بدأ آلاف
الأقباط المصريين في التدفق على
القدس المحتلة في "رحلات حج" إلى الأماكن القبطية "المقدسة" بالمدينة، وحضور الاحتفال المقرر يوم الثلاثاء 15 نيسان/ أبريل الحالي ب"عيد القيامة"، والتبرك خلال أسبوع الآلآم"، للمرة الأولى من نوعها في أعقاب وفاة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية الذي كان يمنع سفر الأقباط إلى القدس إلا بعد تحريرها.
وذكرت مصادر صحفية أن شركة "طيران سيناء" المصرية ضاعفت عدد رحلاتها إلى القدس المحتلة، من 4 الى 12 رحلة أسبوعيا، لنقل أكبر عدد ممكن من الأقباط المصريين إلى الأماكن المسيحية المقدسة بالقدس المحتلة، وأنه من المنتظر أن يتم رفع عدد تلك الرحلات أكثر لنقل ما يقرب من 10 آلاف مسيحي خلال الأيام القليلة المقبلة، وهو العدد الذي تقدم بطلبات إلي دير الكنيسة القبطية بالقدس.
تفاصيل الزيارة
تبدأ الرحلة إلى القدس فى "أحد الشعانين" (غدا)، وبعد زيارة المدينة يتوجه الزائرون إلى طريق جبل الزيتون، لحضور "قداس الشعانين" فى كنيسة القيامة، ثم يشاركون فى زفة لجميع الطوائف المسيحية بشوارع القدس.
كما يزور المسيحيون خلال الرحلة "كنيسة الدمعة"، التى بكى فيها المسيح، وبعدها يزورون كنيسة الشهيد اسطفانوس، "أول شهيد" فى المسيحية، ثم يتوجهون إلى كنيسة القيامة، ويمرون بمراحل الآلآم الـ14، التى مر بها المسيح، فى أكثر من مكان، بحسب العقيدة المسيحية، وبعدها يتجولون فى القدس القديمة، حيث قبر دواد النبى، وبيت مار مرقص الرسولى، مؤسس المسيحية فى مصر، كما يتجمعون أمام قبر المسيح، قبل العودة إلى مصر فى اليوم التالى.
ونقلت صحيفة "الشروق" السبت عن صبرى راغب، وهو صاحب إحدى الشركات المنظمة للرحلات إلى القدس: إن عدد المسيحيين الذين سيسافرون إلى القدس، خلال العام الحالى، يبلغ 5 آلاف شخص، موضحا أن هناك 5 شركات تحتكر تنظيم الرحلات إلى القدس، منها شركات يمتلكها مسلمون، كما أن معظم المسافرين من طوائف مسيحية غير أرثوذكسية، وجميعهم يرفض ختم جواز سفره بخاتم إسرائيلى.
ومن جهته، رفض يوسف راغب، شقيق وشريك صبرى راغب فى الشركة السياحية، اتهامه وشقيقه بالتطبيع مع "إسرائيل"، قائلا إنه يزور السجين وليس السجان، وأن سفر الأقباط للقدس ينتظره الفلسطينيون، لأنه مصدر رزقهم، كما أن أغلب المسافرين يرفضون التعامل مع الإسرئيليين، ولم يتبق أمامنا سوى السياحة الدينية، بعد ما تدمر سوق السياحة بالكامل، على حد تعبيره.
وأوضح أن سعر رحلة الحج إلى القدس هو 7 آلاف جنيه (نحو ألف دولار أمريكي).
موقف البابا شنودة
كان البابا شنودة الثالث حظر علي الأقباط السفر إلي مدينة القدس المحتلة بسبب الاحتلال الإسرائيلي. وقال أكثر من مرة: "إن الأقباط لن يسافروا إلي القدس إلا بصحبة إخوانهم المسلمين".
وأجاب عن سؤال حول رأيه فى المسافرين إلى القدس، قائلا: أدعو الأقباط المتشوقين إلى زيارة القدس لضبط النفس، وعدم الاندفاع العاطفى، لأن الوقت المناسب لم يحن بعد، وفى مصر الكثير من الأماكن المقدسة التى يمكن التبرك بها، أما القدس المحتلة فيجب ألا نندفع عاطفيا نحو زيارتها، دون النظر إلى البعد الوطنى والسياسى، والسلام غائب فى تلك المناطق، وما زال شعبها الفلسطينى يعانى من ويلات الاحتلال الإسرائيلى وقهره، ومن الصعب التراجع عن قرار الحظر فى المرحلة الراهنة، ما لم يتم التوصل إلى السلام الشامل والعادل، لأن السماح للأقباط سيدفع بمئات الآلآف منهم إلى زيارة الأراضى المقدسة، ما يروج للاقتصاد الإسرائيلى، ويؤدى إلى إساءة العلاقات بين الأقباط والأشقاء العرب".
واختتم البابا الراحل كلامه قائلا: "لا حل ولا بركة لمن يسافر"، وهي جملة تعنى أن المسافر إلى القدس يرتكب معصية، ويفعل شيئا خاطئا، ما يجعل من حق الكاهن تطبيق العقوبة عليه.
موقف الكنيسة الحالية
نفت الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية الحالية أى نية للتراجع عن موقفها بعدم السماح للاقباط بزيارة القدس خلال عيد القيامة".
وقال الأنبا باخوميوس قائم مقام البابا إن القرار ليس مرتبطا بحياة البابا الراحل، بل سيستمر السير على خطاه ونهجه فى كل القضايا القومية والعربية لأن الأيام أثبتت بعد نظره، وأن الأمر فى صالح الكنيسة والأقباط.، على حد تعبيره.
