كثيرة هي الفضائل التي باتت تنقصنا نتيجة التجريف الهائل الذي تعرض له المجتمع علي مدي أربعة عقود أكثر من عجاف خربت الاقتصاد وأفسدت السياسة
ودمرت منظومة القيم الإيجابية التي تكونت في العقود السابقة عليها. ومن هذه الفضائل التي نفتقدها الآن الشجاعة الأدبية والاستقامة والشفافية والوضوح. وحين تغيب هذه الفضائل, فلا عجب أن تفاجئنا حملة إعلانية في الشوارعoutdoor تدعو إلي المشاركة في
الدستور( والمقصود المشاركة في الاستفتاء علي الدستور) باعتبارها دعما أو نعم لثورتي25 يناير و30 يونيو, دون أن يعرف أحد مصدر هذه الحملة ومن الذي نظمها وصممها ومولها. فقد ظل السؤال عن ماهية هذه الحملة مثارا علي مدي أسابيع ولا من مجيب إلي أن تكرم أحد المشاركين فيها وأعلن أنه هو الذي صممها. ولكنه رفض في الوقت نفسه الإفصاح عن مموليها الذين قال إنهم خمسة رجال أعمال لا يرغبون في كشف هويتهم خوفا علي مصالحهم الاقتصادية مع دول تتخذ موقفا سلبيا تجاه الوضع الراهن في
مصر.
والأكيد أن هذا جواب صادم علي سؤال يحير ملايين المصريين الذين لا يعرفون ممولي حملة إعلانية تخاطبهم أينما ذهبوا. فالمفترض أن من يقدم علي عمل عام يكون مقتنعا به ومستعدا للدفاع عنه وتحمل تبعاته. فالعمل العام ليس ملكا لمن يقوم به أو يساهم فيه. فمن الجائز أن يخفي متبرع لعمل خيري هويته. غير أنه لا يجوز له أن يتخفي حين يكون عمله تعبيرا عن موقف يتعلق بمستقبل البلاد. وعندما يكون هذا الموقف متعلقا باستفتاء ستحدد نتائجه المسار السياسي في الفترة القادمة, ينبغي أن يكون في وضح النهار لأن العمل في الظلام لا يضئ طريق المستقبل.
ولا تكفي حسن النوايا هنا لأنها تصبح من النوع الذي يفرش الطريق إلي جهن. فمن شأن إخفاء مصادر تمويل حملة إعلانية ضخمة تروج للاستفتاء أن يفتح بابا للتشكيك فيه و بالتالي إفساد العملية الدستورية التي تؤسس للمستقبل فكفانا افسادا لأي عمل جيد نقوم به.
(الاهرام 11 ديسمبر2013)