ما أصعب موقف
الجيش الذي لا يرغب في السلطة حين تندلع تظاهرات شعبية واسعة في أي بلد تطالبه بالتدخل لإقالة سلطة منتخبة. وهذا هو ما يحدث مرة أخري في
تايلاند الآن, وحدث في
مصر في30 يونيو الماضي.
لكن الفرق بين حالتي تايلاند ومصر أكبر في الواقع مما ذهبت إليه مجلة فورين بوليسي الأكاديمية الأمريكية, حين قارنت بينهما انطلاقا من النظرية المسماة سوق الليمون التي وضعها عالم الاقتصاد الحاصل علي جائزة نوبل جورج أكيرلوف. وتتلخص هذه النظرية في أن فجوة المعلومات بين السلطة والشعب تشبه مثلها بين البائع والمشتري. ولما كانت الفجوة في السوق الاقتصادية تؤدي إلي انهيارها, فإن الهوة بين السلطة والشعب تقود بالمثل إلي انهيار العمل السياسي وتراجع دور القائمين به وحدوث طلب علي فاعلين آخرين.
وفي تايلاند الآن فجوة بين حكومة بنجلوك شيناواترا والشعب, مثلما كانت هناك هوة بين نظام مرسي الإخواني والمصريين. ولكن الهوة في مصر كانت أوسع منها في تايلاند وأكثر عنفا, سواء من حيث أسبابها أو من زاوية أعداد المحتجين علي السلطة. فالواضح أن معدلات المشاركين في الاحتجاجات ضد الحكومة في تايلاند أقل من تلك التي تم تسجيلها في مصر في30 يونيو الماضي. ولذلك ظل الجيش في تايلاند مترددا في تحديد موقفه تجاه مطالبة المعارضين المحتجين بتدخله لإقالة الحكومة. وهناك فرق ثان بالغ الأهمية يرجح أن يدفع الجيش التايلاندي إلي رفض التدخل, وهو المرونة التي أبدتها رئيسة الحكومة شيناواترا. فقد بادرت في9 ديسمبر الحالي بإعلان ما سمته إعادة السلطة إلي الشعب من خلال حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة, بما يعنيه ذلك من استقالة حكومتها. ففي ظل النظام البرلماني المعمول به في تايلاند, تقوم الأغلبية بتشكيل الحكومة التي ترتبط بالتالي بنتائج الانتخابات. فإذا خسر حزب شيناواترا أغلبيته الحالية في الانتخابات المبكرة للبرلمان, لن يكون في امكانها تشكيل الحكومة القادمة. ورغم أن المعارضة التي تخشي الانتخابات لم تقبل هذه المبادرة, وطالبت بتعيين حكومة جديدة, فقد نجحت شيناواترا فيما فشل فيه الرئيس السابق محمد مرسي ربما لأنها ليست عضوا في جماعة الإخوان ولا يعلوها مرشد عام أو مكتب الإرشاد أو تنظيم عالمي.
(الأهرام 24 ديسمبر2013)