ومن جهته، قال المستشار رمسيس النجار -مستشار الكنيسة الأرثوذكسية- إن زيارة بعض الأقباط المصريين إلى الأماكن المقدسة بالقدس تصرفات فردية لا يمكن نسبتها إلى الكنيسة أو المجمع المقدس.
وأشار إلى أن المجمع ما زال عند موقفه بحظر سفر الأقباط إلى الأماكن المقدسة بالأراضي المحتلة، إلا أن هذا القرار غير ملزم للأقباط.
وقال الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وعضو لجنة الإعلام بالمجمع المقدس فى الكنيسة الأرثوذكسية المصرية إن المجمع سيحدد فترة الحرمان من التناول لمخالفى قرار البابا، مشيرا إلى أن هناك بعضا من الشعب القبطى اعتقد أنه برحيل البابا شنودة تكون قراراته قد زالت بشأن تحريم الذهاب للقدس بتأشيرة إسرائيلية، إلا أن ما لا يعيه البعض أن قرارات البابا هى قرارات متخذة من قبل المجمع المقدس، وتكون سارية فى جميع الأحوال.
ومقابل رفض الكنيسة الأرثوذكسية للسفر إلى القدس، توافق الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية. ويقول المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية، الأب رفيق جريش، إن الأماكن المقدسة لا دخل لها بالأمور السياسة، وترفض الكنيسة الكاثوليكية حرمان شعبها من السفر إلى أماكن مقدسة عاش فيها المسيح، من أجل أمور سياسية، لذلك توافق على منح التصريحات المطلوبة من الأمن لسفر الأقباط إلى القدس.
وقال الدكتور القس صفوت البياضى رئيس الكنيسة الإنجيلية إنه لا مشكلة فى زيارة الأقباط للقدس، مستشهداً بما قاله للبابا شنودة الثالث قبيل الثورة، من أن شيخ الأزهر زار فلسطين، ومن الممكن للأقباط أن يزوروا بيت لحم الفلسطينية لما بها من تاريخ مسيحى، حيث ميلاد المسيح، وأبدى البابا تعاطفا لكنه رفض تغيير موقفه من عدم زيارة القدس.
وتساءل البياضى: "لماذا لا نذهب للقدس، ونعطى فرصة لليهود لأخذ مقدساتنا؟"، مضيفاً أن الكنيسة الأرثوذكسية لديها مطران بكنيسة القيامة فلماذا نتخلى عن تاريخنا هناك؟".
جدل وخلاف
الخطوة القبطية أثارت خلافا داخل أروقة أتباع الكنيسة الأرثوذكسية بين مؤيد ومعارض لها.
وطالب جمال أسعد، الكاتب والمفكر، بوقف الزيارات الدينية إلى القدس لحين تحريرها حتى لا يتم استغلال تلك الخطوة سياسيا، موضحا أن زيارات الأقباط تزايدت خلال السنوات الأخيرة مما يعطي الفرصة لإسرائيل لتنفيذ مخطط
التطبيع، والاستمرار في سياساتها العدائية تجاه العرب.
ووصف أسعد إقدام البعض للحصول على تأشيرة إسرائيلية، واستقلال طائرات إلى مطار تل أبيب بالموقف المخزي، مطالبا المصريين بتأجيل زياراتهم إلى الأراضي المحتلة لحين توقف الاعتداءات الصهيونية، وتحرير الأراضي الفلسطينية.
لكن كمال زاخر، منسق التيار العلمانى، قال إن سفر الأقباط إلى القدس لزيارة الأماكن المقدسة أو حضور عيد الميلاد، ليس تطبيعا مع إسرائيل حيث إن الزمن تجاوز هذا المفهوم، ولا يوجد حرمان كنسى للأقباط الذين يسافرون للقدس، على حد تعبيره.
وأضاف زاخر -فى تصريحات صحفية- أن موقف البابا تواضروس الرافض لزيارة الأقباط للقدس، الذى أعلنه منذ توليه للكرسى البابوى، جاء خشية أن يتم استثمار سفر الأقباط سياسيا فى لحظة يمارس ضغوط على الكنيسة، خاصة فى ظل محاولات لخلخلة الشارع القبطى والمصرى، كما قال.
أحد الشعانين وأسبوع الآلآم
ويأتي هذا الجدل في وقت يحتفل فيه الأقباط التابعون للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر غدًا الأحد بعيد "أحد الشعانين" أو "أحد الزعف"، على أن يبدأوا الاحتفال بـ "أسبوع الآلآم"، نهاية الصوم الكبير غداً، الذى يسبق "عيد القيامة" الموافق 20 نيسان/ أبريل الحالى.
وعززت مدرعات الجيش وقوات الشرطة من وجودها لحماية الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، التى ستشهد قداس عيد القيامة يوم 19 نيسان/ أبريل، ويرأسه البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بحضور كبار رجال الدولة.
وشيدت أجهزة الأمن، مصدات حديدية خارج أسوار الكاتدرائية بهدف حمايتها، ومنعت توقف السيارات، كما تم زيادة كاميرات المراقبة، فيما قامت الكنائس الأخرى بتعلية أسوارها، وتركيب كاميرات مراقبة.
ويُذكر أنه في شهر شباط/ فبراير الماضي دعا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس -من قطر- المسلمين والعرب في العالم لزيارة الأماكن المقدسة في القدس؛ تعبيرًا عن التأييد للشعب الفلسطيني.
وذكرت مصادر إسرائيلية أنه خلال عام 2013 زار القدس (المحتلة) نحو 10 آلاف قبطي، وأنه تنشط في مصر نحو 20 شركة سفريات تقوم بنقل الأقباط في رحلات منظمة لهذا الغرض.