اعتبر مفكرون ومرجعيات شيعية أن قرار الزعيم الشيعي
العراقي، مقتدى
الصدر، اعتزال العمل السياسي "عزلة مجدية" أتت نتيجة ضغوط داخلية وإقليمية، لافتين الى أنه بمثابة "جرس إنذار" للعراق، وإخلاء للمسؤولية من أزمات البلاد.
وقال المرجع الشيعي والمفكر اللبناني، هاني فحص، إن اعتكاف الصدر عن العمل السياسي "جرس إنذار" للعراق، وقرار "مفاجئ ومدهش"، لكنه اعتبره "غير كاف".
وأضاف فحص أن الصدر يتقن المناورة "وهو ناور كثيرا في الماضي، حيث ربح مرات وخسر مرات، ونحن معه"، متمنيا أن يكون قراره هذه المرة "مناورة جديدة". ودعاه إلى العودة مجددا إلى دوره، والاستفادة من هذه المناورة.
وكان الصدر أعلن، السبت الماضي، إغلاق المكاتب التابعة لتياره، وعدم السماح لأحد من أنصاره بتمثيله أو التحدث باسمه أو التدخل بالأمور السياسية، مؤكدا أن أية كتلة "لم تعد تمثله" سواءً داخل الحكومة أو البرلمان.
وأشار فحص إلى إمكانية أن يكون قرار الصدر أتى تحت "ضغط تهديد ما"، معتبرا نتائج هذا القرار "كارثية عليه، وعلى الجميع".
وقال أنه "في حال أراد الصدر التفرغ لشؤون المرجعية الدينية، فهذا لا يتم بالانسحاب من العمل السياسي، بل يتم بعقلنة الشراكة السياسية".
ولفت إلى أنه يوافق الصدر على وجود فساد وتعطيل للحياة العامة في العراق وتراجع ملحوظ في مختلف المجالات وترد أمني كبير وقصف للمدن العراقية.
وانتقد فحص الحكام في العراق بـ"تحويله إلى ملعب لأمريكا أو إيران"، مطالبا طهران بـ"الكف عن لعب دور النفوذ والاستتباع في العراق".
وتساءل مستغربا: "كيف يتهم من يحكم العراق جهةً معينة (يقصد حزب البعث السوري) بتدبير 80% من العمليات الإرهابية في العراق، ويأتي مع طهران ليدعم هذه الجهة"، معتبرا أن قرار تدخل إيران في سوريا كان قبل أن تدخل إلى الأخيرة "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)".
ودعا الى تحقيق الشراكة الحقيقية بين كل أبناء العراق بمختلف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم، محذرا من إنتاج "صدام شيعي" كما أنتج في الماضي "صدام سني" باسم السنة زورا، في إشارة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وأكد على أهمية تلاقي "العقلاء من الشيعة والسنة بعمق وصدق وشفافية" من أجل إيجاد مشروع إنقاذي للعراق وكل الدول العربية التي تشهد "واقعا متفجرا".
من جانبه، اعتبر المرجع الشيعي اللبناني، علي الأمين، أن إعلان زعيم التيار الصدري في العراق اعتزاله العمل السياسي "يكشف عن وجود خلاف كبير مع رئيس الحكومة العراقية نوري
المالكي، وعن عدم تمكن التيار الصدري من تحقيق طموحاته وتنفيذ وعوده لجمهوره على الرغم من مشاركته في الحكم منذ سنوات عديدة".
وأشار الأمين إلى أنه "بعد تفاقم الأزمات المعيشية والأمنية في عهد حكومة المالكي الحالية أراد زعيم التيار الصدري تحميل المالكي وحده المسؤولية عما جرى ويجري في العراق من أحداث وفساد في الإدارة والفشل المتراكم في السياسية الاقتصادية والأمنية".
وتساءل عن مدى جدّية قرار الصدر، خصوصا أنه "لم يقترن بالطلب من أعضاء تياره في الحكومة، ونوابه في البرلمان تقديم استقالاتهم".
واعتبر أنه "لا تأثير إيجابي" لهذا القرار لناحية إيجاد حلول للأزمة السياسية القائمة قبل الانتخابات النيابية القادمة، حيث أن الحكومة الحالية وبوضعها الراهن ستبقى تدير الأمور إلى ما بعد الانتخابات.
ووافق المفكر العراقي عبد الحسين شعبان، أمين عام مركز الدراسات العربي الأوروبي، على أن الصدر تعرض لضغوط داخلية وإقليمية من أجل تأييد حكومة المالكي أو أن "يسكت"، مشيرا إلى أن كون الصدر غير قادر على تأييد المالكي وغير قادر على السكوت، قرر "العزلة المجيدة" والانسحاب من المشهد السياسي "على مضض".
وأوضح شعبان أن الصدر تعرض لضغط إيراني جديد بعد أن كان تعرض لضغط مماثل في وقت سابق من أجل عدم سحب الثقة عن حكومة المالكي ما أدى أيضا إلى اعتكافه لفترة.
ولفت إلى أن الصدر بقراره هذا يقول إنه لا يريد أن يتحمل ما يحصل من قصف لبعض المدن العراقية في محافظة الأنبار "يصدع الوحدة الوطنية العراقية".
وتوقع شعبان أن تذهب كثير من الأصوات التي كانت مؤيدة للصدر، لتصب بصندوق المالكي في الانتخابات النيابية المقبلة "بعيدا عن رأي الزعيم الملهم القائد"، مشيرا الى أن غياب الصدر "سيؤدي الى تفتت كتلته النيابية التي تجتمع على شخصه".
ولفت إلى أن ما سرع قرار الصدر هو إقرار البرلمان العراقي لقانون جديد يعطي امتيازات كبيرة للمسؤولين والنواب وكبار الموظفين.
وكان البرلمان العراقي أقر قبل نحو أسبوعين قانوناً تقاعدياً يشمل كبار الموظفين الحكوميين، ويضمن للنواب ولهؤلاء الموظفين امتيازات، بينها راتب مدى الحياة بنسبة قد تصل إلى 70% من الراتب الحالي الذي يبلغ أكثر من 10 آلاف دولار.
وأشار شعبان الى أن الصدر سيعود مجددا فور زوال الأسباب التي أدت لاعتكافه، مذكرا بأنه اعتكف عن العمل السياسي في السابق وعاد مجددا بعد "فورة شباب عفوية فيها شيء من الإثارة والمرارة".
ورأى أن
سياسة الصدر منذ احتلال العراق عام 2002 تتسم بـ"الصميمية والمباشرة والوجدانية والوضوح"، متمنيا أن يبقى هذه المرة على قرار الاعتكاف "من أجل أن يدار الصراع على نحو مختلف".
وقال إن ما يسجل إيجابا للصدر وقوفه ضد احتلال العراق وتأييده لقانون اجتثاث حزب البعث، وتأكيده على الوحدة السنية الشيعية.
ولفت الى أن الصدر يعارض بشدة بقاء المالكي في الحكومة العراقية لولاية ثالثة بتوافق أمريكي إيراني.