بعدها للدوحة، فإن السؤال الذي يطرح بقوة وأسى في آن واحد: من لبقية الجرحى
البسطاء من أهل غزة؟ ليس لخروجهم للدوحة، بل لخروجهم لمشافي مصر، التي يرحب
أطباؤها ونقابتها بهم، ويتمنى جل الشعب المصري أن يحمل إخوانه من المصابين من أهل
غزة في عيونهم قبل أسرة المستشفيات، ومع ذلك يصل الحال ببعضهم إلى الانتظار طويلا
حتى يخرج للعلاج، وتكون الوفاة أسرع إليه من قرار العلاج، ليكون الموت أرحم به من
البشر.
بل وصل انعدام الرحمة، إلى ما نشر من متاجرة
على الحدود لمن يريد الخروج من غزة لمصر، وصل حسب بعض المواقع لرشاوي تدفع تصل
لعشرة آلاف دولار، فيجمع على المصاب والمطارد من أهل غزة، أن يتاجر به القريب
والبعيد، فعدو يريد دمه، وقريب يريد ماله، ليخرج من غزة مجردا من ذكرياته، ومجردا
من أسرته، ومن ماله.
ويظل يعيش وضعا آخر أكثر رعبا، يعيشه وائل
الدحدوح، ويعيشه كل من تمكن من الخروج للعلاج، أو للنجاة، هل سيتمكن من العودة مرة
أخرى إلى وطنه؟ وقد علق في ذاكرة كل فلسطيني أن جل من خرج أصبحت عودته الاختيارية
حلما يتمناه، ووضعت عوائق وتحديات، أكثر وأكبر من تحديات خروجه، فرغم الفرح
بالخروج للعلاج إلا أنه فرح ممزوج بالخوف، وهو خوف ليس نتيجة هواجس، بل نتيجة
كوارث حدثت وعاشها الفلسطينيون على مدار تاريخهم مع
الاحتلال الصهيوني وأعوانه.
كتب على المواطن الفلسطيني عموما، والغزاوي
تحديدا، أن يعيش كل هذه المصائب والابتلاءات المادية والمعنوية؛ بلاء الفقد المادي
والمعنوي، من بشر وحجر، وذكريات وتاريخ ووطن، بعد أن عاشوا مجزرة من أكبر مجازر
القرن الحالي والماضي، في ظل تخاذل عربي وإسلامي غير مسبوق.
[email protected]